طبرجل ,, من البداوة إلى التحضر والتطور السريع,, والمستقبل الواعد
اللحاوية كان إسماً لمدينة طبرجل نسبة لمؤسسها
كان اللقاء الذي أجريته مع الشيخ/ عاشق بن كاسب اللحاوي شيخ شمل قبيلة الشرارات في عام 1404ه ,, ونشر في إحدى الصفحات الاعلامية حينها أكثر تشويقاً,, لم
يدر بخلدي في تلك اللحظات التي دار الحديث فيها أنني سأحتاج كثيراً من المعلومات التاريخية الهامة في تاريخنا الحديث والتي كان رحمه الله ملماً إلماماً
كبيراً بها بل ويتحدث لك وكأنه يقرأ صفحات أمامه حتى في المستقبل فانني حينما أستمع إلى ذلك الشريط الذي يحمل صوته ووقائع تلك المقابلة,, في تلك السنة قبل
خمسة عشر عاماً حينما ألتفت حولي أشعر وكأنه يتحدث بما أراه حولي الآن واليوم من تطور تشهده طبرجل والقرى والهجر المحيطة أو التابعة لها,
فعاشق اللحاوي كان نموذجاً فريداً من نماذج الفكر التخطيطي,,
فمواجهة أزمة كبيرة من الجفاف التي حدثت بالسبعينيات الهجرية من هذا القرن في المنطقة تخلخل الفكر وتحبط الرأي,, فها هو عاشق اللحاوي رحمه الله قد استطاع
اجتياز تلك الحقبة القاسية بما يدور حوله من مخاطر تحيط بقبيلته التي دانت بالولاء للدولة في بدايات الوحدة وقطعت كل سبل البحث عن الرعي في مناطق أخرى غير
ديارها وكانت تلك الفترة من أحرج الفترات التي واجهت عاشق,, مما خلفته العصبية القبلية وما بقي منها من آلام وجراح استطاع الموحد الكبير والمجاهد البطل
الملك عبدالعزيز أن يقول كلمة الفصل في توحيد البلاد ونشر الأمن بين العباد ونبذ الفرقة بسياسته وحكمته في توحيد الأمة والبلاد تحت مسمى واحد هو المملكة
العربية السعودية,
من هنا بدأت مرحلة جديدة وصعبة للغاية تحتاج إلى تضحيات وجهود وصبر ونية صادقة مخلصة وعزيمة وطنية في المشاركة في بناء الوطن,
فكانت أولى خطوات الشيخ عاشق في أن ينهج أسس الوحدة في التقدم للجهات المختصة ليضرب مثلاً في الوفاء والولاء للدولة في أن يختار موقعاً في الوادي (وادي
سرحان) ليبدأ فيه التعمير والبناء ومرحلة جديدة تماماً من الحياة مختلفة اختلافاً جذرياً عما ألفه هو وعموم قبيلته,,
وبالطبع وكما هو متوقع يجد كثيراً من الرفض من الكثير من قبيلته التي ترفض حياة التحضر المرفوض في القوانين القبلية,
وكان لابد من الرضوخ بعد جهد وصبر ومراحل إقناع,, وكما كننت له المواقف التي لاتنسى ذلك الرجل الذي نذكره بثناء ووفاء لما قدمه أيضاً لهذه المدينة من
خدمات جليلة لاتنسى وهو معالي الأمير/ عبدالرحمن السديري الذي حاول أيضاً حسب ما اطلعت عليه من وثائق لدي من رسائل له لبعض أبناء الشرارات وأعيانهم أن
يتركوا حياة البداوة والترحال إلى التحضر وليبين لهم أن الحضارة أفضل لما تجلبه للأجيال من أمن واستقرار وعلم ولم يكتف عاشق اللحاوي بأن بنى داره
المتواضعة وحفر بئر الماء ولكنه جعل جزءاً من ذلك البيت غرفة لتكون مدرسة لأولاده ومن يرغب من عشيرته,, ليبني فيما بعد مدرسة كان اسمها مدرسة اللحاوية,
ويورد شيخي وأستاذي العلامة حمد الجاسر أن اللحاوية كان إسماً لطبرجل ويوضح أن هذا الاسم نسبة للشيخ عاشق اللحاوي, وقد ظل كذلك اسما لمركز الامارة إلى
وقت قريب جداً,
وظلت هذه الهجرة الصغيرة تنمو شيئاً فشيئاً,, تعاصر النماء والتطور وأصبح أبناء قبيلة الشرارات وعدد من مشايخهم يسارعون في البناء والتعمير,, فكبرت
المدينة,, وتوسعت رقعة الاسكان,, بل تعدّى ذلك إلى أكثر مما خطط له المهندسون في البلديات في الرؤية المستقبلية خلال سنوات قادمة فتعدّى حدود خيالاتهم
وتطلعاتهم,, وتعدّى ذلك إلى أكثر من ذلك حيث انتشرت الرقعة الزراعية وأصبحت طبرجل وبسيطة التابعة لها واحة زراعية يشار إليها بالبنان ودعامة قوية من دعائم
الاقتصاد الزراعي في بلادنا الغالية,,
لقد تعدّت طبرجل حدود المحلية إلى أبعد من ذلك,
أعطت الدولة بسخاء,,
عمل المواطن بجهد وإخلاص وولاء صادق,,
فكانت هذه الثمار التي نقطف من بدايات نتاجها في حاضرنا السعيد,,
من المواقف التي تحدث لي بعضهم عن الشيخ عاشق بن كاسب اللحاوي بقوله: (اشتكى بعضهم بحجة ندرة الماء والجهد الذي يلاقيه حينما زرع بضع شجيرات كيف يسقيها
فقال له الشيخ عاشق سائلاً: هل أنت مسلم؟ فدهش الرجل فقال نعم يابو سعود والحمد لله فقال له الشيخ عاشق ألا تصلي خمس صلوات في كل صلاة تتوضأ فيها أو
بعضها؟ فقال الرجل :نعم, قال: توضأ يابني في كل صلاة تتوضأ فيها عند كل شجرة فلابد أن يبقى بعض الماء: اسكبه عليها فإن شجيراتك ستحيا وستلحق عروقها بثرى
الوادي القريبة مياهه,
إنها وقفة تحتاج إلى تأمل منا, هذا البدوي الذي جاء للتو من إبله التي تحدر وادي سرحان وتسنده, كيف يعطي الدرس لهذا الرجل في عملية اسقاء الشجر وكأنه يدرس
عملية التنقيط التي أثبتت الدراسات نجاح فعاليته,
كانت مواقف الشيخ عاشق كثيرة متعددة الجوانب وفاءً منا لذكراه التي نذكره بها ليشاركنا فرحة كبرى هذا اليوم في استقبال سيدي صاحب السمو الملكي الأمير
عبدالإله بن عبدالعزيز آل سعود والذي جاء هدية لاتقدّر بثمن من قائدنا المفدّى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين
وسمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء,
فما تشهده هذه المدينة من تطور كانت أسسه ثابتة وقوية الدعائم طالتها يد الخير والبناء والدعم السخي من حكومتنا الرشيدة التي كانت سبّاقة دائماً إلى مافيه
راحة المواطن وأمن الوطن وأن يعيش المواطن في أي بقعة كانت من أرجاء الوطن الواحد,
فاليوم الذي يشاهد طبرجل وقد سبق وأن شاهدها من عشر سنوات ستتضح له الرؤية الصادقة بدعم الدولة المعطاء للوطن والمواطن وحرصها على أن يطال العمران والتطور
الحضاري كل مكان من هذا الوطن,
حيث مشروع كهرباء طبرجل الضخم الذي يغطي القرى والهجر بامتداد وادي السرحان وأطرافه,, وقد تم دعمه بطاقة توليد سيتم إنشاؤها قريباً بأكثر من مائة وعشرين
مليون ريال لتواجه الإقبال المتزايد من حركة الاعمار والبناء والتطور الحضاري الذي تشهده طبرجل والقرى السكنية والزراعية التابعة لها,
وقد اكتملت تقريباً كفاية المدينة من الادارات الحكومية الهامة كالهاتف والكهرباء والأمن والزراعة والتجارة ومدارس البنين والبنات الثانوية والابتدائية
والمتوسطة,, بل زاد أكثر إلى أن أصبحت طبرجل بفضل فائض المتخرجين من الطلبة والطالبات إلى ضرورة وجود كليات للبنين والبنات,
وأصبحت طبرجل تزخر بسوق تجاري وصناعي كبير وأصبحت ترقى إلى ضرورة وجود غرفة صناعية وتجارية ووجود إدارة للجوازات تنظم العمالة وتوفر الجهد للمواطنين وهذا
مطلب ملح من المواطنين خصوصاً الزراعيين منهم والتجار أصحاب مئات المؤسسات والشركات والمشاريع الزراعية الضخمة التي تحوي الكثير من العمالة,
وأصبحت هنا حركة ثقافية وتعليمية تتطلب وجود قاعة كبيرة للاحتفالات والمحاضرات والاجتماعات في مناسبات عديدة,
لعل الأهم في ذلك هو الكثافة السكانية التي تزداد وترقى إلى أن طبرجل لم تعد كمسمى مركز بل قد يتعدى للناظر بالعين إلى أن هذه المدينة تمارس نشاط المحافظة
في الكثافة السكانية الضخمة والتي تأمل في مستقبل قريب جداً أن يد الاعمار لم تتركها برهة ولا لحظة وأكبر دليل على هذا وجود سمو سيدي الأمير عبدالإله بن
عبدالعزيز في طبرجل اليوم ليشرف حفل أبنائه (قبيلة الشرارات) مبشراً بمستقبل مشرق لكل أجزاء هذه المنطقة التي سعدت بوجوده صغيرها وكبيرها حاضرتها وباديتها
التفت بحبل واحد وتشابكت الأيدي لتمتد إلى يد سموه مبايعة بتجديد الولاء لولاة الأمر شاكرين الله ثم لهم هذا العطاء المتمثل بسمو الأمير عبدالإله,, فهو
رجل عرف عنه حب العمل المثمر والتواضع والكرم ومتابعة شئون المواطنين,, يزرع الخير ويشيد البناء,,
فها هو حلم المرحوم/ عاشق اللحاوي قد تحقق فعلاً في أن طبرجل ستصبح ذات يوم المدينة المثالية لما رآه رحمه الله من دعم الدولة الذي سخّرته في خدمة
المواطن,,
قال لي الشيخ عاشق اللحاوي أنه حينما قابل الملك عبدالعزيز رحمه الله شدّ على يده,, وقال: إن والدك الشيخ كاسب اللحاوي كان صديقاً حميماً,, فقلت له رحمه
الله إني كذلك سأنهج نهجه وطريقه في خدمة ديني ومليكي ووطني,,
وحينما توفي الملك المؤسس عبدالعزيز لقيت من أبنائه ما يلقاه الابن من أبيه من دعم فيه مصلحة لكل المواطنين وإعمار الوطن,, والحفاظ على تماسك وحدته التي
بدأت قوية وستظل قوية ما بقيت دولتنا إن شاء الله بقادتها الذين يشرعون شرع الله وسنة نبيه وسيرة الخلفاء المهديين من بعده,
هذه هي طبرجل الماضي,, وهذه هي طبرجل الحاضر,, وتلك الصورة المثلى التي نحلم بها عن طبرجل المستقبل تلك الواحة التي تتوسط وادي السرحان,, تنعم بالماء
العذب الغزير والأرض الغالية التي تحتاج منا إلى مواصلة الجهد في استثمارها لتقوى أسسها ونحافظ على ما ورثناه من الآباء لتصبح طبرجل أكثر خضرة وأكثر عطاء
لتواكب بالتطور والنماء مثيلاتها من مدن المملكة الأخرى,, فنحن بحمد الله وشكره بعهد الخير والعطاء والأمن والرخاء,,
عهد مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك المفدّى فهد بن عبدالعزيز,, حفظه الله وأدام عزّه ونصر كلمته, فشكراً لله ثم له على ما قدّمه لوطنه وأمته ونصرة
دينه,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved