والعطاء دستورها القرآن الكريم ومنهاجها الشريعة الاسلامية وهدفها القضاء على البدع والخرافات,
عندما نتناول سيرة الملك عبدالعزيز رحمه الله انما نتذكر مئوية التأسيس الفريدة من نوعها لانها تنطلق من اعماق المواطن السعودي لتجسد معنى الولاء لولاة
الامر، متميزة المضمون لانها تجسد في ابعادها ومضامينها العلاقة بين الحاكم والمحكوم، حيوية المناسبة لانها تذكرنا بموحد الجزيرة الذي وضع للاجيال حضارة
قوامها الامن واطارها العلم وروحها التكافل مستمدة ذلك من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة,
مئوية التأسيس ماض مجيد وحاضر مشرق جاهد الملك عبدالعزيز ليضع المملكة العربية السعودية في مصاف الدول الكبرى,
انه ماض مجيد لا ينفصل عن حاضرنا المشرق عهد خادم الحرمين الشريفين نتذكر من خلاله الامس واليوم وبينهما جهود حثيثة رعاها الملك عبدالعزيز رحمه الله
ومكتسبات كبيرة تحققت في عهد ابنائه البررة لنشكر الله سبحانه وتعالى على نعمه الظاهرة والباطنة,
نتذكر اللبنة الاولى التي وضعها الملك عبدالعزيز عام 1319ه لبناء الدولة الحديثة الذي اعاد من خلالها ملك آبائه واجداده، نتذكر هذه المناسبة المئوية لنعزز
من تآزرنا وتلاحمنا ونحن نعيش هذه النهضة الشاملة في كافة المجالات وخصوصا في بناء الانسان السعودي الذي هو اساس التنمية, ونحن نتحدث عن الامن في عهد
الملك عبدالعزيز انما نتحدث عن بناء دولة طبقت شرع الله قولا وعملا منذ اللبنة الاولى للتأسيس حتى اصبح الامن يلمسه المواطن والمقيم على ارض الواقع في
الحاضرة والبادية, يقول صاحب كتاب الوجيز في سيرة الملك عبدالعزيز: من تحصيل الحاصل ان نقول ان الامن في بلاد المملكة العربية السعودية كان ولايزال مضرب
المثل فهو قول يردد في كل مناسبة ويرد على كل لسان وما من انسان دخل تلك البلاد حاجا او معتمرا او سائحا او زائرا الا عاد اذا سئل عن الامن بالاعاجيب فمن
قصة رجل سقطت حقيبته بين مكة والمدينة ولم يلبث ان قرأ في ام القرى خبر العثور عليها الى قصة آخر عاد فوجد ما اضاعه حيث سقط لم تمسه يد الى اخبار من امثال
هذه اشبه بنسج الخيال ولكنها حقائق, (1) ،
ولاشك ان هذا الامن الذي حققه الملك عبدالعزيز جاء بعد متابعة دقيقة ودراية وخبرة طويلة لبلاده والتي اصبحت اليوم ولله الحمد تشارك في صياغة القرار
العالمي نحو السلام فعندما دخل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الرياض عام 1319ه كان همه رحمه الله حفظ الامن ونشر التعليم وكان يتابع بعناية الحالة التي
كانت عليها نجد قبل دخوله الرياض من فتن وفوضى واضطرابات ادت الى السلب والقتل فكان اول عمل قام به رحمه الله القضاء على هذه الفتن ونشر الامن والاستقرار
اذ ادرك ببصيرته الثاقبة ان القضاء على هذه الفتن والخرافات لا يأتي الا من خلال العلم ونشر التعليم واذا كان الامر كذلك فلا يمكن للحياة العلمية ان تنعش
في ارض يسودها الاضطرابات والفتن والقلاقل التي اثقلت كاهل اهل نجد قبل دخول الملك عبدالعزيز الرياض والذي عني رحمه الله منذ البدايات الاولى للتأسيس
والبناء على نشر الامن والاستقرار والقضاء على الامية والجهل فعمد رحمه الله على اقامة الهجر حيث وجد الماء وكان للهجر اثر فاعل في استتباب الامن وهي قرى
صغيرة لكل قبيلة مورد ماء امدها الملك عبدالعزيز بالمال والقضاة والمرشدين والمعلمين، وكان على كل قبيلة قريبة من الماء ان تهجر بيوت الشعر وتعيش قرب
الماء حيث تربي الماشية وتزرع وتحصد وتبني المساكن والمساجد من الطين واللبن وتسقف بالخشب ويحفر في وسط القرية بئر ويخصص لكل قبيلة مساعدات من بيت المال
ولكي يستقر ابناء البادية في هذه الهجر ولا ينتقلوا الى مواقع اخرى مما كان سببا في الامية والجهل عني الملك عبدالعزيز بهذه الهجر وارسل المشايخ للصلاة
وتعليم البادية شؤون دينهم كما امدهم بالقضاة لفض النزاعات التي تحدث بينهم بين الفينة والاخرى, (2) ،
وكانت اول هجرة انشأها الملك عبدالعزيز رحمه الله عام 1330ه - 1912م على آبار الارطاوية ثم تتابعت بعد ذلك هذه الهجر فبلغ عددها 153 هجرة كل فرد من
افرادها يعتبر نفسه جنديا يسير بأمر الملك عبدالعزيز في اي وقت يطلب منه حيث احكم الملك عبدالعزيز رحمه الله القبيلة بشيوخها واعتبر افرادها جميعا جندا له,
كما قضى الملك عبدالعزيز على كثير من الفتن والمنازعات التي تحدث بين القبيلة نفسها او بين القبيلة والاخرى من خلال التنظيمات التي استحدثها رحمه الله
حيث جعل القبيلة متضامنة متكافلة في المسؤولية عن وقوع اي جريمة بين افرادها او في جوارها واذا ظهر في القبيلة من يخرج عن الطريق السليم كان على القبيلة
القبض عليه وتسليمه للعدالة كما عمد الملك عبدالعزيز رحمه الله الى ضرورة الالتزام بمبادىء الاسلام قولا وعملا من ذلك تحريم الاعتداء والغزو على قبيلة او
غيرها فالجميع يجب ان يعيش آمنا,
وهكذا استطاع الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله بما آتاه الله من بصيرة ثاقبة وايمان بالله وسعة افق ان يحقق الامن والاستقرار في انحاء
البلاد والذي ادرك شعبه حرصه رحمه الله على مصلحتهم فكان كل فرد من افراد المجتمع في المدينة او القرية او الهجر يعتبر نفسه جنديا اذا دعاه الملك
عبدالعزيز تقلد بندقيته وركب ناقته ومضى الى المعركة ويتم تعيين امراء لكل مجموعة ثم يصدر الملك عبدالعزيز تعليماته الى الامراء فينفذونها, يقول الملك
عبدالعزيز رحمه الله كل فرد من شعبي جندي وشرطي وانا اسير واياهم كفرد واحد لا افضل نفسي عليهم ولا اتبع في حكمهم غير ما هو صالح لهم, (3)
وعندما دخل الملك عبدالعزيز مكة المكرمة عام 1343ه كان اول عمل قام به رحمه الله هو ارساء قواعد الامن مستمدا ذلك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه
وسلم حيث اعلن في جموع الاهالي ورؤساء القبائل والعشائر ان دستور دولته هو كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولن يحيد عنهما قيد انملة وسوف
يضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بالامن كما ركز رحمه الله بصفة خاصة على توفير الامن والطمأنينة لحجاج بيت الله الحرام واستنكر بشدة الحالة
التي كانت سائدة وقائمة في الطرقات المؤدية للحرمين الشريفين من نهب وسلب واعتداء على الحجاج,
وحث رؤساء القبائل والعشائر على التمسك بتعاليم الاسلام وعدم التعرض لقوافل الحجاج بسوء وان عليهم افهام ابناء قبائلهم وعشائرهم بذلك وان اي قافلة تتعرض
للاعتداء في اي موقع فان رئيس القبيلة هو المسؤول عما يحدث للقافلة في حدود منطقته وهو ما عرف بنظام التابعية ,
وقد حرص الملك عبدالعزيز رحمه الله على تقديم كافة الخدمات لحجاج بيت الله الحرام وكان الحجاج يعودون الى اوطانهم وألسنتهم تذكر الله وتحمده على ما تحقق
من امن واستقرار للمشاعر المقدسة على يد الملك عبدالعزيز بعد ان كانوا قبل ذلك عرضة للسلب والنهب والقتل, (4) ،
وبعد ان اتسعت البلاد على يد المغفور له الملك عبدالعزيز اسس رحمه الله ادارة الامن العام عام 1344ه بمكة المكرمة وهي مديرية عامة للشرطة تقوم بنشر الامن
في المدن والقرى والهجر حيث انتشرت مراكزها في انحاء المملكة وهكذا اخذ الامن ينتشر في كل انحاء الجزيرة العربية حتى اصب مضرب الامثال,
يقول الدكتور منير العجلاني: هل تتصور ان هذه المملكة العربية السعودية المترامية الاطراف التي كان يحكمها ملوك وامراء ومشايخ متعددون ومتخاصمون والتي ما
كانت تعرف معنى الامن والاستقرار والازدهار خلال تجزئتها,, كان يقدر لها ان تتوحد ويكون لها شأن لولا ان قيض لها الله تعالى ذلك الزعيم الملهم، البطل،
المغفور له الملك عبدالعزيز فحررها ووحدها بقوة ايمانه وحد سيفه ومضاء عزمه وبالجملة بحكمه الذي حقق ما يشبه المعجزات,,
في مثل هذه الفترة التي مرت بها البلاد في الشطر الاكبر من حكم الملك عبدالعزيز ما كان يتصور لها النجاح الكامل الا في ظل حكم مثل حكمه,, حاكم عبقري موهوب
صاحب ايمان وصاحب اخلاق وصاحب عزم يستشير جماعته ويتخذ قراراته بحزم متوكلا على الله,
ولعلنا هنا نشير الى ان هناك عدة عوامل رئيسية قام بها الملك عبدالعزيز رحمه الله كان لها اثرها في استتباب الامن في البلاد من ذلك:
أ- الاستقرار السياسي للمملكة العربية السعودية بعد توحيدها وتنظيم الادارة فيها,
ب - الاتفاق مع الدول المجاورة للقضاء على مشاكل الحدود,
ج - نشر التعليم والقضاء على البدع والخرافات,
د - الانتعاش الاقتصادي,
ه - استحداث اجهزة للشرطة دقيقة ومنظمة,
و - القضاء على المنازعات والخلافات القبلية,
واذا كان لهذه العوامل اثرها في تحقيق الامن في المملكة العربية السعودية فان العامل الاهم الذي عني به الملك عبدالعزيز وتابع ذلك بنفسه وكان هاجس ولاة
الامر في هذه البلاد تطبيق الشريعة الاسلامية قولا وعملا على الكبير والصغير وتحقيق العدل بين الرعية مما كان له اثره الكبير في تحقيق الامن والاستقرار
واصلاح الاشخاص فدانت للملك عبدالعزيز رحمه الله البلاد قاصيها ودانيها عن طيب خاطر، ووضعت في الملك عبدالعزيز رجاءها بعد الله سبحانه وتعالى فلا غرو ان
يستبشر به ابناء الجزيرة العربية,
ومما لاشك فيه ان البناء الضخم الذي وضع الملك عبدالعزيز لبناته الاولى في سبيل نشر الامن بالمملكة وحفظ النظام فيها لازال في تطور مستمر خصوصا في مجال
الامن العام وما ذاك الا بفضل من الله سبحانه وتعالى ثم بالجهود الحثيثة الموفقة التي بذلها ولايزال يبذلها صاحب السمو الملكي الامير نايف بن عبدالعزيز
وزير الداخلية وما يقوم به سموه الكريم من تدعيم وتدريب وتنظيم قوى الامن الداخلي في المملكة وتجهيزها باحدث المعدات والتجهيزات الحديثة حتى غدت المملكة
العربية السعودية ولله الحمد اليوم تعد في مقدمة الدول من حيث الامن والاستقرار,
فقد تبدلت الحال في الجزيرة العربية من الفوضى الى النظام ومن الخوف الى الامن والاطمئنان ومن الفرقة الى الاجتماع فجمع الله ابناء هذه البلاد على يد
المغفور له ان شاء الله الملك عبدالعزيز تحت راية واحدة وكلمة واحدة وهدف واحد,
واخيرا ليس غريبا ان تنعم هذه البلاد حفظها الله بالامن والاستقرار وهي التي تعنى بتطبيق شرع الله قولا وعملا دون مجاملة او محاباة منذ ان وضع الامام محمد
بن سعود رحمه الله اللبنة الاولى لبناء هذه الدولة,
وما نلمسه اليوم على ارض الواقع في عهد خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الامين من تطور في كافة اجهزة الامن والذي يفوق الوصف وهذا الانتماء بين الجندي
وقائده ما هو الا امتداد لهذا الغرس المبارك الذي رعاه الملك عبدالعزيز والذي يعد واحدة من ثمار غرسه رحمه الله رحمة واسعة والذي كافح من اجل تحقيق الامن
على ارضه وارسى قواعده بين افراد شعبه,
،* رئيس قسم التاريخ - جامعة الإمام محمد بن سعود بالقصيم
المراجع
،(1) خير الدين الزركلي: الوجيز في سيرة الملك عبدالعزيز ص 102,
،(2) سليمان المهيزع: خواطر وذكريات حول التعليم في القصيم ص 26,
،(3) خير الدين الزركلي: الوجيز في سيرة الملك عبدالعزيز ص 207,
،(4) رابح لطفي جمعة: حالة الامن في عهد الملك عبدالعزيز ص 53 - 54,