Thursday 3rd March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 15 ذو القعدة


من المحيط الدولي
موقع فلسطين في علاقات الملك عبدالعزيز ببريطانيا وأمريكا 3/3
مقدم د, منصور الداموك الزهراني*

ضمن سلسلة الرسائل التي تبادلها الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - مع الحكومتين الأمريكية والبريطانية، بعث برسالة في 7/12/1365ه إلى الرئيس الأمريكي ترومان ، أعرب له من خلالها عن تضجره الشديد من سيل الهجرة اليهودية المتدفق على فلسطين آنذاك وبمباركة من أمريكا وبريطانيا، وعن الأضرار الخطيرة التي ستحل بعرب فلسطين جراء ذلك، حيث يقول مخاطباً الرئيس الأمريكي: استميح فخامتكم أن أبدي بصراحة أن التغيير الأساسي لفلسطين يكون بأن تصبح الأكثرية العربية أقلية, وهذا هو الركن الأساسي, والمبادىء الديمقراطية تقتضي بأنه متى وجدت أكثرية في بلد، فالحكومة تكون للأكثرية لا للأقلية, فإذا فقد العرب نسبتهم العددية الحاضرة، فقدوا كل ميزات الحكم في بلادهم, وأي تغيير أساسي أعظم من هذا التغيير؟ وهل يرضى شعب الولايات المتحدة أن يُدخل في بلاده عدد أجنبي يتغلب عليه بأكثريته؟ وهل يمكن أن يعتبر مثل هذا عملا إنسانيا وديمقراطيا؟
إلى جانب هجرة اليهود المتزايدة إلى فلسطين، كانت هناك مسألة أخرى طغت على تفكير الملك عبدالعزيز بالنسبة لمشكلة فلسطين وهي التوصية التي تقدمت بها لجنة تقصي الحقائق الأمريكية البريطانية، والمتضمنة تقسيم فلسطين بين العرب واليهود, في هذا السياق، لم يكتف الملك عبدالعزيز بالرسائل التي بعثها شخصيا إلى حكومتي الولايات المتحدة وبريطانيا، فقد أمر - يرحمه الله - وزارة الخارجية ببعث مذكرتين إلى المفوضيتين الأمريكية والبريطانية بجدة، أوضح من خلاهما أخطار قرار التقسيم وما قد يحدثه من رد فعل العرب، بل وبالأخطار الكبرى التي قد تحل بالمنطقة والعالم جراء التمادي في سياسة تأييد الصهاينة، وفي ذلك تقول الخارجية السعودية في مذكرتها إنها بهذه المناسبة تناشد المسؤولين من رجال الحكومتين,, ملاحظة ما قد ذكرته حكومة جلالة الملك مرارا وتكرارا، وما نصحت به من عدم تأييد الصهيونيين الذين سيكونون وبالا على الشرق الأوسط وعلى الإنسانية جمعاء بما سيقترفونه من آثام, وإن حكومة جلالته لتعتقد بأن التمادي في هذه السياسة، سيكون من الأسباب القوية لإثارة حرب عالمية ثالثة تكوى بها البشرية,, وفي ذات السياق، يقول الملك عبدالعزيز في رسالة إلى الحكومة الأمريكية مؤرخة في 1/3/1367ه: إنه يود أن يعلم الولايات المتحدة بأن العرب مجمعون على القتال إلى آخر ولد منهم يلد,, وبدافع الدفاع عن النفس والوطن والشرف,, إلى أن يقول: وإني رأيت من العقلاء استنكارا لما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية من حمل الممكن حمله من أعضاء هيئة الأمم المتحدة على قبول تقسيم فلسطين وإقامة دولة يهودية في بلد عربي لاحق لليهود في كثير منه ولا قليل كان لموقف الملك عبدالعزيز القوي والمعارض لتقسيم فلسطين مفعول السحر لدى الحكومة الأمريكية التي اعلنت على الملأ تخليها عن تأييد مشروع التقسيم وذلك في 18/3/1948م (الموافق 10/5/1367ه), وفي مذكرة أرسلت إلى المفوضية البريطانية بجدة في 6/5/1948م (26/6/1367ه) أي قبل موعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين بنحو عشرة أيام، لفت الملك عبدالعزيز يرحمه الله إلى المخاطر التي تحيط بعرب فلسطين من قبل العصابات الصهيونية المسلحة، وإلى دور بريطانيا المركزي الذي يجب أن تباشره في حماية العرب، أما في حال تخليها عن ذلك، فقد أكد الملك عبدالعزيز على أنه سيكون من الواجب على الدول العربية أن تأخذ للأمر عدته,, لتقوم بالواجب عليها في حماية أرواح العرب الذين لن يكون لهم بعد 15 مايو ما يقيهم من عدوان اليهود , وعلى ذات الصعيد، وفي سياق رده على برقية وصلته من وزير خارجية بريطانيا آنذاك آرنست بيفن حول مقترحات للسلام في فلسطين يقول الملك عبدالعزيز: لا ينفع في الخائف أن يقال له لا خطر عليك! إلى أن يقول: لم يبق لتلافي الأمر إلا طريقتان: إما أن تقوم الحكومة البريطانية بنفسها بالواجب وتتحمل المسؤولية أو تترك الحبل على الغارب، وحينذاك لايستطيع أحد أن يعرف ما تصير إليه الأمور .
أثناء تبادل الرسائل والمذكرات مع الحكومتين الأمريكية والبريطانية، وعندما لاحظ الملك عبدالعزيز أن هناك نية مبيتة وخططا لا تصب بأي حال من الأحوال في مصلحة الفلسطينيين، أمر - يرحمه الله - في أواخر 1367ه بتسجيل المتطوعين من سن العشرين إلى الخمسين، كما أمر بجمع التبرعات لاسعاف المجاهدين في فلسطين، إلا أنه ولأسباب خارجة عن الإرادة لم يتمكن المتطوعون السعوديون من الدخول إلى فلسطين وبعد إعلان الدولة اليهودية، بعث الملك عبدالعزيز رسالة إلى الحكومة الأمريكية جاء فيها: إن كان قصد الولايات المتحدة الأمريكية تحدي العرب، وقد تعمدت ذلك فإن العرب يفضلون الموت على الحياة وإن كان مابدر من الخطأ مظنة الإصلاح فنأمل التبصر في الأمر .
وبعد هزيمة الجيوش العربية في فلسطين ببضعة أشهر، قابل الملك عبدالعزيز السفير البريطاني بجدة وبعد أن عرض عليه الأخير مشروع بونادوت أجاب الملك عبدالعزيز بقوله: هل قيل لكم إننا ضعفاء، أم أنتم الذين أجبرتم العرب على وقف الحرب، فماذا يفعل العرب؟ مساعدة لم تساعدوهم وإنصاف لم تنصفوهم؟ , وبعد لقائه بلجنة التوفيق الدولية في 27/2/1949م أكد الملك عبدالعزيز على ضرورة تأمين الضمانات للفلسطينيين وتطمينهم على أرواحهم وممتلكاتهم من العصابات الصهيونية الغاصبة، ثم خاطب اللجنة قائلا: ,, قبل أن يفهم اليهود أن الدول عدلت عن تدليلهم والاغضاء عن اعتداءاتهم والاستمرار على إمدادهم بالأسلحة التي تمكنهم من العدوان والطغيان، فإننا لا نرى إمكانا لأي تفاهم .
هكذا كانت سياسة الملك عبدالعزيز يرحمه الله، فيما يتعلق بدفاعه عن فلسطين ومقدساتها وأرضها وأهلها، فقد كان يضع خطوطا حمراء بين المصالح والمبادىء، ولم يسمح بأي حال من الأحوال بأن تطغى الأولى على الثانية، وهذا ما أكدته أحاديثه ومراسلاته الموثقة؟، بل لو أن العرب اتبعوا ما كان ينادي به يرحمه الله، من ضرورة ترك الكفاح لأهالي فلسطين والاكتفاء بدعمهم بالسلاح والمال، وذلك بعد ما بدا له أن هذه هي السياسة الأسلم لتجنب استثارة القوى العظمى المؤيدة للكيان الصهيوني، أقول لو حدث ذلك، لربما تغيرت خريطة الشرق الاوسط السياسية عما نشهده الآن لقد أرسى الملك عبدالعزيز سياسته فيما يتعلق بفلسطين على قواعد راسخة وأسس قوية لا تقبل مجال التسليم بالحقوق مهما بلغت قوى الشر والطغيان من القوة والجبروت، وهو ما سار عليه أبناؤه من بعده، لذلك لم يكن مستغربا أن يأمر خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - بطرد السفير الأمريكي في الرياض بعد أن طلب إطلاعه على مواقع الصواريخ بعيدة المدى التي استوردتها المملكة من الصين، وأخيراً فلم يكن غريبا التصرف الذي أقدم عليه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، برفضه طلب الرئيس الأمريكي أثناء عزاء الملك حسين، الذي رغب من سموه الكريم مقابلة رئيس الوزراء الإسرائيلي، فرد عليه قائلاً للصداقة حدود يا فخامة الرئيس!! .
* كلية الملك فهد الأمنية
backtop
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
ملحق المدينة
منوعــات
عزيزتي
المحرر الأمني
الرياضية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved