1- ",,, ليعلم الناظر في كتابنا هذا أن لمغربنا على قاصيته، وبلدنا على انقطاعه، حظاً من المنظوم والمنثور": (ابن عبد ربه - 328ه: العقد الفريد: مقدمة المؤلف).
2- ",,, ليعلم أن بالأوان افتنانا, جذّت له العواتق (العوائق: حسب المحقق!) بناناً وبياناً فأبقت منه أثراً لا عيانا، ورجالاً، لم تفسح لإبداعهم مجالا، فتلفّعت محاسنهم بنقابها، وتوارت كالأراقم في أنقابها، فأظهرت ما خفي من فخارهم، ودللت على مراتبهم في المعارف وأقدارهم (,,,)، ولم يزل شخص الأدب وهو متوار، وزنده غير وار، وجَدّه عاثرا، ومنهجه دائرا، إلى أن أراد الله اعتلاء اسمه (,,,), ولما أنارت به تلك الآفاق، وعاد كساد الفضل إلى النفاق (,,,), أطلعتُ شمس النبل في أفقها، وأتيت ببضاعة الفضل إلى منفقها": (ابن خاقان، أبو نصر الفتح - 528ه: قلائد العقيان: 27، 29-30، تح/ الطاهر بن عاشور، ط, الدار التونسية للنشر).
3- ,,, فإن ثمرة هذا الأدب، العالي الرتب (,,,)، نثر لو رآه البديع لنسي اسمه، أو اجتلاه ابن هلال لولاه حكمه؛ ونظم لو سمعه كثيّر ما نسب ولا مدح، أو تتبعه جرول ما عوى ولا نبح؛ إلا ان أهل هذا الأفق، أبَوا إلا متابعة أهل المشرق، يرجعون إلى أخبارهم المعتادة، رجوع الحديث إلى قتادة؛ حتى لو نعق بتلك الآفاق غراب، أو ظنّ بأقصى الشام والعراق ذباب، لجثوا على هذا صنما، ،وتلوا ذلك كتاباً محكما؛ وأخبارهم الباهرة، واشعارهم السائرة، مرمى القصية، ومناخ الرذية، لا يعمر بها جنانٌ ولا خَلَد، ولا يصرف فيها لسان ولا يد, فغاظني منهم ذلك، وأنفتُ مما هنالك، وأخذت نفسي بتتبع محاسن أهل بلدي وعصري، غيرة لهذا الأفق الغريب أن تعود بدوره أهلة، وتصبح بحاره ثماداً مضمحلة، مع كثرة أدبائه، ووفور علمائه (,,,)؛ وليت شعري من قصر العلم على بعض الزمان، وخصّ أهل المشرق بالاحسان"،: (ابن بسّام - 542ه: الذخيرة في محاسن اهل الجزيرة: ق1 م1/11-12, تح/ إحسان عباس، ذ, دار الثقافة - بيروت: 1975م).
4- ",,, فداخلتني عصبية لا تقدح في دين ولا منصب، وحمية، لا يذم في مثلها متعصب، في أن يقع سؤالهم وذكرهم من فضل الله جناب مخصب، ورأيت ان هذه الحضرة التي لا خفاء بما وفر الله من اسباب إيثارها، وأراده من جلال مقدارها، جعلها ثغر الإسلام ومتبوأ العرب الأعلام (,,,) فلست ببدع ممن فتن بحب وطن (,,,)، وإنما هو صبح تبين، وحقّ رأيته عليّ قد تعيّن، بذلت فيه جهدي، وأقطعته جانب سهدي، لينظم هذا البلد بمثله,.
وما شر الثلاثة أم عمرو
بصاحبك الذي لا تصبحينا,,,":
(ابن الخطيب، لسان الدين 776ه: الإحاطة في أخبار غرناطة: 1/83 - 86, تح/ محمد عبدالله عنان، ط,(2) الخانجي - القاهرة: 1973م).
5- ",,, إن الواقعية النقدية الرشدية لم تكن امتداداً لنفس النزعة لدى ابن باجة وابن طفيل وحسب، بل كانت تتويجاً لتيار نقدي ظل يتحرك في اتجاه واحد، اتجاه "رد بضاعة المشرق إلى المشرق"، في الفقه مع ابن حزم الظاهري، وفي النحو مع ابن مضاء القرطبي، وفي التوحيد (= الكلام) مع ابن تومرت، وفي الفلسفة مع ابن رشد, (,,,و) ما تبقى من تراثنا الفلسفي، أي ما يمكن ان يكون فيه قادراً على أن يعيش معنا عصرنا لا يمكن ان يكون إلا رشديّاً,,,": (الجابري، محمد عابد: نحن والتراث,, قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي: 43،49, ط(6) المركز الثقافي العربية - الدار البيضاء 1993م).
,,, هل نستمر في تتبع تاريخ هذه (العقدة المشرقية - المغربية),,؟
أعتقد ان العينة هنا تكفي: (328ه - 528ه - 542ه - 776ه - معاصر)، وما أشبه الليلة بالبارحة!, ومع هذا فما انفك هناك مركب نقص قديماً - ربما حديثا - إزاء المشرق: يحاكَي تأليفاً، يقلد شعراً، ويتحلى بألقابه.
حتى إذا وصلنا إلى سعيد - وسعيدنا اليوم غير سعيد الحجاب والعادة - ألفيناه في محفل تتويجه فائزاً بجائزة الملك فيصل العالمية - مناصفة في مجال الأدب المقارن، مع (مكارم الغمري) من مصر - يعزف ذات اللحن البالي: "أستأذنكم لتذكيركم بالاستقبال الذي خصه المشارقة يوما ما للمغاربة حين أهداهم ابن عبد ربه,,", ثم إذ يقدمه كاتب هذه الاسطر في الندوة التي ادارها بجامعة الملك سعود، الاربعاء 15 ذي القعدة، عن "واقع الأدب المقارن وآفاقه في العالم العربي"، يعلّ على مسامع الحاضرين، ممن رشّحوه، "اسطوانة"البارحة، فعقب موقفه من "فصول"المصرية، و"المعرفة"السورية، والمجلة الكويتية (لم يسمها)، وبعد غمزه ريادات الأدب المقارن، منذ (محمد غنيمي هلال)، وذلك حقه في النقد والتقويم، يفرغ الى القول: "هل يوجد الكتاب الكامل في تاريخ الآداب الوطنية العربية الذي يرضى عنه كل السعوديين وكل المغاربة وكل المصريين وكل السوريين؟,, لكي ارفع عنكم حرج الجواب واقصره على نفسي، اقول بصراحة انه لا يوجد في تاريخ الادب المغربي كتاب يلبي هاته الرغبة، استطيع اهداءكم إياه، بالاضافة إلى ما تعرفونه من خوفنا التاريخي كمغاربة من اهدائكم عقداً فريداً، قد تعتبرونه مجرد بضاعة ترد إليكم، مع أننا جميعا الآن نبحث عن البضاعة التي لا ترد", لكنه حينما تُرد بضاعته في مداخلات تشير إلى ما أغفل من محاولات مقارنة تنفي عنه "تشاؤله"، إذا به ينسى مقارنيّته الدالة على الوحدة الثقافية، ليحتد متهما بالقَبَلية، واتخاذ مواقف فقه لغوية مسبقة من المغاربة، بدعوى ان لغتهم ضعيفة جافة في مقابل لغة المشرق الشعرية.
هكذا إذن، يصبح السؤال: أنحن إزاء أزمة ادب مقارن، أم بالأحرى أزمة اقليمية عربية تاريخية مقارنة؟,, أهي أزمة (المطبخ العربي) كما يرى علوش، أم أزمة (المطبخ الغربي)؟,, حيث رأى أحد المداخلين في هذا المطبخ الأخير - يبدو لأن الندوة اقيمت في وقت الغداء - الواقع الفعلي لمصانع الحضارة الحقيقية، ففيه وصفتنا (السحرية) لكل وهننا الأكاديمي، وعليه فقد كان على الجامعات العربية الاستمرار - إلى ما شاء الله!- في استيراد المستشرقين من جهة وابتعاث المستغربين من جهة اخرى - كي يظل العربي يعاني تجارب مختلفة، بدءاً بمشكلات الأكل وقضاء الحاجات وانتهاء بمشكلات اللغة والتفكير، ومن هنا فإن منقذنا من الضلال اليوم هو ممارسة ما شبهه المداخلُ بقلب العباءة في صلاة الاستسقاء، او حتى "قلب الوجه",, اقلب وجهك كي تكون أجمل,, أو لا تكون,,!,.
أحقاً هي أزمة الداخل أم الخارج، أم هما معاً؟, إن الآفة تبدو عضوية، موغلة في تجذرها كما تدل شواهدهاالسابقة، تجابه خارجيا بأزمة نقيضة من آليات العولمية، وتذويب الشخصيات الثقافية الكبرى, إنها معوقات تتوزع بين تحقيبية تراثية سياسية، ونعرة اقليمية سياسية موروثة، ترادفها ولاءات خارجية (غربية تحديداً) = تعاني مرض فقدان الثقة في كل ما ليس بغربي - ترى الاجتهاد لتأسيس الذات هرباً جباناً إلى الماضي، فيما لا تشك في ان التشبث بأذيال الغريب شجاعة في التعلّق بطوق نجاة لا بديل عنه، افلا تكون نتيجة ذلك كله الحتمية، تبعثر الجهود: ترجمةً، وتشرذمها: مناهج ومصطلحا، وتكرارية وجوه بعضنا بعضا، في استنساخية مضحكة؟! ونتيجة النتيجة: أن يغدو العربي بلا وجه أصيل أو حتى مقلوب!.
إن عُقدة (عقدنا الفريد)، تلك التي افصح عنها الصاحب بن عباد في مقولة تجارية - لم ينسها له المغاربة قط - تبدو أُمّ معاركنا الحقيقية، حتى آل القول بوحدة ثقافية، كالقول بوحدة اقتصادية أو سياسية، ضرباً من خرافة، بينما القول بفشل الوحدة - حتى قبل تجريبها - ضرب من استنارة نخبوية واعية بدروس الماضي المريرة,, ولا غرو فتلك شنشنة اعتدناها من حجابنا الأبرار، ما فتئت تعمل على تعويم السمكة في محيطات من جدلياتنا البيزنطية,, والله أعلى وأعلم.
د, عبدالله الفيفي
آداب جامعة الملك سعود - قسم اللغة العربية.