الحمدلله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فإن نعم الله سبحانه وتعالى على هذه البلاد تترى، وكثيرة لا تحصى، ومن أعظم نعم الله - جلّ وعلا - نعمة الإسلام، الدين الذي سما بالإنسان، ورفع مكانته، وأعلى شأنه، الدين الذي ارتضاه رب العزة والجلال لعباده: }اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا{.
دين جاءت تعاليمه، وأحكامه، وتشريعاته، وفروضه، وواجباته، وسننه: وحياً من الله سبحانه نزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم - قرآنا يتعبد به، ويتلى إلى يوم القيامة.
وقد ارتبط هذا المجتمع بهذا الدين، وبالكتاب الذي نزله الله - سبحانه وتعالى، ارتباط ايمان وتصديق بوعد الله سبحانه وتعالى: }وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً{، ذلك الارتباط الذي أثر في حياة الناس، وتصرفاتهم، وفي أنفسهم، وفي سلوكهم، وفي أخلاقهم، وفي علاقاتهم، وفي معاملاتهم، بل وفي كل شأن من شؤون حياتهم، ارتبط بهذه النفوس، وأدبها، وسما بها، وعملاً بقوله تعالى }الذين آمنوا وعملوا الصالحات{ فقد تنافس أعضاء هذا المجتمع في مناشط كثيرة، وأعمال متعددة، وجاءت أعمالهم متميزة لتميز المتنافس فيه، ولعزيمة، وصدق المتنافسين (فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم) مجتمع لم يرضَ دون العلياء منزلة، مجتمع جمع الله له بين الإيمان بالله - سبحانه وتعالى - وصدقه، والقدوة الحسنة في قيادته، فكان هذا المجتمع يتمثل قول الشاعر
ومن تكن العلياء همة نفسه فكل الذي يلقاه فيها محبب |
وتنوعت الأعمال المحببة إلى النفس، الأعمال التي تعبر عن صدق الإيمان، وقوة الارتباط بهذا الدين، فكثرت المجالات التي ليس من السهل عدها وحصرها، ومن أهمها العناية بكتاب الله سبحانه وتعالى التي تنوعت بين الاهتمام بطبعه ونشره، فكان إنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، هذا المجمع الذي أصبح منارة ومعلماً حضارياً، تنافس العامة والخاصة بزيارته والتعرف عليه، شاهد على عناية ولاة الأمر في هذه البلاد حفظهم الله بكتاب الله ورعايته، فقد كانوا على الدوام هم السابقين في كل طريق يؤدي إلى العناية بكتاب الله، وتشجيع نشره فكانوا الأسوة والقدوة الحسنة لأمتهم ورعايتهم، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
أما حفظ القرآن الكريم والعناية به حفظاً وتدبراً، وتشجيع إنشاء مدارس تحفيظ القرآن ودعم جمعيات تحفيظه حتى انتشرت في كل مدينة وقرية، وتشجيع حفاظه، وجميع الملتحقين والمنتسبين إلى مدارس وجمعيات تحفيظ القرآن، فإن فارس هذا المجال المتربع على صهوة جياده، المتسنم قمة هرمه، رجل تعرفه كل جمعية من جمعيات تحفيظ القرآن بكل حلقة من حلقات تحفيظه، تعرفه في عنايته، ورعايته، واهتمامه، تعرفه في تلمس حاجاتها، تعرفه في دعمها معنوياً ومادياً، تعرفه في تشجيعها، واستمتاعه بحضور برامجها ولقاءاتها واحتفالاتها، تعرفه في حل مشكلاتها، تعرفه في توجيهها وبناء شخصيتها في مجال التربية والتعليم، تعرفه في رعاية افتتاح مسابقاتها المحلية.
إنه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة الرياض، إنه صاحب المكارم والهمة العالية، إنه صاحب الأفكار التي أثرت ساحة العلم والمعرفة والثقافة فازدادت نضوجاً وتشجيعاً وتألقاً، رجل تتكلم أفعاله، وتنطق بصماته في كل مجال، وفي كل فن، يتمثل في كل أفعاله قول الشاعر
وما أنا راضٍ أنني واطىء الثرى ولي همة لا ترتضي الأفق مقعداً |
وإن سموه يضيف في كل يوم لبنة في ذلك الصرح الشامخ، بناء اهتمامه وعنايته بكتاب الله وحفاظه متمثلاً في ذلك قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) إن خيرية سلمان سجية تتجسد في كل فعل من أفعاله، وفي كل قول، وفي كل تصرف سجية عرفت متأصلة في ذات سموه؛ لذا فإن خبر تخصيص جائزة باسم سموه لحفظة كتاب الله لم تكن مفاجأة لمن يعرف سموه؛ لأن الشيء من معدنه لا يستغرب.
إن جائزة سمو الأمير سلمان لحفظة كتاب الله: جائزة لكل حافظ لكتاب الله، بل إنها جائزة لكل مواطن ولكل مسلم، إنها جائزة لكل جمعية من جمعيات تحفيظ القرآن الكريم وكل مدرسة، إنها جائزة لكل مسؤول ومنتسب لجمعيات تحفيظ القرآن، إنها جائزة لكل مقيم على تراب هذه البلاد المحفوظة بحفظ الله، إنها جائزة تعبر عن شخصية سلمان بن عبدالعزيز الأب، والأخ، والمربى المسؤول,إنها سنة حسنة له أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً).
إن سلمان بن عبدالعزيز وهو يجود بهمة عالية ويد ندية يتمثل قول الشاعر
والمرء يورث جوده أبناءه ويموت آخر وهو في الأحياء |
ويقول الإمام مالك - رحمه الله تعالى: (وعليك بمعالي الأمور، وكرائمها، واتق رذائلها وما سف منها، فإن الله تعالى يحب معالي الأمور، ويكره سفاسفها).
وقول حافظ إبراهيم
شمر وكافح في الحياة فهذه دنياك دار تناحر وكفاح وانهل مع النهال من عذب الحيا فإذا رقا فامتح مع المتاح وإذا ألح عليك خطب لاتهن واضرب على الإلحاح بالإلحاح |
* وكيل الوزارة لشؤون الأوقاف
د, عبدالرحمن بن سليمان المطرودي*