الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن من أكبر نعم الله على عباده أن ارسل فيهم رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - وأنزل عليه أحسن الكتاب القرآن الكريم، ليهديهم الى الصراط المستقيم.
قال تعالى: لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين (1)
وقال تعالى: إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم (2) فالقرآن يهدي للتي هي أقوم، في كل شأن من الشؤون، وفي شؤون العقائد، وإخلاص العبادة لله، يدعو إلى مكارم الأخلاق، الى بر الوالدين وصلة الأرحام، والعطف على الضعفاء والمساكين، وحسن المعاملة مع عباد الله.
وإن حكومتنا الرشيدة قد جعلت - بفضل الله - أساسها على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد عرف عنها منذ تأسيسها على يد الإمام المجدد جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل - رحمه الله - الى يومنا هذا، والعمل الدائب لنشر علوم الكتاب والسنة - وتبني تحفيظ كتاب الله، وتشجيع جميع العلوم النافعة، إيمانا منها بأن التمسك بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - هو السبب للهداية - والفوز بسعادة الدارين.
ولقد سرنا كثيرا ما اعلن أخيرا عن تخصيص جائزة باسم صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود امير منطقة الرياض لأفضل حفاظ للقرآن الكريم في كل منطقة من مناطق المملكة.
هذا الاعلان المبارك سيكون حافزا قويا لابنائنا يتسابقون، ويتنافسون، ويواصلون الليل بالنهار في الجد والاجتهاد لاتقان حفظ القرآن الكريم ومعرفة تفسيره وتجويده.
ومثل هذه الامور ليست بغريبة من ولاة امور هذه البلاد - جزاهم الله خيرا - فمنذ سنوات كثيرة ترعى حكومتنا الرشيدة مسابقة دولية كل عام في مكة المكرمة لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره، يشترك فيها مئات من حفاظ العالم الاسلامي وشبابهم، وتنفق عليها حكومتنا الكريمة نفقات كبيرة في استضافة حفظة كتاب الله القادمين من انحاء العالم وتكريمهم بالجوائز.
وإعلان جائزة سمو الامير سلمان بن عبدالعزيز دليل واضح على حرص ولاة أمر هذه البلاد وتأكيدهم على تمسكهم بالشريعة التي لا خير للعالم اجمع الا بالتمسك بها.
وهذا الاعلان المبارك برهان ناطق على حرص ولاة امر هذه البلاد على تربية ابناء الوطن تربية صالحة في ضوء هدي القرآن والسنة، ايمانا منهم بأن حفظهم لكتاب الله منذ نعومة أظافرهم يقيهم من الوقوع في المزالق ويزودهم بالثقافة الإسلامية التي تبقى ثابتة راسخة في المشاعر والقلوب لا تمحوها الثقافات الفاسدة، ولا تقدر على إضعافها التيارات المنحرفة، ويكونون طائفة بارين واعضاء صالحين لخدمة هذه البلاد المقدسة التي نزل فيها القرآن.
إن انشغال الصغار والشباب بحفظ القرآن الكريم حفظ لهم من الضياع في الشوارع، ومن اعمال قد لا تعود عليهم بنفع لا في الدنيا ولا في الآخرة، فالفراغ إن لم يشغل في امور الخير والصلاح، فلا بد من أن يتخذ طريقاً الى الشر والفساد في الأخلاق والأعمال.
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة |
فنهيب بأبنائنا ان يملؤوا أوقات فراغهم بمدارسة كتاب الله وحفظه وتدبره، وفيما فيه نفع لهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) (3) ,وانصح إخواني الآباء وأولياء الأمور أن يهتموا بتربية أولادهم ومن تحت أيديهم تربية دينية، وان يشجعوهم على قراءة القرآن الكريم وحفظه، وهما من أعظم اسباب التربية الصالحة، حتى يكونوا صالحين، يفيدون أمتهم وبلادهم، ويكونون صدقة جارية يستمر اجرها لهم.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (اذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، او علم ينتفع به، او ولد صالح يدعو له) (4) .
إن في إعلان الجائزة الكريمة من صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن عبدالعزيز اتباعا لسنة سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - فقد أقام - صلى الله عليه وسلم - سباقاً بين الخيول والابل لغرض التدريب والتمرين عليها للجهاد في سبيل الله، وبقصد تشجيع الصحابة رضي الله عنهم.
فلا شك أن إعلان منح الجائزة أعظم تشجيع لابنائنا لحفظ كتاب الله وتفسيره وتجويده.
فاللهم زد أولياء امورنا توفيقا وسدادا لخدمة كتابك وسنة نبيك، ولإقامة دينك، واحفظهم من كل سوء آمين.
فضيلة الشيخ محمد ابن عبدالله بن سبيل *
* الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي
(1) سورة آل عمران : 164.
(2) سورة الإسراء : 8 .
(3) صحيح البخاري (9:73)
(4) صحيح مسلم وغيره، وهو حديث صحيح مشهور.