كان اختيار الشيخ ابراهيم العنقري وزيراً للإعلام في عام 1390ه اكثر من مناسب، وفي محله، فلقد جاء مكملاً للجهود التي بذلها خلفه، ومتمّماً للإنجازات التي تحققت في مرحلة سابقة.
أتى الشيخ العنقري، ليضيف للإعلام عمقاً من نوع آخر، وليرسّخ مسيرته بأبعاد جديدة، جاء ليجد وسائل الاعلام قد توسعت أفقياً ورأسياً بما فيه الكفاية، بحسب إمكانات البلاد، فلم يكن على عجلة من الأمر، لإحداث مزيد من التوسع الأفقي إلا في نطاق ضيق، تمثل بإحداث وكالة للأنباء، وبعض إضافات معينة، كما سيجري إيضاحه، لكنه وجد حاجة لتدعيم المشروعات القائمة وتقويتها على قاعدة من الاستقرار الاداري والتنظيم، واصدار المزيد من القواعد والضوابط واللوائح التنفيذية.
كان التنظيم هو هاجسه الأول، ولذلك كانت أولى خطواته دعم الادارة القانونية وتفعيل دورها، وهي إحدى حسناته التي ما زالت الوزارة تقطف ثمارها حتى اليوم، وقد أتبع ذلك بخطوة أخرى، وهي اختيار المزيد من الكفاءات الوطنية المؤهلة لشغل الوظائف القيادية الشاغرة آنذاك.
فالحسُّ القانوني إذن، كان هو البُعد الأول في عهده الذي دام خمس سنوات وزيراً للإعلام، وقد اكتسب منه زملاؤه في العمل هذا الحس في بناء العمل الاعلامي، وأصبح المستشار القانوني قاسماً مشتركاً في كل نشاط تنظيمي.
أما البُعد الثاني، فكان المهنية: فالشيخ العنقري، رغم ما يبدو عليه من صمت وهدوء، فإنه مطّلع متميز، ومتابع جيد لما يكتب، ومتذوق لما يعرض، ويتفاعل مع ما يُقترح عليه من أفكار، بل ويمثّل بنفسه رافداً من روافد العمل الاعلامي ومقترحاته، كل ذلك في إطار من الحكمة والتعقل والتدرج في الطرح، وتقديم أوجه التطوير.
ومن سماته، أنه كان يدع المسؤول يعمل، دون تدخل في عمله، ما لم يبدر منه ما يستوجب الملاحظة أو التنبيه، وعندما يتشاور معه رئيس القطاع حول أمر معين، فإنه - أي الشيخ ابراهيم - يأخذ هذا التشاور مأخذ الجد، لعلمه أن الأمر ربما كان فوق طاقة هذا المسؤول.
أما البُعد الثالث، فان تجربته السابقة في وزارة الداخلية، قد أكسبته الخبرة في الأمن الاجتماعي والفكري والوطني، وهي صفة مهمّة لمن يتحمل مسؤولية قيادية في مجال الاعلام، والاعلامي الناجح هو من تتوفر لديه، بالاضافة الى تخصصه في حقله، معرفة او تجربة او خبرة او تخصص آخر في القانون، او التربية، او الدراسات الاجتماعية أو العلوم السياسية، ومن المعروف، أن الشيخ العنقري، كان وكيلاً لوزارة الداخلية لسنوات طويلة، ملازماً لخادم الحرمين الشريفين أيده الله، عندما كان وزيراً للداخلية.
وفضلاً عن كل ذلك، فالاستاذ العنقري، ذو أسلوب أدبي رفيع، قوي في اللغة العربية، جيد الالقاء، مما جعله ناقداً متمكناً لكل ما تعرضه وسائل الاعلام، لقد شهدت وسائل الاعلام في عهده منازل متدرجة وهادئة من التطوير النوعي، مع استكمال برامج الابتعاث والتدريب، وكان وراء افتتاح اول قسم للإعلام في المملكة عام 1393ه (في جامعة الملك سعود) وبدء حقبة من التعاون الاعلامي الخارجي، كالانضمام الى اتحاد الاذاعات العربية، ووكالات الأنباء العربية، وإنشاء وكالة الأنباء الاسلامية الدولية، ومنظمة إذاعات الدول الاسلامية، وبدايات التعاون الاعلامي الخليجي.
وعلى صعيد كمّي، كان من أبرز إنجازات الشيخ العنقري، إنشاء وكالة الأنباء السعودية فور تعيينه، والتي ما كان من اليسير إحداثها في تلك الأعوام في ظل الأوضاع المالية التي أعقبت التزام المملكة بدعم دول المواجهة بعد هزيمة حرب يونية، وقد باشرت عملها في ذي القعدة 1390ه.
وفي عهده، أُنشئت إذاعة خاصة للقرآن الكريم في كل من مكة المكرمة والرياض (دمجتا فيما بعد)، كما جرى وضع خطة شاملة لتطوير التليفزيون، واتخذت الخطوات التنفيذية لتحويل التليفزيون الى الملون، وتوقيع اتفاقية التعاون مع فرنسا.
ولد الشيخ العنقري في ثرمداء، في منطقة الوشم شمال غرب الرياض عام 1349ه، تخرج من جامعة القاهرة سنة 1953م، ثم درس في جامعتي كولومبيا وميامي بأمريكا، وعمل في وزارة المعارف، ثم وزارة الخارجية، ثم وزارة الداخلية، ثم أصبح وزيراً للإعلام (1390ه - 1395ه) ثم وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية (مدة ثماني سنوات)، ثم وزيراً للشؤون البلدية والقروية (ست سنوات)، ومنذ عشر سنوات اختاره المليك المفدى- حفظه الله - مستشاراً خاصاً له، فلقد كان في معيّته منذ أول عام تولى فيه وزارة المعارف سنة 1373ه.
(أبو مازن)، شخصية اعلامية راسخة، انعكست أبعادها الثلاثة على الاعلام السعودي، في خمس سنوات وما بعدها، فأعطت ثمارها تنظيماً وانضباطاً ومهنية، وعمقاً، ووطنية، وثقة بالغة.
(الحلقة القادمة: طاهر زمخشري: الريادة الصحفية والإذاعية لإعلام الطفل)
د,عبدالرحمن الشبيلي