جائزة الأمير سلمان عطاء يتجدد لأهل القرآن |
تتفاوت المناسبات بتفاوتها في سمو المعاني التي تقام لأجلها، فبقدر سمو السبب وعموميته تكون قيمة المناسبة، ولا ريب أن المسابقة المحلية على جائزة الأمير سلمان بن عبدالعزيز لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره، ذات شرفٍ عظيم وسموٍ عالٍ، وعملٍ جليل في ميدان خدمة القرآن العظيم، والدعوة إليه كما ان هذه المناسبة تُذكر المسلمين بأمجادهم التاريخية، ومفاخرهم العظيمة، إذ كانوا يُولون القرآن الكريم أجلّ عناية في الحث على حفظه وتلاوته، والعملِ بأحكامه والدعوة إلى أخلاقه، ويبذلون في ذلك أوقاتَهم وأعمارَهم وما زلنا - بحمد الله - نرى مِن آيات حفظ الله لدينه أن يقوم قادة هذه البلاد ومن ورائهم رعيتها دعاةً إلى القرآن، وتشجيعا على حفظه واستخراج ذخائره واحياء دعوته إلى الفضيلة والخير والمحبة، وأخذ العقائد والعبادات وأحكام المعاملات منه، والاستعانة على ذلك بالسنة الصحيحة، وبمفهوم السلف الصالح وتطبيقاتهم وتحكيمه في كل ما يشجر من خلاف في الدين والدنيا.
وما إقامة مسابقة جائزة الأمير سلمان لحفظ القرآن إلا برهان صادق ودليل واضح على اهتمام هذه الدولة بالقرآن وأهله, حدثني صديق صدوق من خارج البلاد عاش بيننا قرابة العشرين عاما قائلا: هنيئا لكم بلادكم,, هنيئا لكم قادتكم,, هنيئا لكم ما أنتم فيه, لا أقول من رغد العيش بَلهَ الجديد في حياتكم من توجه عظيم لحفظ القرآن الكريم والاهتمام بعلومه,, هنيئا لكم مساجدكم عامرة بالمصلين,, مساجدكم عامرة بحفظة القرآن والمحفظين,, بل إن دواوينكم ومجالس قادتكم وأمرائكم حديثهم عن القرآن حديث المحب الواله، ذلك لأنهم يعرفون أن الدولة التي أرسى قواعدها شرع الله ورُفِعَ ذِكرُها في علم لا يُنكس لموت عظيم، لأنه يحمل شعار التوحيد: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) مما جعلهم بالمصاحف متمسكين، ولكتاب ربهم تالين، ولخالقهم راكعين ساجدين حامدين مسبحين .
إن اهتمام الرياض بحفظة القرآن الكريم، ووجود مدارس حكومية لتحفيظ القرآن، وتعليم علومه من تجويد وتفسير وقراءات,, وذلك للجنسين بنين وبنات,, ربما يكون الوحيد من نوعه في عالمنا الاسلامي من حيث الاهتمام الحكومي والانفاق عليه، وتخصيص مكافآت للمنتسبين إلى هذه المدارس شهريا ناهيك عن المكافآت التشجيعية للحافظين والحافظات.
بل إن الذين حفظوا القرآن الكريم في المملكة يتميزون بجودة الحفظ والاتقان، وحسن الاداء، وسلامة الاداء، وسلامة التلاوة، والالتزام بالأحكام التجويدية، والعملية السلوكية التي تنبئ عن شخصية فريدة حباها الله بالخير، فقدمت الشكر في أبهى صورةٍ وأزكى بيان, وهل هناك شكر يعادل ترديد كلام الله والعمل بما في كتابه من أحكام وسلوك؟ ناهيك عن العمل بما في قوله جل وعز: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر).
نعم إن ولاة أمرنا استجابوا لذلك وصاروا من الذاكرين بما يسر الله لهم من اسباب الذكر في القرآن.
انها بشرى خير لهذا البلد الطيب ان يجعل أبناؤها القرآن غذاءهم، ولا يلتفتون إلى ما ازدحم به هواؤهم من بث مباشر وغير مباشر، يضربون به عرض الحائط ولا يأبهون له، وينهلون العذب الطيب المبارك من كلام ربهم، فتستقيم حياتهم، وتلين قناتهم، حباً في الله، وتأسيا برسولهم عليه الصلاة والسلام، فيعرفون لولاة امرهم حقهم من السمع والطاعة في غير معصية لله، ويبادلهم الأمر قادتهم فيحسنون إليهم، فتنمو دولتهم، ويسعد شعبهم، ويرتفع شأنهم جميعا، فينصرفون إلى العمل بما يرضي ربهم، وإلى ما يسجلون به صفحات الفخار والتاريخ المشرق لمجدهم، يذكرها اللاحقون فيغبطونهم على هذا التوافق الروحي الذي منَّ الله به على هذه البلاد شعبا وحكومة,, وما ذلك إلا بفضل الاستمساك بمنهج الله لهم، وحرصهم عليه حرص الشحيح على نقطة الماء البارد في يوم قائظ شديد الحرارة.
لكأنني بقادة هذه البلاد وهم يفرحون غاية الفرح، ويسعدون منتهى السعادة، بحفظ ابناء دولتهم القرآن يتمثل هذا في البِشرِ الذي ينشر على أساريرهم، وبالمكافآت السخية التي تُعبر عما في قلوبهم من حب القرآن وأهله، ذلك لأنهم يوقنون ان أهل القرآن هم أهل الله وخاصته.
يسعدون وهم يجدون طفلا في الثامنة من عمره وقد انطلق القرآن من صدره غضا يملأ الاسماع بيانا، ويأسر القلوب بجميل المعاني، وكريم الخصال وهل يفرح بهذا إلا أب حنون,, لقد سمعت سمو الامير سلمان بن عبدالعزيز وهو يقول: إن حفظ القرآن نعمة في هذا الزمان, ذلك لأنه يعلم ما فيه من كثرة الاشتغال وكثرة المغريات التي تصرف اللبيب العاقل عن كل شيء طيب نافع.
ولكأني بسمو الامير يقول: يا قوم إن حفظ القرآن نعمة كبرى فهل نشمر عن ساعد الجد ليكون القرآن هو الهم,, وهو المأدبة,, وهو الحديث,, فليهنأ الحفاظ بهذا التكريم,, وليهنأ أهل القرآن بل لتهنأ الامة بهذه الثمرات والجهود الخالصة المخلصة ولنجعل حمد الله على هذه النعمة اجتهادا في العمل بالقرآن واخلاصا لله في حفظه واعترافا لأهل الفضل بالجميل.
فجزى الله عنا خير الجزاء من وجهوا للقرآن وشجعوا على حفظه وتلاوته.
د, عبدالله بن عبدالرحمن الشثري
إمام وخطيب جامع الأمير سلمان بن عبدالعزيز بالمعذر
وعضو هيئة التدريس بجامعة الامام.
|
|
|