قصة طريفة اسوقها امام القراء لنستمع اليها معا ونرى كيف انتهت اليه- وماعسى ان تكون هذه النهاية وهل يمكن تغيير مسار تلك النهاية لتسلك سبيلاً معتدلا ام ان سبيلها هو الحق.
منذ عدة سنوات ترك عمله او استغنت عنه الشركة التي كان يعمل فيها نظرا ً لترتيبات ادارية مرت بها الشركة وعندما تسلم حقوقه المالية وجدها تزيد عن مليوني ريال وخرج من مقر الشركة وهو يرفع يديه بالدعاء والشكر على هذه النعمة التي لم يحسب لها حسابا وهو ابتداء من لحظة خروجه من باب مقر الشركة يعتبر حراً طليقا او عاطلا عن العمل واسترخى على فراشه يعد او اودع امواله في حسابه الخاص بالبنك.
وبعد عامين وجد نفسه وقد اثرى ثراء كبيراً فقد تحول المليونا ريال الى اكثر من عشرين مليونا من الدولارات, اقول الدولارات,, ذلك ان صاحبنا بدأ يبث على اكثر من موجة فقد تاجر بالاسهم والسندات والعملات -يتنقل بين بورصات العالم حيث استقر لامواله المقام مابين لندن وباريس ونيويورك وحبا في الاستيطان في تلك الدول والايظل ضيفا يشعر بأجنبيته - فقد اشترى له موطىء قدم في هذه الدول الثلاث فتحول الى مستثمر دولي بعد ان كان موظفا متوسط الحال هذا الرجل الذي اصبح غنياً يقول انه ليس وحده في هذه الساحة واكد وبالادلة ان هناك مئات بل قل الالاف من الرجال والنساء من يفوق وجودهم المالي ما استجد في حياته, ويقول ان السيولة التي يملكها ماهي الا نقطة في بحر امام هؤلاء واولئك.
وسألته عن السبب في نزوح الاموال عن الوطن دون مبرر فاشار الى ان مايحدث في الخارج ليس اغراء لاموالنا بالهجرة بقدر ماهو حالة راهنة لايمكن ان تتغير او تزول ويضيف صاحبنا قائلاً انه الآن يجلس الى جانبي وليس معه في محفظته سوى 800 ريال فقط وبقية امواله بالعملة الصعبة ويؤكد بان امواله في الخارج تتوالد دونما حاجة الى رقابة ويكفيه وهو يقيم بالمملكة عقاراته التي تدر عليه مبلغا يكفي لحياة اسرته ويمضي للقول ان اقتصاد الغرب مساهمة من تجار الشرق ومساهمته هو وحده لانسبة لها امام مليارات الدولارات التي يملكها غيره من الوجهاء والاعيان والبارزين من دول منطقة الخليج والوطن العربي, ويمضي مسهباً بالقول اننا لو اعتبرنا العالم الاسلامي عالماً قائما ورصدنا مساهمات المسلمين في رفع المكانة التجارية للغرب لوجدنا انها تفوق مساهمة اليهود بل ان اليهود على ذلك اوفر حظا منا فهم يكتسبون خاصية المواطنة المزدوجة في الكثير من الدول التي تتواجد اموالهم فيها.
ولازال صاحبنا على هذا الثراء يتذكر ايامه بكل خير لكنه لايتمنى عودتها ويكفي انه ينظر اليها عن بعد دون أسى ويتساءل عن الاوضاع الاقتصادية التي تسود العالم العربي والعجز الذي اصاب الموازنات العامة لدول الخليج بعد تدني اسعار النفط ويقول وهو يبتسم ان آلاف الاشخاص قاموا بتحويل مدخراتهم للخارج بل ان بعضهم لايملك اكثر من عشرين الف ريال قام بتحويلها الى بنوك امريكية وبريطانية وفرنسية والسبب في ذلك تلك الموجة التي عمت دول الخليج بعد هبوط اسعار النفط من ان هذه الدول سوف تلجأ الى المدخرات بفرض رسوم مالية اضافة الى رفع الاسعار ورسوم استعمال الطرق والمطارات.
قلت لصاحبي ان ما تتحدث عنه لاعلاقة له بالمدخرات ففرض رسوم على المطارات منوط بجهات مسؤولة وتتولى ترتيبه مؤسسات خاصة تضيف هذه الضريبة على قيمة تذكرة السفر اما استخدام الرسوم على الطرق السريعة فهو حجة ناطقة للمواطن اكثر منها منفعة للدول اذ ان من حق المواطن بعد فرض هذه الضريبة او الرسم ان يطالب بان يصبح الطريق عامراً وتتعهده الدولة بالصيانة فالمواطن يدفع ثمن استمرار صيانة هذا الخط حفاظا على سلامة وسلامته ابنائه.
اما المدخرات الخاصة وهي ايداعات الافراد في البنوك فكيف نسمح لانفسنا بان نتقول على الاحداث فهل نضع الدولة من نفسها رقيبا على اموال الناس ولوكانت كذلك لما كانت هناك فرصة لكل انسان بان يتصرف بامواله كيف يشاء ومتى شاء وضربت له مثلا من نفسه فهاهو قد حول امواله الى عواصم الغرب مع المئات او الالآف من رجال ونساء الاعمال دون ان تتعرض له الدولة بشيء ودون ان يرى رقيبا يسأله اين تذهب امواله.
وسألني صاحبنا سؤالا هل نحن اغنياء ام امة وسط ام فقراء, فطلبت منه ان ينظر ماحوله وانه نفسه جزء من الاجابة على هذا السؤال,, واذا كانت التجارة السعودية والخليجية تلعب دوراً في تكييف اسواق الغرب فهذا يعني ان لدينا الكثير من الاموال التي ستكمل دورتها فيما وراء البحار.
واذا كان الشعب بهذا الثراء وهذه المقدرة على المساهمة الدولية, فالدولة ذات مقدرة اكبر بكثير مما يملكه الشعب فلديها مصادر الثراء التي لا تنضب لديها حقول النفط ومنابع الذهب والموانىء الضخمة والمطارات والشركات التجارية والصناعية ومن خلال القوة المالية للدولة تبدو مشروعات التنمية التي لايمكن ان تبرز بهذه الصورة الا من دعم مالي متصل, نحن اغنياء لان من بيننا من هو اغنى ونحن امة وسط لان بيننا الكثيرين الذين يشعرون بالسعادة وسط دخل محدود توفره الدولة لهم ونحن لسنا فقراء لان لدينا تكافلا اجتماعيا يقضي على الفقر.
لكن صاحبنا مازال على اصراره بانه سيمضى قدما في تصعيد ارقام تجارته وامواله وانه سيأتي اليوم الذي يصنع فيه الاولويات في جدوله اليومي خاصة مع من يلتقي ومن اجل من يصرف لحظات وقته فهو يؤكد دائما بان الوقت هو المال.
قلت لصاحبنا وهو يتحدث معي وقد امضى من وقته اكثر من ساعة هل تعتبر نفسك الآن قد انفقت الكثير من الوقت ونحن نتحدث وهل انت مسرف بالفعل عندما مرت عليك هذه الساعة دون ان تدخل دولاراً واحداً, فاجاب صاحبي بان هناك تجارا سعوديين وصلوا الى هذه المكانة اذ ليس بامكان اي شخص ان يتحدث معهم حتى ابناؤهم يقفون بانتظار اللحظة المخصصة لهم حتى النكتة لايمكنه ان يقهقه ضاحكا اكثر مما تستوعبه النكتة خاصة اذا تحدث بها المهرج اثناء غداء او عشاء ؟.
ولكن هل صاحبنا على حق في مشواره الذي سار ويستمر الآن في السير فيه- وهل يتوجب على كل من حصل على عدة ملايين من الريالات ان يسهل لها السبيل الى الخارج وهل نمو الاموال مرتبط باسواق اوروبا وامريكا,,؟
الحقيقة ان الاموال التي تقود نفسها الى حيث تتوالد وتتكاثر,, وتختلف الاقدار والافكار التي تدير الاموال فهناك اموال لاتستطيع الحياة سوى في الاجواء المحلية فوسائل ادارتها غير قادرة على استيعاب مسار الاموال في الغرب لذلك ترى بيننا تجارا ذوي ثراء فاحش ان صحت هذه التسمية وعلى انه يسمعون اكثر مما نسمعه نحن عن حركة المال العربي في الخارج الا انهم يرون ان مقدرتهم قاصرة عن فهم مسار التجارة في الغرب حتى ان هناك تجارا سعوديين في الخارج لايستطيعون ادارة اموالهم بنفس القدرة والكفاءة التي يديرها هذ التاجر الذي يملكه مكاسب كبيرة في تجارته في الداخل,.
فلندع صاحبنا يسير مع غيره من السائرين ويكفي انه ترك في الوطن مايرفعه من الوقوع في هوة الفقر عندما يرجع صفر اليدين نتيجة محاولته لاخذ مالديه بطريقة يرى من ينفذها في الغرب انه يعمل للمصلحة العامة حتىوان تضرر بهذه المحاولة تجار اجانب.
عبد العزيز المهنا