لقد أعجبني مؤخرا وصف لكاتب في مجلة معروفة ذكر فيه هذا التشبيه قرصنة صحفية وقد كان سبب هذه التسمية تعليقه على رسامة تشكيلية معروفة بابداعاتها وأن إحدى المجلات استخدمت لوحاتها كخلفية لمقال او ما شابه ذلك بدون اسم صاحبة العمل أو حتى إظهار توقيعها على صورة العمل نفسه وقال إن هذا إلغاء لأبسط الحقوق الأدبية التي يجب أن تلتزم بها المطبوعة أدبيا وأخلاقيا.
وتوالت الأحداث التي كبرت ووجدت من وجهة نظري أنها أحداث تستحق الوقوف قليلا من المهتمين والمختصين في هذا المجال للحفاظ على مستقبل هذا الكيان الابداعي لأنه جزء لا يتجزأ من حضارات المجتمعات، فإنني أرى أن الفن التشكيلي يشبه كثيرا في حد ذاته الطب البشري فلا يقتصر الفن التشكيلي فقط على عدة سنوات دراسة والحصول على شهادة تخرج، بل هو يحتاج كثيرا للممارسة التي تدعمه وتقويه بالإضافة إلى التطلع الدائم من خلال القراءة وزيارة المعارض سواء المحلية أو الدولية فهو دائما غني بكل ما هو جديد وكل عصر له فيه دور وإضافة جديدة وربما مدارس فنية جديدة وكذلك الطب الذي يتحدد يوميا باكتشافات جديدة وأدوية حديثة وكذلك معدات والقصد هنا ليس مقارنة الفن التشكيلي بالطب البشري ولكن القصد هو أن الفن التشكيلي علم يأخذ الفنان التشكيلي لدراسته وممارسته جزءا ليس بالقليل من حياته يستنفد من خلاله طاقاته الذهنية والمادية وكذلك, وقد يعتبر البعض أن الفنان التشكيلي إنسان مرفه ويأخذ هذا المجال من ضمن الترفيه لأن العمل الفني شيء مكلف ولو كان الأمر كذلك لما أنشئت الدول الجامعات والأكاديميات وأيضا التخصص في هذا المجال، فالفن التشكيلي هنا هو مهنة أيضا لأنها ليست آلية بل تتدخل فيها مهارة ومقدرة وقوة في الخيال تختلف من شخص لشخص آخر ولكن للأسف هناك ظواهر كثيرة وسلبيات من الذين لا يقدرون أو يستوعبون هذا الجانب العلمي, فلقد لفت نظري أيضا ظاهرة محزنة وهي اتصال العديد من المؤسسات والشركات وما شابه على الفنانين التشكيليين يطلبون منهم تصميم شعارات أو بوسترات تعبر عن حدث معين بدون أي مقابل لتغطية التكاليف التي استخدمت لبناء العمل نفسه وأشد ما كان دهشتي مكالمة من شخصية بنكية مرموقة تطلب استخدام صور أعمال الفنانين التشكيليين لطباعتها على شكل بطاقات إهداء مطبوعة باسم البنك بدون مقابل أو عائد مادي لصاحب العمل بل يعتبرونها خدمة للفنان التشكيلي بصرف النظر عن الجهد المعنوي والمادي الذي قدمه الفنان لأداء هذا العمل,, وأيضا مؤسسة نشر معروفة أخذت صورة لعمل رسامة ووضعتها ضمن بروشور طبعته لشاعرة معروفة بدون كتابة اسم الرسامة لهذا العمل بل أخرجت العمل بطرق مختلقة وطبعته على البروشور حتى بدون سؤال الرسامة إن كان لها وجهة نظر في هذا!
وهنا أقف بتساؤل وتعجب معا,, ألا وهو هل يعلم هؤلاء أن هناك شركات دعاية وإعلان متخصصين ومرموقين في هذا المجال؟ أم أن الفن التشكيلي مهدد فعلا بالقرصنة .
ولا أخص بكلامي هذا المساهمات الخيرية فقد ساهم الفن التشكيلي عن طيب خاطر في هذه المساهمات وعلى الأقل الفن التشكيلي ضمن حقه الأدبي من خلال هذه المساهمات والأهم من هذا العائد الديني والمعنوي لعمل الخير, ولكن كون جهات أو مؤسسات تطلب أو تستخدم عمل الفنان بهذه الطريقة فإن الموضوع من وجهة نظري يستحق المناقشة وأتركه لمن يهمه الأمر لإبداء رأيه به,وبالله التوفيق.
هدى العمر
فنانة تشكيلية