تخضع الأنهر الدولية لاحكام القانون الدولي العام لتنظم العلاقة بين الدول التي يمر مجرى النهر في داخل أراضيها، لان لكل هذه الدول حقاً معلوماً من ماء النهر ولا يحق لاحد منها التلاعب بهذه الحقوق التي تمثلها انصبة كل دولة من الماء العذب الجاري في داخل أراضيها.
جاءت هذه الاحكام في القانون الدولي العام من خلال تجارب طويلة من الصراعات بين الدول على مياه النهر، وتوصلت الى ضرورة التفاهم والاتفاق بين الدول المستفيدة منه، قبل الاقدام على اي تصرف بالحجز في المنبع أو الاهدار في المصب أو التحويل للمجرى حتى لا يقع الضرر على دولة من دول النهر اما بإغراق أراضيه بالماء وإما بجفاف الماء في أراضيه.
المصلحة العامة التي تحكم العلاقة بين دول النهر الواحد جعلت احكام القانون الدولي العام الخاصة بالأنهر الدولية اكثر تلك الاحكام الدولية نفاذاً، لأن كل دولة من موقعها على النهر تستطيع معاقبة الدولة المعتدية على مياهه.
هذه الحقيقة جعلت كل التصرفات على الانهر الدولية تتم بعد دراسة مكثفة وباتفاقيات مبرمة تعالج الضرر الذي يقع على احدى دوله بالتعويض لها من قِبل الدولة أو الدول المستفيدة من تلك التغييرات عليه بإقامة السدود.
مثال لذلك أن السد العالي الذي اقامته مصر على نهر النيل قد أضرّ بالسودان، لأن احتجاز المياه وراء السد أدى لإغراق أراضٍ كثيرة في السودان التي عوضت في مقابل ذلك بحصولها على الطاقة الكهربائية المجانية المتولدة من تدفق المياه خلف السد والمحركة للطوربينات المنتجة للطاقة الكهربائية.
لم تكتف دول النهر الواحد بأحكام القانون الدولي العام التي تنظم العلاقة فيما بينها ولجأت الى إبرام المعاهدات الدولية المستندة الى تلك الاحكام العامة للقانون الدولي حتى تعطيها مزيداً من الفعالية في الالتزام وتقدم عند الاختلاف نصوصا ثابتة يرجع اليها في اصدار الحكم العادل او يسهل مهمة لجان التحكيم المقبولة من قبل الاطراف المتنازعة في فض النزاع القائم بينها.
إن نضوب الماء على المستوى الدولي بسبب عدم نزول المطر قد ادى الى تصحر الارض الافريقية المشهورة بخصب أراضيها وفرض الذعر من العطش في كثير من مناطق العالم المختلفة بعد ان اصبحت قطرة الماء اغلى من قيراط الماس مما جعل كل الدول تخطط من الآن اما بتنمية مصادر مياهها واما بتنظيم حصولها على الماء.
وظهر في الافق الدولي احتمال قيام حرب عالمية على المياه تحاول مختلف الدول تجنبها بالبحث عن مصادر مياه جديدة تشبع حاجة العالم المتزايدة للمياه ولكن محدودية مصادر المياه تزيد من احتمالات الحرب بين الدول حول المياه.
خطورة الحرب على الانسان والارض تتمثل في وجود اسلحة الدمار الشامل عند من هبّ ودبّ بعد ان باعت روسيا فنيّات انتاج القنابل النووية لمواجهة حاجتها في توفير لقمة العيش مما دفع العلماء الى البحث عن مصادر المياه خارج أُطر مصادرها الطبيعية ويتجه البحث العلمي في اكثر من موقع الى ايجاد سبل تخفض تكلفة تحلية مياه البحر وزيادة معدلات انتاجها حتى يلتقي انتاجها الكبير مع الحاجة المتزايدة للمياه للشرب والزرع والضرع.
توقع توجيه الانسان الى الشرب من البحر غير مؤكد حتى الآن، ولا يمكن الاعتماد عليه في حل مشكلة المياه المزمنة، لان الابحاث العلمية ونتائجها لا تزال في علم الغيب، وخصوصاً ان كثيراً من العلماء الباحثين لمشكلة المياه يؤكدون ان كارثة المياه يفوق حجمها الحل الذي نبحث عنه بجعل الناس تشرب من البحر مما يتطلب ايجاد سبل اقتصادية لاستغلال المياه المجمدة في القطبين الشمالي والجنوبي مع العمل بتغذية مصادر الانهر بمياه المطر بعد ان اصبح في مقدرة الانسان، بالوسائل العلمية، صناعة المطر الصناعي,, ولكن هذه القدرة محكومة بإرادة الله التي تجعل المطر يحط على الارض أو يبدد في السماء بفعل الرياح التي يسخرها الله سبحانه جلّت قدرته التي تجعل امره كن فيكون .
عدم الوصول الى حل لمشكلة المياه يزيد من شبح حرب الانسان على الماء وقد اطلقت اسرائيل الرصاصة الاولى في حرب المياه بقرارها القاضي بتخفيض حصة الاردن من بحيرة طبريا والمحددة بخمسين مليون متر مكعب من المياه سنوياً بموجب معاهدة السلام الموقعة بين عمان وتل ابيب بواشنطن في شهر اكتوبر من عام 1994م.
وبرر مائير بن مئير رئيس سلطة المياه في اسرائيل القرار الصادر بتخفيض حصة الاردن المتفق عليها، بشح المطر خلال العام الماضي 1998 مما خفض في العام الحالي 1999م نسبة مخزون المياه في نهر الاردن الى 60% وبالتالي لا تستطيع اسرائيل الوفاء بالتزاماتها في قضية الماء وفقاً لما حددته معاهدة السلام الاسرائيلية/ الاردنية لأن تلك المعاهدة لم تراع الظروف الطبيعية ومشاكل الطقس الاقليمية التي سببت هذه الكارثة في المياه التي تحتم مواجهتها بصورة مشتركة من الجانبين الاردني والاسرائيلي.
وأعلن بن مئير أن بلاده تعاملت مع الكارثة بالأسلوب العملي وذلك بتخفيض نسبة 25% من المياه التي تصرف للمزارعين الاسرائيليين، وعلى الاردن ان تواجه هذه الكارثة في المياه بالاسلوب العملي بتخفيض نسبة استهلاكها من الماء لان اسرائيل لا تستطيع على الاطلاق تزويد الاردن بالخمسين مليون متر مكعب من المياه خلال العام الحالي 1999م.
وقد توصل مجلس الوزراء الاردني الذي عقد في مبنى وزارة المياه والري الى معلومة تؤكد كذب اسرائيل فيما ادعته من انخفاض نسبة مخزون المياه في نهر الاردن بستين في المائة، لأن المؤشرات المتوفرة لدى وزارة المياه والري الاردنية تؤكد ان مخزون المياه في نهر الاردن لم ينخفض على الاطلاق، وبالتالي فإن عدم وفاء اسرائيل بالتزاماتها في تزويد الاردن بحجم المياه المتفق عليها في معاهدة السلام الاردنية/ الاسرائيلية يمثل خرقاً لهذه المعاهدة السلمية المبرمة بين البلدين.
اعلن رئيس الوزارة الاردنية عبد الرؤوف الروابده بعد جلسة مجلس الوزراء المخصصة لبحث مشكلة المياه مع اسرائيل ان بلاده ترفض بشكل قاطع المساومات الاسرائيلية على المياه المخصصة للأردن ولا تقبل بالتسويات التي تقدمها اسرائيل لايجاد ارضية جديدة لمشكلة المياه خارج نطاق معاهدة السلام المبرمة بين البلدين.
وقرر بشكل قاطع ان بلاده ستواصل التفاوض مع اسرائيل حتى تحصل على كامل حقوقها المقررة في الماء بموجب معاهدة السلام، فإن تعذر عليها الوصول الى حل لهذه المشكلة من خلال التفاوض مع اسرائيل لجأت الاردن الى التحكيم الدولي ليفصل في النزاع القائم استناداً إلى ما جاء من احكام حول المياه في اتفاقية السلام الاردنية/ الاسرائيلية.
وإذا نظرنا الى حجم المياه الذي ترغب اسرائيل في تزويد الاردن به وهو ثمانية عشر مليون طن مكعب لأدركنا ان حجم التخفيض من حصتها المقررة يصل الى نسبة 71% في الوقت الذي اعلن فيه بن مئير ان تخفيض المياه عن المزارعين الاسرائيليين يصل الى نسبة 25% فقط.
وإذا سلّمنا جدلاً بأن اسرائيل صادقة في ادعائها بانخفاض مخزون المياه في نهر الاردن بنسبة 60% فإن عدالة المشاركة في مواجهة كارثة المياه تتطلب انخفاض حجم الاستهلاك في البلدين بنسبة واحدة 30% لكل منهما حتى يتمكنا معاً من اجتياز كارثة المياه الحالية في نهر الاردن وبحيرة طبريا.
إن اختلاف نسبة التضحية بالمياه ما بين 25% تتحملها اسرائيل و71% يتحملها الأردن يؤكد التلاعب الاسرائيلي بحقوق الاردن والذي بدوره يدحض ادعاءات بن مئير بأنه يحمّل الاردن ما تتحمله اسرائيل لمواجهة كارثة المياه الاقليمية.
دعوني اقول لكم ان معاهدة السلام الاردنية/ الاسرائيلية المبرمة في اكتوبر من عام 1994م تمت بين البلدين وكلاهما يعرف مع العالم كله ان الدنيا بأسرها ستواجه ازمة مياه حادة ومع ذلك قبلت اسرائيل بالحقوق الاردنية في المياه وبالحجم المتفق عليه وبالتالي لا يمكن ان يقبل منها اليوم تخفيض هذا الحق الاردني في المياه بالادعاء الباطل ان مصادر المياه عندها قد اصابها الجفاف وخصوصاً ان ناصر اللوزي وزير الاعلام الاردني قد كشف عن منطوق معاهدة السلام بقوله ان نصوص هذه المعاهدة تحرم على اسرائيل تخفيض مخصصات المياه للأردن.
ليس من مصلحة الاردن ان تدخل في حرب كلامية مع اسرائيل او تلجأ الى التفاوض الجديد معها حول المياه المخصصة لها لأن نتائج هذه المفاوضات معروفة مسبقاً وانما مصلحة الاردن تحتم عليها المطالبة الفورية بالتحكيم الدولي حتى تلزم اسرائيل باحترام المعاهدة التي وقعتها مع الاردن في قضية المياه التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من معاهدة السلام الاردنية باعتبارهما معاهدة واحدة تنظم العلاقات السلمية بين البلدين وتحافظ لهما على الحقوق المتفق عليها وأهمها حق الاردن في المياه، أدعو العالم الى التدخل لوقف هذه الحرب التي بدأتها اسرائيل حول المياه لانه ليس من مصلحة العالم اشتعال هذه الحرب في اي جزء من العالم الذي لا يزال يبحث عن مصادر جديدة للمياه حتى يجنب الانسانية الدخول في حرب ضروس حول الماء.
|