Thursday 18th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 1 ذو الحجة


ليس إلا
معنى أن تكون وحيداً

حقيقة انا لا اعرف من انا, انا موجودة الآن في هذا الصندوق البلاستيكي دون ان يكون لي اي فرصة للتعرف على نفسي وادراك هذا السر الكبير الذي يحيط بي شخصيا قبل الاخرين الذين حولي, الذي اعرفه انني الآن انتقلت الى مكان آخر اقل امانا, كنت قبل ذلك في مأمن كنت احس في ذلك المكان انني لست وحدي في هذا العالم؛ كان هناك من يشاركني في كل شيء، حتى الغذاء يقدم لي من دون ان ابحث عنه, اما الآن، هنا، فلا اعتقد انني اتحمل البقاء لفترة اكثر من ذلك, وليست المشكلة في هذه الوحشة والوحدة فقط، ان ما يتعبني حقيقة هو هذا الذي يمر امام هذا الصندوق البلاستيكي لكي يلقي عليّ نظرة او نظرتين ثم يتركني دون ان يكون له القدرة - مثلي تماما - على توضيح هذا السر الكبير الذي يحيط بي من كل جانب , ترى من اكون؟ ومن يكون هذا الوقف امامي؟ لماذا يأتي وينظر الي بصمت ثم يختفي ويتركني وحيدة هنا, لا بد ان شيئا ما يربطني بهذا الواقف, ليتني اعرف الاجابة, لكن، ماذا افعل عندما يتركني هنا حيث لا احد يهتم بي ؟ المشكلة انه لا توجد وسيلة يمكن ان أخاطبه بها كي اخفف عنه هذا التعب الذي لا يعرف كنهه الا انا, هو يأتي فقط وينظر الي ثم يتركني، ينظر الي وانا مغمضة العينين ويحسب اني لا ادرك مجيئه، رغم اني اسمع وقع خطواته منذ اللحظة التي يقرر فيها زيارتي لكن ما هذا السر الكبير الذي يحيطني واياه؟ انظر اليه! هاهو يحاول كبح جماح حزنه ويستجمع جسارة تبدو خصلة لا تفارقه، ويتظاهر بان لا فائدة؟ لا فائدة من ماذا؟ لا فائدة من الوقوف امام هذا الصندوق, حقيقة أنا مثله ارى انه لا فائدة من المكوث هنا لحظة واحدة, كيف لا وهؤلاء الناس حولي يتعاملون معي بجفاء وغلظة هو يستطيع ان يغادر متى شاء اما انا فلا مهرب لي من التعامل مع هؤلاء الحيوانات، احس بالاختناق كلما اقترب احدهم مني وتتحسن حالتي بمجرد سماع خطوات هذا الواقف, لكن ليته يعرف ذلك فيبقى معي يؤنس وحشتي، او يأخذني معه لماذا لا يأخذني معه؟ رأيت ذلك يحدث مع زملاء لي هنا, كم سأكون سعيدة لو يأخذني معه هو يختلف عنهم كثيرا, يكفي ان يقف بجوارك دون ان ينبس ببنت شفه وتتحسن حالتك، كل شيء يبدأ بالتناقص كلما ابتعدت خطواته عن هذه الغرفة, وكل شيء يبدأ بالتحسن كلما اقترب من هذه الغرفة حتى هؤلاء يحسنون معاملتي في وجوده ليته يدرك هذا ويمكث معي انا لا اريد منه شيئا, انا لا اريد منه ان يتحدث, انا اريده ان يجلس هنا بجانبي فقط, صحيح انني لا اعرف من يكون, لكن هناك شيء ما يربطني به.
لكن كيف السبيل الى الاتصال معه واخباره عن حجم المعاناة التي ألقاها هنا؟
كيف اقنعه انني احس بوجوده حتى لو كنت مغمضة العينين؟
كيف انقل له انني لا اهتم بنفسي الا من اجله هو وليس اي انسان اخر؟
كيف لي ان ابين له ان صبري قد نفد وقد لا اراه مرة اخرى؟
ليتني اعرف ما يدور في رأسه ؟ ها هو يهم بالذهاب, كيف سيسمعني؟ كيف يتركني وحدي؟ انت! هل تسمعني؟ انت! ابق هنا! لا تذهب.
خالد العوض

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved