Thursday 18th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 1 ذو الحجة


صفاء
رجفة أثوابهم البيض (1)
2-7
الجوهرة بنت حميد *

حينما تساءلت - في الرجفة الأولى - عن الإحساس بالمسؤولية تجاه الأديب - بوصفنا قراءً له - لم أنس افساح مجال آخر لتبني الناقد لهذه المسؤولية/ وجزء منها، بل لعله أكثر الاصحاب عمقا وفاعلية,, لماذا؟,, لماذا؟؟
كثير من الأباء - وحديثي عن المحيط السعودي - باتوا مغبونين في مواهبهم، في قصصهم، في رواياتهم، في اشعارهم، في اعتدادهم بذواتهم درجة الالغاء، وابقاء العيوب على خطئها، بفخر كأنما كسر قواعد السلامة والاصالة البنائية,, هو الأدب!.
الأديب - السليم - حينما ينشر إبداعه يكون منتظراً ردة فعل ناتجة عن قراءة واعية بفاعليتها، تمدح جوانب الاجادة عنده، وتنقد - مقوِّمةً - جوانب ضعفه وخلله, لكنه حينما لا يجد إلا تتبعا للنمو الدلالي الموهوب، أو البناء النصي المتميز، أو غيرها من الاشكاليات، التي باتت عناوين للهموم الثقافية، النقدية، العريضة، سينخدع بالخطاب النقدي، الذي لم يحاور الجذور عنده، لم يحركها، لم يثر راكدها، لم يقوِّم معوجَّها, ولعل الاعوجاج اللغوي هو ما اصبح مسكوتا عنه، اشبه بالملغي، بل ملغيّا، رغم انه الاساس، رغم انه الجينات، التي يقوم عليها، وبها جسد النص.
لا أدري ان كان كثير من النقاد قد ترفعوا عنها، واعتبروها من واجبات الصفوف الابتدائية الاولى، فيما تجاهلها الكتاب أو جهلوها!.
لا أدري ان كان تلافي حرج تصويب الخطأ أسوأ، أم حرج تلافي التصويب باستمرارية الخطأ، الذي يصبح علامة على صاحبه!.
لا أدري لماذا تتمتع الطفولة الادبية بأكبر قدر من الارضاء والاغراء، حيث التلطف، ولربما التسطح في الخطاب النقدي من اجل ابتسامة هذا البائس، وطمأنينة ذاك الخائف، وعدم انفجار بالونة الحار , أو تساقط ريش الطاووس الجميل بلا ألوان؟!.
لا أدري لماذا نزيح كثيرا من قواعدنا العربية النقدية امام استعراضاتنا الكرنفالية، المبهورة ببلاهة، بالقواعد/ النظريات الغربية!.
لا أدري لماذا لا نفكر - بشكل جدي، بعيد عن صيحات المنابر ونعقاتها - في تأسيس ادب سعودي ذي جذور سليمة، عميقة، صادقة، ترسخها التجربة النقدية، التي تُباري الادب في النضج؟!.
لا أدري لم لا نحلم بأدب يتخلص من مثل هذه الاخطاء التافهة - بالنسبة للقارئ -، العنيفة - على تاريخنا الادبي.
1- "نساء ومع ذلك يضحكن بعمق، بعضهن جئن من القرى المحيطة وبعضهن جئن من الحارات المجاورة يبعن ويشترين، يبعن الخبز والتمر والحمام والتعاويذ ويشترين الاقمشة، نساء ورجال يتداولون أساطير شعبية ومقولات قديمة علقت بغبار الوقت، يبعن اشياء مسحوقة للمرضى في أكياس أو في علب فارغة لها رائحة الحناء وطعم اليانسون والحلبة، وكلها للمرضى، هؤلاء الذين فقدوا القدرة على مواجهة الحياة إلا بأرواح سوداء ويأس وقلوب معذبة، يقرؤون عليهم الآيات، وينفثون الهواء من صدورهن المتعافية على الصدور الممروضة التي تبكي آناء الليل وآناء النهار", قصة الأناشيد والناس فهد العتيق.
لا علامات ترقيم في وضعها الصحيح، ولا تفريق بين المؤنث والمذكر في مستوى الخطاب النحوي ,,؟؟.
2- ردت عليها عجوز عوراء: ألا تعلمين أنها مجنونة؟
اجابتها صاحبة الثياب: إن جنونها لم يظهر إلا معي,, حظى تعس,, تهالكت من الرقص وقعت أرضا، ذهبت صبية غبراء الشعر إلى منزل شقيقها وأخبرتهم اتى الاخ وزوجته مدا أيديهما لها، يد الرجل كانت دافئة حانية يد زوجته كانت باردة بأصابع كالمسامير تكاد تثقب زند المسكينة,, قصة "السر والموت"، شريفة الشملان.
غياب الترقيم جعل الكلام سائحا على بعضه، غير مقطع المعاني ولا الانفاس, واصبح الاستفهام ينصب الافعال ألا تعلمي ، والصورة العميقة لبرود زوج الاخ,, افسدها تناقض دفء يد الاخ مع الحديث عنها بيد الرجل ، كأنه غريب بعيد!
3- حدقت طويلا بالصورة التي يأسرها الجدار الصامت منذ زمن، تعلو برأسها قليلا، تنظر إلى وقفتهم القديمة بكل ما حمل الماضي قصة "الدواء"عبدالحفيظ الشمري, "تعلو برأسها"؟!.
4- وقد أنقذ الموقف دخول أبو سهل علينا ، "أبي سهل"؟
وهكذا شاهدت أبي سهل يأتي على عجل ، "أبا سهل"؟.
على ان المفاجأة كانت تنتظر أبو سهل عندما عاد من رحلته ، "أبا سهل"؟.
لم أكن اعرف بطبيعة الحال ما هي دوافع أبو سهل لاثارتي ، "أبي سهل"؟, رواية "رعشة الظل"، إبراهيم الناصر الحميدان.
هنا يبرز اشكال الجمع بين المستوى العامي والفصيح في لغة السرد!.
***
إشارتي تأتي حرصا على سلامة الكتابة الادبية، المقروءة، لان الادب - في غالبه - مقروء لا مسموع يتقى فيه خطأ القراءة، وخطر ارتباكها، اضافة إلى تأثير تلك الانزلاقات على التأويل الدلالي للنص، إذ هي ناتج خطأ لا فن, لكنهما قد يلتبسان!
أخيراً، في مقابل تلك التراخيات الاسلوبية، مَدٌّ من الابداع الحقيقي: فلسفة، وتصوير، وبناء،,,, الخ، نغار ان تفسده مثل تلك المفسِدات.
على سبيل المثال:
الحزن ليس باكتساء الثياب السوداء، لان الحرقة تنزف لعدة سنين,, رعشة الظل، إبراهيم الناصر الحميدان, تتقدم اقدام العجوز المشرّخة بالحكايات والاشواك نحو الحصن، يقترب، تستقبله حجارة متناثرة، تمتد في طريقه مبعثرة في اتجاه المقبرة التي تحتضن نوما قديما، حجارة وطين: وقفا في وجه الريح، هو الحصن: اربع طبقات ممتدة إلى أعلى يصعب التعرف إلى عددها لولا ما تجود به الجهات الاربع من نوافذ ضيقة موزعة دون انتظام، عبر المدماك العريض النابت من الارض كشجرة عتيقة تعلو حجارة.
ضخمة أقامتها الاهازيج والايدي المعروقة بالزفرات المنزوعة من صدور النشامى , قصة "مرثية".
*جامعة الملك سعود - قسم العربية
(1) عنوان مجموعة قصصية للقاص السعودي: يوسف المحيميد.
* عنوان مجموعة المحيميد مجرد بوّابة لمقالة, لا علاقة له بأي نقد أو ملاحظات في الداخل.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved