اظهرت السنوات الخمس التي تكاد تنقضي على توقيع اتفاقيات اوسلو انها فصلت لتناسب حجم الموقعين عليها، فالاتفاقيات -وكما هو الحال بالنسبة لكل الاتفاقيات التي تؤسس لبداية مرحلة جديدة يفترض ان تكون مرحلة سلام وتفاهم، بعد حروب دامية وسنوات طويلة من العداء- لابد ان تواجه باعتراض ومقاومة تصل في احيان كثيرة الى درجة التصفيات والاغتيال والقتل,, واتفاقيات اوسلو، واحدة من الاتفاقيات المفصلة ليس في تاريخ الشرق الاوسط، بل تشكل منعطفا تاريخيا سواء كنا مؤيدين لها، او معارضين,, وسواء كانت عادلة ومنصفة,, او انها تعالج بعضا من معضلة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي .
المهم انها أسست، أو بدأت كسر حاجز العداء القوي,, والقوي جداً بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وكما لهذه الاتفاقيات اعداء بين الفلسطينيين لها اعداء بين الاسرائيليين,, وقد تمكن واحد من اعدائها الاسرائيليين من قتل كبير الاسرائيليين الذي وقع عنهم على الاتفاقيات والذي فصلت الاتفاقيات توافقا مع حجمه السياسي وحضوره المؤثر لدى الاسرائيليين وقدرته على ضمان تنفيذ بنودها - مثلما هو الحال بالنسبة لكبير الفلسطينيين ياسر عرفات الذي يعد الأقدر على تنفيذ بنودها فيما يخص الفلسطينيين.
والاقدام على توقيع الاتفاقيات يعد شجاعة في مواجهة اخطار المستقبل,, وايضا سواء اتفقنا مع اوسلو اواختلفنا إلا ان الذي يجب تأكيده هو ان كلاً من رابين وعرفات كانا عارفين بالاخطار التي سيواجهانها فدفع الاول حياته ثمناً لها ولايزال الثاني يذكر ان ما اقدم عليه سلام الشجعان .
سلام الشجعان هذا واتفاقيات اوسلو التي نتحدث عنها والتي فصلت مراحل تنفيذها اعتماداً على قدرة وقناعة رابين وعرفات فقدت احدى قاعدتيها، وعندما تفقد اوتقطع احدى قاعدتي بناء كبير ويظل مستنداً على قاعدة واحدة لابد ان يقع ذلك البناء، وحتى اذا استند بقاعدة بديلة، يظل ذلك البناء آيلا للسقوط,!!
وهكذا حاولت الادارة الامريكية ترميم البناء، وسارعت لتهيئة القاعدة الثانية، إلا ان مشكلة الادارة الامريكية, واهل اوسلو جميعا ان القاعدة الثانية نتنياهو يريد هدم البناء ولذلك فان وقفته دائما عوجاء,,!! ولهذا فقد تعرض البناء لهزات عديدة,, كل مرة حاول بها مهندس اوسلو الادارة الامريكية تقويم البناء,, وايضا يعمل نتنياهو كل مرة على هدم البناء,, والذين مارسوا البناء,, او لديهم خبرة في هذا المجال,, او حتى الذين بنوا منزلاً,, يعرفون ان كثرة الاهتزازات في البناء تسقطه,,وهذا ما ستؤول إليه اتفاقيات اوسلو، اذا ظلت القاعدة الثانية، لان الشيء المؤكد في حالة نجاح نتنياهو في الانتخابات القادمة وعودته مرة ثانية لرئاسة الحكومة الاسرائيلية هو تحرك القاعدة من مكانها حتى يسقط البناء تماما.
هذا مايفهمه الفلسطينيون جميعا معسكر سلام الشجعان والرافضون لهذا السلام، ولذلك فان المسارعة لتنفيذ استحقاقات اوسلو عند اكتمال السنوات الخمس على توقيع اتفاقياتها هي استسباق لموعد هدم الاتفاقيات، إلا ان نتنياهو مارس الذكاء والخبث اليهودي معاً وقد سار معه كل الزعماء السياسيين الاسرائيليين المرشحين للانتخابات القادمة باختيارهم يوم 17 ايار مايو موعدا لهذه الانتخابات,, اي بعد استحقاقات اوسلو بأسبوعين,, ولذا فسيكون هذان الاسبوعان اكثر اسابيع زمن استحقاقات اوسلو ترقبا وتوتراً,, رغم انهما خارج زمن الموعد النهائي,, إلا ان عرفات وجميع اهل اوسلو لايملكون إلا ان ينتظروا مايتبع هذين الاسبوعين فاما ان تزاح القاعدة الاسرائيلية التي ترتكزعليها الاتفاقيات,, بانتخاب نتنياهو فيسقط البناء,, او تبنى قاعدة جديدة كما يسعى المهندس الامريكي ,, وعندها ستعلن الدولة الفلسطينية,, بمواصفات اهل اوسلو.
جاسر عبدالعزيز الجاسر
مراسلة الكاتب على البريد الإلكتروني
Jaser @ Al-jazirah.com