تحقيق : نايف البشري
الشيخوخة,, مرحلة لابد ان يصل اليها الانسان اذا كتب الله له عمرا في هذه الحياة,, وتختلف مراحل الشيخوخة من شخص الى آخر فهناك من تظهر عليه بوادرها في سن مبكرة وهناك من يصل الستين دون ان يظهر عليه اي من علامات العجز وكبر السن.
حول هذه الظاهرة تحدث لنا الدكتور عبدالباسط متولي استاذ الصحة النفسية وذلك من خلال الاسطر التالية:
لا سن محددة للشيخوخة
* ما هي السن المحددة للوصول الى مرحلة الشيخوخة؟
- ليس هناك سن محددة للشيخوخة فهناك من يستشعرها في كل سلوكه,, وفي حركاته وسكناته وفي يقظته ومنامه قبل ان يصل الى سن الاربعين ومن الناس من يتجاوز سن الستين,, ولم يشب شعره او تظهر التجاعيد على وجهه او ترتعد اطرافه.
فنجد ان اصحاب المهنة الواحدة منهم من يشيب في سن الثلاثين ومنهم من لا يعرف الشيب في الستين بل قد تجد احد الاخوة تظهر عليه علامات الشيب مبكرا بينما تتأخر هذه العلامات كثيرا عن اخيه الذي يكبره في العمر.
الإناث والذكور
* هل تزحف الشيخوخة على كل من الاناث والذكور بنفس الدرجة؟
- بالطبع لا,, فالاناث يختلفن في التركيب البيولوجي والفسيولوجي وايضا النفسي,, عن اقرانهن من الذكور كذلك تلعب عوامل الحمل والولادة,, وارهاقات التربية التي تحتاج مجهودا مضاعفا من الامهات دورها على التبكير بظهور علامات الشيب على الاناث قبل الذكور,, ولكن الاناث اقل شجاعة من الرجال في قدرتهن بالاعتراف المبكر بالشيب,, بل يحاول بعضهن إخفاء هذه العلامات التي يتصورن انها تفضح امرهن مبكرا بشتى الطرق والوسائل.
الشيخوخة المبكرة
* ما هي اسباب الشيخوخة المبكرة؟
- هناك العديد من الاسباب التي يمكن ان تكون عوامل مساعدة للاسراع بظهور علامات الشيخوخة على وجه الفرد ذكرا كان ام انثى وفي سلوكه نذكر من هذه الاسباب على سبيل المثال:
- عدم الرضا عن النفس وضعف الثقة بها والتبرم من ضيق العيش مهما كان الانسان غنيا او فقيرا,, فالاحساس بالرضا لون من ألوان الغنى والرزق الذي يمنحه الله عز وجل الى من يحب من عباده وهذا بدوره يزيده صحة وسعادة ويبعد عنه شبح الامراض وكذا اعراض الشيب,, واما الاشخاص الذين يدب المرض الى انفسهم والجشع الى تصرفاتهم والقنوط الى احاسيسهم فانها لا تصحب معها الى هذا الفرد سوى المرض الجسمي والنفسي وكذا تجر خلفها اعراض الشيخوخة المبكرة.
- ضغوط الحياة,, وزيادة الاحساس بها ,, نعم لقد ارتفعت معدلات سرعة ايقاع الحياة,, وكذا سرعة ودرجة الاحساس بضغوط الحياة,, وكذا تختلف درجة استجابتنا لهذه الضغوط واحساسنا بها,, وهذا بدوره يعكس اثره المباشر على ظهور علامات الشيب المبكرة على الفرد الذي يستجيب لهذه الضغوط ويتأثر بها كثيرا.
- رتابة الحياة اليومية,, وعدم الاستمتاع بهذه الحياة حسب منهج الله تعالى القائل: وابتغ فيما آتاك الله الدار الاخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا فالشخص الذي يبيت فيما يصبح فيه يوميا دون تغيير يصاب بالملل والسأم وهذا بدوره يزحف في شكل تجاعيد على وجهه وكآبة في داخله,, بعكس شخص آخر يحاول ان يستخدم مما احل الله من الطيبات ما يدخل على نفسه واهله وجيرانه البهجة,, وما هذا إلا صدى لقول الحبيب المصطفى (من اراد ان يوسع الله في رزقه وان ينسأ له في عمره,, فليصل رحمه),, فصلة الرحم تدخل البهجة على كل من الزائر والمزور.
- النظر لما في يد الناس يزيد الانسان احساسا بالغيرة والحسد,, وهذا بدوره يقلل من توافق الفرد الاجتماعي والاسري وهذا ايضا يعكس اثره على مستوى التوازن الفسيولوجي للفرد مما يظهر في صورة اضطرابات عصبية وقلق وضيق وشيب في شعر الرأس وارتعاد في الاطراف وتجاعيد على الوجه.
- الولع باستعمال الادوية والعقاقير الطبية كثيرا ما نرى بعض البشر يسير وفي جعبته صيدلية متنقلة,, وبداع وبدون داع يتناول من هذا الدواء ما الله به عليم,, ان اي دواء مهما كان له اثر في اصلاح الجسم له آثار جانبية,, وهي عادة ضارة بالجسم,, والانسان,, والانسان العاقل هو الذي لا يتناول من هذه الادوية الا للضرورة القصوى وتحت اشراف طبيب متخصص ان الاسراف في تعاطي هذه الادوية يؤدي الى المشيب المبكر للخلايا والاجهزة والاعضاء بل والجسم بشكل عام.
- الخلافات الاسرية والتصدع الاسري وعدم التوافق الاسري وكلها امراض اجتماعية خطيرة على الفرد والمجتمع,, لا نعني ان الحياة خالية من المشكلات,, ولكن بقدر الامكان يجب ألا تتحول حياة الفرد الاسرية الى مشكلات مزمنة تعكس آثارها الضارة على الاسرة النفسية والجسمية مما يؤثر بالسلب على زحف الشيخوخة على افراد الاسرة قبل ميعادها.
وكلما كانت الاسرة تسير على منهج الله من المودة والرحمة والتعاون على البر والتقوى كلما كانت هذه الحياة لها اثرها الايجابي على التمتع بالصحة الجسمية والنفسية وتأخر ظهور اعراض المشيب على الشخص المسن.
- الاحالة الاجبارية الى التقاعد,, من اهم العوامل التي تساعد على ظهور الاعراض الجسمية والنفسية والاجتماعية للشيخوخة وزيادة مستوى الاحساس بها,, ذلك ان الفرد قد يكون في مرحلة الشيخوخة ولكن اندماجه في عمل مثمر مناسب لقدراته يحقق له مستويات مناسبة من الاشباعات النفسية والاجتماعية يقلل من احساس هذا الفرد بالمشيب, مع باكورة الاحالة الاجبارية,, او حتى الاختيارية يشعر الفرد بآلام الشيخوخة التي به والتي ليست به ايضا.
شكر النعم
* ماذا تقول للذين عرفت الشيخوخة طريقها اليهم؟
- لا قول لبشر,, بعد قول المصطفى صلى الله عليه وسلم ما معناه اغتنم خمسا قبل خمس ,, صحتك قبل مرضك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك ,, فاذا كان هذا الشيخ الكريم قد تجاوز بعض هذه الخمس مثل الشباب,, فمازال ينعم ببعض الصحة وبعض الغنى وكثير من الوقت اذا بذله في سبيل مرضاة الله وكذلك في شكره لكي يزيده الله من النعم مالله به عليم حيث يقول عز من قائل (لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد),, ويكون في ذلك الغذاء الروحي والنفسي والجسدي لهذا المسن لكي يبعد عن طريق القنوط والضجر والالم الذي لا يجر عليه الا الامراض من ناحية وزيادة الاحساس بهذه الامراض من ناحية اخرى.
ولكن يمكن ان يتحقق هذا من خلال:
- الاستعانة بالله دائما,, وطلب العون منه,, والاستزادة من تقوى الله في قلب الفرد,, ومن يتق الله يجعل له مخرجا,, ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه ان الله بالغ امره قد جعل الله لكل شيء قدرا (سورة الطلاق: 2 ،3).
- التعاون مع اخوان الخير,, ومجالسة رفاق الخير,, الذين ينمون جوانب الخير داخل الفرد,, ويسارعون في الخيرات ويحاولون ادخال الراحة النفسية على حياة الفرد,, انعكاسا لقول الله عز وجل: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ,, وقول خير البشر أجمعين (كان الله في عون العبد ما دام العبد في عون اخيه وقوله ايضا: مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير .
- استثمار وقت فراغ الفرد في اشياء نافعة للفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة,, فان كانت للفرد ميول تجارية فعليه ان يستثمر ذلك في التجارة وخصوصا هدى اسلافنا يقول: تسعة اعشار الرزق في التجارة,, وان كانت له ميول زراعية فعليه ان يقلب في حديقة المنزل ليتمتع بخلق الله في ارضه,, ويتابع ذلك بنظره وفكره ليزداد ايمانا وشكرا لله على ابداعه في خلقه,, لا ننسى مع ذلك ووسط ذلك الاستمتاع بالقراءة النافعة في كتاب الله والهدي النبوي الشريف وكتب العلم والادب النافع للفرد والمجتمع.
- ان يأخذ الانسان في حياته كلها قدوة صالحة يقتدي بها في السلوك والعبادة والحب والتعاون وصلة الرحم وخير قدوة لنا جميعا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
- تقوية الارادة وترويض النفس والعمل للدنيا كأننا نعيش ابدا والعمل للآخرة كأننا نموت غدا,, ويكون صبر الفرد على ما قد يبتلى به من امراض لوجه الله عز وجل حتى يحصل على الصبر الذي يزيده قدرة على التحمل وينال الجزاء الاوفى بمشيئة الله تعالى يوم العرض والحساب (انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب).
- عدم اقحام نفسه في ما لا يعنيه,, او في المناقشات الجدلية,, او في نقد الاجيال اللاحقة ,, او الناس على ايام زمان التي ذهبت والقنوط من الايام الخالية,, ولكن يكون من عباد الله الذين يبشرون ولا ينفرون,, وييسروا ولا يعسروا,, فان استطاع ان يمد يد العون الى ابناء الاسلام فله الحب منهم وله الجزاء من الله وان لم يكن فعليه بالنصح والدعاء لهم بالهداية والتوفيق.
الشيخوخة ليست مرضا
* كلمة اخيرة تود قولها؟
- الشيخوخة المبكرة ليست مرضا,, بل هي مرحلة حتمية من مراحل نمو الانسان ولكن الاختلاف بين الافراد في سرعة الوصول اليها وفي درجة تقبله لاعراض ضعفها وكلما صان الانسان جوارحه الجسمية والنفسية ابان حياته وشبابه كلما صانته هذه الجوارح في شيبه والله ندعو ان يختم بالصالحات اعمالنا وان يجعل اسعد ايامنا يوم لقائه وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
|