Thursday 25th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 8 ذو الحجة


مع التربويين

التربية بالعبادة: للعبادة الصادقة اثر كبير وبين في حياة وسلوك الافراد والجماعات، كما انها تطبع صفاتهم وأخلاقهم وسلوكهم بطابع معين يرتضيه الاسلام ويرضى عنه المسلمون، والعبادة في مجملها هي الطاعة والانقياد التام لأوامر الله سبحانه وتعالى، والانتهاء عن نواهيه والوقوف وبحزم وعزم عند حدوده وقيوده، وقبول جميع ما ورد عنه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم دون رد شيء من ذلك او الحاد فيه، واخذ القرآن كاملاً وبقوة، ولب العبودية الصادقة الحب في الله والبغض في الله مع التواصي بالحق والتواصي بالصبر هكذا عرفها علماء المسلمين، يقول احد المفسرين المجيدين ما ملخصه:
بالعبادة الحقة يحقق العابد شخصيته المتكاملة ويجد ذاته ويدرك شخصيته الأصيلة ويبتعد عن جميع المؤثرات الوبيلة والدخيلة والهزيلة انه يحفظ كرامته وآدميته، ويصون انسانيته الكريمة، انه متميز بين اقرانه وخلانه بالاستقامة في سره وسيره وسيرته وسريرته وسلامة فكره ورجاحة عقله ونضج تفكيره ونفاذ بصيرته يبتعد عن كل المؤثرات التي تظهره بعدم التوازن والتناسق او بمظهر الازدواجية كما انها توجب على المسلمين الا يفرطوافي نصيبهم من الحياة الدنيا، يتمكن من اداء رسالته في الحياة، ومع ذلك فلا يسلك في جمع المال (الذي هو مختبر الرجال) لا يسلك في جمعه طرقاً عن شريفة ولا نظيفة طرقاً غير مشروعة او ممنوعة كما انها تحقق التكافؤ الاجتماعي الصحيح ويرتفع صاحبها عن الضعف النفسي، وما اكثره في دنيا الناس وبخاصة في اعقاب الزمن، وهذا الضعف النفسي المشين يؤدي غالباً الى سقوط الضمائر كما انها اي العبادة الصادقة توجب رعاية الامانة وحفظها مع اجتناب كبائر الاثم والفواحش كما انها تحقق لاصحابها الأمن في الحياة وبعد الممات.
اما حقيقة وجوهر العبادة فهو توجه شامل وكامل وحركة دائمة ومتجددة بلا توقف، تعلن تماما عن نفسها في صورة عمل ونشاط وانضباط واهتمام وانتظام، انها عبادة صادقة نقية، تستغرق نشاط المسلم في وجدانه وحنانه، في خواطر نفسه وخلجات قلبه، واشواق روحه، وميول فطرته، وحركات جسمه، وبهذه الاشواق وبهذا الاستغراق والإشراق يتحقق معنى الخلافة في الأرض, قال تعالى (هو انشأكم من الارض واستعمركم فيها)، فالخلافة في الارض هي عمل هذا الكائن الانساني، وهي تستلزم الواناً من النشاط الحيوي المنظم لعمارة الارض والسعي في مناكبها والتعرف على مكنوناتها ومخزونها وتحقيق منهج الله في الاستفادة منها لتنهض الحياة على منوالها وبسببها كما تقتضي الخلافة القيام على شريعة الله في الارض لتحقيق المنهج السليم القويم الذي يتماشى ويتناسق مع النظام الكوني العام وبهذا يتجلى بوضوح تام ان معنى العبادة اشمل واكمل واوسع من مجرد الشعائر التعبدية الظاهرة التي كلف بها البشر وان وظيفة الخلافة الحقة لهذا الانسان داخله تماماً هي مدلول العبادة الكاملة والعبادة كما هو معروف لغة مأخوذة من الذل والخضوع والانقياد يقال طريق معبد اي مذلل، وفي الشرع العبادة هي كل ما يجمع كمال المحبة والذل والخوف والعبادة في عرف الاسلام تؤكد اقرار العابد اقراراً كاملاً وشاملاً بقلبه وجوارحه وخضوعه خضوعاً مطلقاً لله رب العالمين يطغى ويسيطر على كل خضوع خضوع للخالق وراء كل وجود زائل, ولأن اصل العبادة هو الانقياد والامتثال لكل اوامر الله بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى وكذلك فان اداء الفرد وقيامه الفعلي بتنفيذ هذا الانقياد والامتثال يعرف بانه حيقة العبادة نجد ان بين الحقيقة والاصل تكون مهمة الانسان التي يقول عنها الحق سبحانه (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون) ففي هذه الآية الكريمة تتحد بوضوح تام الغاية الكبيرة والكريمة، من خلق الانسان وغيره، الا وهي العبادة بكل معانيها ومبانيها الخاصة والعامة العبادة الحية العبادة النقية العبادة المؤثرة الموحية المبهجة الخالصة لله عز وجل، وعبادتهم هي امتثال لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة وبهذا يتضح بجلاء بأن حقيقة العبادة تتمثل في امرين هامين:
اولهما: هو استقرار معنى العبودية لله في النفس اي استقرار الشعور ان هناك رباً وعبداً عبداً,, يعبُد ورباً يعبَد.
وثانيهما التوجه الصادق الحازم العازم الى الله وحده دون سواه بكل حركة في الضمير وكل حركة في الجوارح.
الاثر التربوي الهام لهذه العبودية هو ضرورة عودة الانسان الذي خلقه الله للقوة العليا التي تهيمن على هذا العالم واذا لم يدرك الانسان هذه الحقيقة في الدنيا بحيث يتمثل امر الله ويتمثل للأوامر الالهية فانه سيؤخذ على حين غفلة وعلى غرة في لحظة اجله المحدودة ازلاً، ويتوفاه ملك الموت الذي وكل به،ويأتي يوم القيامة محشوراً جاثياً قال تعالى (فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثياً) وقال تعالى (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً) ان الاثر التربوي للعبادة العامة لدى المدققين كبير وكثير ومتعدد ومسعد وهو يتناول ايضاً البحث في هذا العالم الفسيح عن اسرار هذا الكون الرحيب والاستفادة من مكنونه ومخزونه في مجال البحث العلمي واذا استفاد الانسان من هذا البحث فالنتيجة الفطرية والتجريبية تؤدي الى الايمان التام اذ هي تربية صادقة تدعو الى الايمان واليقين.
نتائج العبادة تربويا:
يمثل الجانب التربوي في العبادة اكبر نصيب فهو يُحل الأدب والخلق والفضل والنبل والشهامة والكرم والطاعة في قلب كل مسلم، ان فرائض الاسلام ومثله العظيمة ومبانيه ومراميه الكريمة تفي تماماً بكل الحاجات والرغبات وتلبي كل المطالب وتفي وتشفي الكثير من العلل النفسية والجسمية (وما اكثرها) في دنيا الناس خاصة في مثل هذا العجز المليء بالملهيات والمغريات والشبه والشكوك والأراجيف والقيل والقال من اشباه الرجال اقول ان نظم الاسلام وتعاليمه العظام تشفي تماماً من العلل النفسية والجسمية والاجتماعية والاسرية والبيئية والفردية، وتصحح وتربح وتريح كل المسارات والاتجاهات وبعد ذلك تدعو ضمن امور كثيرة الى الوحدة والنجدة والجماعة والاتلاف وتحذر من الانقسام والفرقة والاختلاف وهي اساس هام وكبير لوحدة الشعور والمشاعر والاتجاهات والمفاهيم والقيم والنظم ووحدة القيم وتؤصل وتعمق قواعد السلوك والاخلاق ومما سبق ندرك ان العبادة في الاسلام بوجه عام تؤدي مباشرة الى نتيجتين هامتين:
أولاهما ان الاتجاه الى تربية الوجدان الديني الذي يجعل المسلم الحق متعاوناً مؤتلفاً مع غيره ليتكون من هذا الاتجاه والائتلاف مع غيره والتجمع الخيري الرشيد مجتمع انساني متواد اسلامياً لا مادياً ولا مظهرياً فارغاً يتحابون بالالسن ويتباغضون بالقلوب كما هو صنيع التربية المادية الفارغة من روح الاسلام، ان مجتمع الاسلام الذي هو بعد الله من صنع التربية الاسلامية العالية مجتمع تظلله راية الاسلام وتجمع افراده روحه السمحة ومعطياته الخيرة وتوجيهاته وتوجهاته السديدة والفريدة والرشيدة المفعمة بالخير والعطاء والنماء والرخاء.
ثانيهما: ان غاية العبادات في التربية الاسلامية الكريمة ليست مجرد مظاهر شكلية نعرف ذلك من القرآن ومن نهج الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام حيث العبادات الكاملة تتجه اساساً الى النفع الانساني العام الشامل كما تسعى الى ايجاد مجتمع فاضل كحال السلف من هذه الأمة خريجي المدرسة الاولى المحمدية مجتمع غير متباغض ولا متدابر ولا متنازع وهذا هوسر العظمة والتألق فيه وفي رجاله وأفعاله.
والتربوي الحق والمحق يغرس ويكرس ويعمق هذا المفهوم التربوي العظيم في نفوس تلاميذه ويبين وبجلاء تام الأثر التربوي العظيم لهذه العبادات في شريعة الاسلام ويجيد الربط والحديث عن هذا الأثر في حياة الناس واختلافهم بسببه بعد الممات كما يوضح لطلابه ان العبادات في جوهرها صمامات امان لهذا المخلوق على ظهر هذه الارض ووعي دائم وفكر مستمر وصلة وثيقة وعميقة الجذور وبنيان قوي الاركان والجدران، وبهذا يصبح المسلم بتربيته القرآنية بعبادته الحقة ربانياً منطقياً مثالياً واقعياً داعياً مراعياً مدركاً فطناً وهذا هو الفارق الكبير بين التربية الاسلامية والتربية الوثنية كما ان هذا هو الفارق الكبير بين مدرسة القرآن وبين النظم والقواعد والأعراف الارضية التي قد ينادي بها المهزومون والبلهاء احياناً من بعض المسلمين فنجد عند المسلم انضباطاً وسلوكاً محدداً بشرع الله في البر والبحر وفي اي زمان او مكان كان في حين اننا نرى النقيض من ذلك في غير التربية الاسلامية نرى امماً تدعي التقدم والتحضر نراها ترعى قوانين بلادها بحكم التعلم او الورثة (وهذه هي التربية الوثنية او الهمجية) فاذا خرجوا من بلادهم تنكروا لذلك كله وتحولوا وحوشاً ضارية وكلاباً مسعورة وسباعاً مفترسة انها النظرة الوثنية الضيقة والتربية الوبيلة الهزيلة.
د, عبد الحليم بن إبراهيم العبد اللطيفمة

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
الركن الخامس
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved