الشيوعية التي فتنت الناس قبل مائة عام، ورفعت شعارات تحرير العامل، وطرد الفقر ومساواة الناس، انهدت اليوم اركانها، وهوت عروشها، وسقطت شعاراتها بعد فترة تطبيق استمرت قرنا كاملا!.
والبلاد التي دانت للشيوعية، وطبقت نظرياتها بقوة الحكم ورهبة السلاح هي اليوم افقر الدول واكثرها تخلفا حضرياً ومدنياً، واشدها تصدعا اجتماعياً وسياسياً! والقومية التي رفعت سيادة العرق، وتعصبت للدم واتخذته سبيلاً انهارت سيادتها، وانتكست اعلامها وهزمت على شتى اصعدة الواقع، واصبح العالم الذي تقارب اعلامياً واقتصادياً وسياسياً يرفض فكرة القومية ويتحد على مستوى القارات، وينادي بالعولمة وسيادة المنظمات العالمية!.
لقد بحثت الشيوعية عن الغنى وتعميم الثروة، فأصيبت بالفقر، وبحثت القومية عن العزة بسيادة العرق فأصيبت بالذلة والتأخر!.
ويظل الاسلام اليوم بكل تألقه، هو سبيل الله في الارض له السيادة والدوام والبقاء والرفعة، ويظل كتاب الله بيننا محذراً من السبل الأخرى، قال تعالى: وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين (1) وقال تعالى: وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون (2) وقال تعالى: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين (3) وأعظم شيء في الاسلام انه حرر الانسان من عبادة الناس الى عبادة رب العباد هذه الصفة في الاسلام هي الميزة العظمى فيه، ذلك لان هذه الحرية الكبرى التي منحها الاسلام للانسان هي التي جعلته متحرراً من سيطرة طواغيت الأرض، متحرراً من سيطرة شهواته وغرائزه واهوائه، ووصلته مباشرة بالخالق العظيم المستحق للعبودية والطاعة!.
لقد منح الاسلام الانسان كامل حقوقه وهداه الى افضل الطرق واصح الصيغ، وأصوب المناهج، ودعاه الى كرامة الدنيا وثواب الآخرة، ووصل سعادته في الدنيا بسعادته في الآخرة: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (4) .
ولمناهج الاسلام العظيم وثقافته وفكره ودعوته تأثير على دول العالم غير المسلمة في حاضرنا المعاصر حتى وان كابرت وجحدت الاسلام، وهذا التأثير بدأ منذ الف واربعمائة عام ولا يشك منصف ان للفكر الاسلامي تأثير على هذه الدول، لقد قبست من هذا النهر العظيم والتراث الخالد ما حقق انسانيتها وصحح مناهجها وصوب خططها في قوانينها ونظمها ونظرتها للانسان حتى وان جحدته دينا ورفضته معتقدا، إلا أنك ترى ان كثيرا من أصعدة الإنسانية التي نجحت فيها هي صيغ ومبادىء اسلامية نادى وبشر بها الاسلام في مكة المكرمة والمدينة المنورة منذ بزوغ الهلال الاسلامي الأول!.
لقد جرب الانسان سبلاً شتى وطرقا مختلفة ومذاهب متنوعة لكنه اليوم لا حَيدة له عن الاسلام، ان الاسلام اليوم يسود في الارض ناشراً قيم الخير والسلام والعدل والمحبة والاخوة والمساواة، انه يُعلن عن نفسه في كل موقع، ويُقاوم في كل مكان، ويعرض منهجه في كل صراع فكري مستعر!.
الاسلام اليوم يقف مضاداً لكل الأهواء والسبل الارضية، وكما سقطت أمامه الأهواء القديمة ستسقط في مواجهته - بإذن الله - الاهواء المستحدثة وليست المعارك الحربية التي خاضها الاسلام مدافعاً عن منهجه في الأرض، هي وحدها المعارك التي نفخر بها اليوم، بل ان تلك المعارك الفكرية التي صارع فيها الاسلام افكار اهل الأهواء فصرعها هي ايضا مدعاة عزنا وفخرنا طيلة تاريخنا، لأنها بفضل الله ومنته وكرمه، أبقت الاسلام زاهياً نقياً صافياً يقدم اليوم منهجه بكل شموخ واقتدار.
وللاسلام اليوم دعاة في الأرض نذروا انفسهم لله واخلصوا عملهم في سبيله، لا يريدون الأجر إلا منه سبحانه ولا يبتغون من احد ثناء ولاجزاء ولا شكورا، انهم جند الاسلام وحملته في صراعه الفكري أمام الآخرين: ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز (5) .
عبد الكريم بن صالح الطويان
(1) النحل: 9.
(2) الأنعام 153.
(3) يوسف: 108.
(4) البقرة 201.
(5) الحج 40.