Thursday 25th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 8 ذو الحجة


قضية للنقاش
الجرائم الإقليمية بدعم دولي
رضا محمد لاري

توصل العالم الى قرار يقضي بمحاكمة سلوبودان ميلوسيفيتش وعصابته في الحكم من بلجراد عن الجرائم التي ارتكبها الجند الصربيون في البوسنة والهرسك وتدخل في نطاق جرائم الحرب بانتهاكها لحقوق الانسان بقتل الرجال وذبح الاولاد واستحياء النساء.
وبدأت المطاردة الدولية لهؤلاء المجرمين في الحرب لالقاء القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة امام قضاة دوليين على غرار محكمة نورمنبرج التي حاكمت مجرمي الحرب النازيين بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها.
حال دون كل ذلك دور المهرج الذي لعبته واشنطون على مسرح السيرك الدولي والتشبيه دقيق لأن المهرجين يتقنون القيام بكل الادوار الخطيرة في السيرك ويقدمونها بأسلوب مضحك يسعد الاطفال من المشاهدين وشر البلاء ما يضحك خصوصاً بعد ان تحولت كل دول العالم الى اطفال تضحك عليهم امريكا بحركاتها البهلوانية بهدف تعديل الارادة الدولية.
استطاعت امريكا تقديم الحماية للرئيس الصربي وعصابته في بلجراد لتحميهم من الارادة الدولية وترفع عنهم العذاب بحجب الحكم القضائي الصادر ضدهم غيابياً الذي يجرمهم بالقتل الجماعي للانسان بدون مبرر، ويقضي بنزع الحكم منهم وتنفيذ الاحكام الصادرة ضدهم.
نحن هنا نجرم امريكا لتسترها على المجرمين المطلوبين من العدالة الدولية لأن كل القوانين التي تحكم الارض سواء كانت منزلة من السماء من عند الله على انبيائه ورسله وسواء كانت موضوعة من قبل البشر الذين يعمرون الأرض تجرم من يتستر على المجرمين المطلوب مثولهم امام العدالة لمحاسبتهم بصورة عادلة عن الجرائم التي ارتكبوها.
التستر الامريكي على المجرمين الدوليين يضاعف عليها الجرم بمؤازرتها للمجرم ومخالفتها للارادة الدولية وتعطيلها لأحكام القانون الدولي العام في الوقت الذي تدعي فيه انها المسؤولة عن تنفيذ تلك الاحكام القانونية الدولية العامة مما يجعلنا امام صورة دولية ينطبق عليها القول المشهور حاميها حراميها .
سرقة امريكا لحقوق الشعوب من موقعها بحمايتها جعل المجرمين الدوليين يواصلون جرائمهم ضد الشعوب وحقوقها العادلة والثابتة، وهذا يفسر لنا مواصلة رئيس الوزارة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو لجرائمه ضد الشعب الفلسطيني وسرقته للمياه المخصصة للاردن من بحيرة طبريا احد روافد نهر الاردن على الرغم من معاهدة السلام المبرمة في واشنطن بين عمان وتل ابيب التي تنظم حصص المياه للدولتين.
ويفسر لنا من ناحية اخرى مواصلة الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش لجرائمه بتكرار ما فعله في البوسنة والهرسك من عدوان داخل اقليم كوسوفا التابع لبلجراد وغير المنتمي اليها دون ان يعبأ بالارادة الدولية المطالبة بوقف القتال في كوسوفا ودون ان يخشى من تهديد قوات حلف شمال الاطلنطي بضربه في حالة عدم استجابته للارادة الدولية التشابه بين المجرمين الاسرائيلي بنيامين نتنياهو والصربي سلوبودان ميلوسيفيتش يأتي من تعاطف امريكا معهما الذي استندا اليه في كل ممارساتهما الاجرامية بداخل اقليمهما وتحديهما السافر للمجتمع الدولي بكل مؤسساته وهيئاته الأمنية على عينك يا تاجر والمجتمع الدولي عاجز عن مواجهة هذا التحدي الاسرائيلي والصربي للارادة الدولية لان امريكا تطلب من الاسرة الدولية ان ترفع يدها وتترك لها ايجاد الحلول الودية بين الاطراف المتصارعة في اقليمي الشرق الاوسط والبلقان.
هذه الحلول الودية التي ترفعها واشنطون هي امل ابليس في الجنة لأن المجرم الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يقول جئت الى السلطة لأفرض بالقوة الوطن القومي اليهودي فوق ارض الميعاد، وكل تفاوض يمس ذلك غير مقبول حتى لو ادى رفضنا له الى اشتعال الحرب في منطقة الشرق الاوسط، وهدد بحرق واشنطون عندما شعر منها موقفا مناقضاً لهذا التوجه الاسرائيلي الذي جسده رفض الرئيس الامريكي بل كلينتون استقباله في البيت الابيض اثناء احدى زيارته لواشنطون ونفذ تهديده بالحرق لواشنطن بفضيحة الفتاة اليهودية مونيكا لوينسكي فسارع البيت الابيض الى خطب وده ليطفىء الحريق الذي اشعله في واشنطن.
ولما كان الضد يثبت سوءه الضد مع الاعتذار لقصيدة اليتيمة عن هذا التصرف او التحريف لقولها الضد يثبت حسنه الضد نقول: ان العراق في احدى موجات انفعال المجرم صدام حسين اعلن عن قدرته في حرق نصف اسرائيل، اقامت امريكا الدنيا ولم تقعدها وزينت له بواسطة سفيرتها في بغداد ابريل جلاسبي غزو الكويت لتوقعه في شر اعماله، كل ذلك لتقضي على تلك القدرة العراقية في حرق نصف اسرائيل، ويقال: ان السفيرة ابريل جلاسبي لاقت حتفها في حادث سيارة لانها تعرف اكثر مما يجب وتثرثر عندما تعرف، هذا قول يتردد في الاوساط الدولية ولكن الله وحده أعلم بما حدث لها.
معنى ذلك ان امريكا تهتم بأمن اسرائيل اكثر من اهتمامها بأمن الوطن الامريكي لانها سمحت للمجرم بنيامين نتنياهو بحرق واشنطن دون ان تمس منه شعرة ومنعت المجرم صدام حسين من حرق اسرائيل وحولته الى دمية على المستوى الدولي بالرغم من تربعه على سدة السلطة والحكم في بغداد بصورة غير شرعية لرفض الشعب العراقي له، فأخذ يسحق المعارضة في الداخل ويلاحق المعارضة في الخارج لأن كلاهما يطالب بنزع الحكم منه.
وعلى الجانب الآخر يقول المجرم الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش لم انتخب لأحافظ على الأمور القائمة في الصرب على ما هي عليه ولن نقبل لصربيا ان تسير كالماء في نهر الدانوب لاننا نتطلع الى جعل صربيا كما نريد لا كما يريدون فإما ان تكون كما نريد او لا تكون على الاطلاق.
هذا البرنامج السياسي الذي وضعه سلوبودان ميلوسيفيتش جعل نهجه السياسي يقوم على البطش ويرتكز على القتل تحت مظلة سياسة المذابح التي لطخت يديه بالدماء المسلمة في البوسنة والهرسك بالامس وفي كوسوفا اليوم بمباركة امريكية تستند الى سياسة النفس الطويل وعدم مبالاة اسلامية لغجر الدول الاسلامية عن اتخاذ المواقف المضادة للعدوان الصربي على المسلمين وانشغال عربي بمشاكله الاقليمية ادخلته في حالة من الصمت تشبه صمت اهل القبور.
كل ذلك جعل سلوبودان ميلوسيفيتش يسعى في الارض فساداً دون ان يستطيع احد قمع سياسته العدوانية على المسلمين وواصل المجتمع الدولي عقد الاجتماعات واتخاذ القرارات والتهديد بالضرب بواسطة قوات حلف شمال الاطلنطي ولكن دون ان تتخذ سبلاً لتنفيذ القرارات أو مسلكاً عسكرياً لتنفيذ التهديدات وظلت الاوضاع على ما هي عليه من عدوان مستمر ضد كوسوفا رغم انف العالم اجمع بما في ذلك الولايات المتحدة الامريكية التي اخذت تؤجل الدور العسكري لحلف الناتو وتواصل ارسال مبعوثها السلمي الى بلجراد ريتشارد هولبروك ليستجدي من سلوبودان ميلوسيفيتش سماحه بنشر قوات الناتوفي اقليم كوسوفو غير ان الرئيس الصربي المجرم واصل رفضه لهذه القوات العسكرية بعناد واضح وتكبر ظاهر بصورة فرضت اليأس من الوصول الى حل سلمي بين بلجراد وكوسوفا وتحتم اللجوء الى السلاح لقمع التسلط الصربي على الانسان في كوسوفا، لكن امريكا تواصل سياسة النفس الطويل في معالجة هذه المشكلة بايعاز من مبعوثها ريتشارد هولبروك.
ليس من الصدفة ان مبعوث امريكا الى بلجراد ريتشارد هولبروك ينحدر من اصول صربية يجري دماء امه الصربية في عروقه، كما انه ليس من الصدفة ايضا ان يكون مبعوث امريكا الى الشرق الاوسط دنيس روس ينحدر من اصول يهودية ومعنى ذلك ان امريكا تتعمد حل مشكلة صربية مع كوسوفا بواسطة رجل ينتمي بعرقه الى الصرب كتعمدها في حل مشكلة اسرائيل مع العرب بواسطة رجل ينتمي بحكم عقيدته الدينية الى اسرائيل.
تفسر امريكا هذا المسلك السياسي الغريب في حل المشاكل الدولية بواسطة رجال امريكيين ينتمون بأصولهم الى احد الاطراف المتصارعة بقولها ان المواطنة الامريكية توجب الصلة العرقية والعقيدة الدينية بدليل تمتع المواطن الامريكي بالحقوق الواحدة وتحمل اعباء الواجبات المتساوية بغض النظر عن اصوله العرقية او عقيدته الدينية.
يصدق هذا القول في داخل امريكا لأن علمانية الدولة تساوي بين المواطنين على اختلاف اصولهم وعقيدتهم، ولكنه لا يصدق على الاطلاق في اختيار الوسطاء بين الاطراف المتصارعة في الاقاليم الدولية المختلفة لأن الاصل العرقي والعقيدة الدينية تجعل الوسيط الامريكي خارج مظلة وطنه يميل الى مؤازرة المنتمين الى اصوله العرقية والمرتبطين بعقيدته الدينية، وهذا ما نشاهده بوضوح في الشرق الاوسط من خلال وساطة اليهودي دنيس روس وما هو قائم في البلقان من خلال الوسيط نصف الصربي ريتشارد هولبروك لأنه لا يستقيم منطقيا ان يكون الخصم والحكم شخص واحد، وفي تاريخنا الادبي ما يؤكد انعدام العدل في الحكم اذا كان الخصم هو الحكم فبيت الشعر لأبي الطيب المتنبي يقول
يا أعدل الناس الا في معاملتي
فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
كل هذه التصرفات الامريكية بالحسابات السياسية الخاطئة مكنت المجرمين بنيامين نتنياهو في الشرق الاوسط وسلوبودان ميلوسيفيتش من مواصلة عدوانهما على الحق والعدل دون ادنى مبالاة للارادة الدولية المعطلة بالموقف الامريكي المتفق مع هذه الارادة الدولية على الورق والمعارض لها في ميادين التنفيذ العملي.
يجب أن نفهم بدقة ان دعم واشنطون لتل ابيب وبلجراد مرتبط بالمصلحة المتبادلة بين كل منهما مع امريكا لأن المصالح في كل زمان وفي كل مكان بالامس واليوم وفي الغد تحكم مسارات العلاقات الدولية.
لا سبيل لتبديل الموقف الامريكي من اسرائيل والصرب إلا من خلال لعبة المصالح مع واشنطون التي تربط الصرب مع امريكا وتربط امريكا مع كوسوفا وهي قضية صعبة للغاية لأن العرب لا يحسنون لعبة المصالح ولا يعرفون قواعدها، ولان كوسوفا في مراحل صراعها العسكري الدائر اليوم لا تتمكن من القيام بدورها في لعبة المصالح مع امريكا خصوصاً وان خضوعها للتبعية الشيوعية لسنوات طويلة قد اعاقها عن معرفة اصول لعبة المصالح في العلاقات الدولية.
غير ان هذا الجهل العربي بأصول لعبة المصالح والاعاقة الخاضعة لها كوسوفا التي تحول دون قيامها بلعبة المصالح لا ينفي ان المصالح تمثل الطريق الصحيح في العلاقات الدولية لأن العالم لا يعرف العواطف ولا يتعامل بالاخلاق ولا يلتزم بالحق ولا يسعى الى العدل الا اذا ربطنا مصالحه الحيوية بحقوقنا المشروعة والعادلة لأن المصالح هي اللغة الوحيدة المفهومة في العلاقات الدولية.
دعونا نبحث عن سبل تربط مصالح العالم بنا حتى يستطيع العالم فهم اللغة التي نحدثه بها فيعمل من مواطن هذا الفهم لمصالحه على خدمة مصالحنا لنحصل على حقوقنا بالكامل مقابل ضماننا لمصالحهم عندنا بصورة ثابتة ومتجددة.
المسألة بكل صراحة تقوم على مبدأ خذ وهات فاذا لم نستطع ان نعطي فلن نتمكن من ان نحصل بل سيستمر سلب حقوقنا كعرب في الشرق الاوسط وكمسلمين في كوسوفا في البلقان فلنسرع في مخاطبة العالم بلغة المصالح المفهومة في كل زمان ومكان.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
الركن الخامس
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved