بعد ان وحّد الملك عبدالعزيز ارجاء دولته الفتية ادرك بخبرته السياسية وسريرته الطيبة وحرصه على لم شمل العرب والمسلمين وايضاً كون دولته ليست بمعزل عن العالم الخارجي سواء جيرانه وهم الاهم او العالم الآخر.
وكان ذلك الادراك منبعثاً من معرفته الاكيدة بالدول الاستعمارية وحرصها على مصالحها، ورغبتها في بقاء سيطرتها على كثير من مقدرات الشعوب العربية والاسلامية، يؤكد ذلك قوله يرحمه الله (لقد تفشى الجهل وساد التخاذل بين المسلمين، فوصلنا الى ماوصلنا اليه من الحالة الراهنة التي تعرفونها، ولم يبق من الدين الا اسمه وتفرقنا ايدي سبأ وأصبح المسلمون فرقاً وشيعاً، اما اولئك الذين يطبلون ويزمرون لحضارة الغرب ومدنيته، ويريدون منا ان ننزل عندها فنتمثلها في بلادنا وبين اقدامنا فإننا نسوق اليهم الحديث بتوجيه انظارهم الى هذه الازمة الخانقة، وإلى هذا التبلبل السياسي، والى هذه الفوضى، الاجتماعية السائدة في تلك البلاد، فإن نظرة واحدة لمن يتدبر في هذه الاوضاع السائدة في هذه الايام تجعله يلمس فساد تلك النظريات المتسلطة على عقول السذج من المسلمين والعرب).
اما حبه يرحمه الله لوحدة العرب والمسلمين فهو ما اكده في اكثر من لقاء إن احب الامور الينا ان يجمع الله كلمة المسلمين فيؤلف بين قلوبهم، ثم بعد ذلك ان يجمع كلمة العرب فيوحد غاياتهم ومقاصدهم ليسيروا في طريق واحد يوردهم موارد الخير,, .
لذلك فقد صمم على جمع كلمة القادة العرب والمسلمين للتصدي لأي محاولة استعمارية استمرارية في المنطقة العربية, وبما ان بعض جيرانه كانت علاقته بهم سيئة فقد حرص على تصفية الاجواء، لتحسينها كمقدمات لما ينشده من توحيد الصفوف، وكان اول جار من جيرانه حرص على كسبه الى ما يتطلع اليه هو الملك فيصل بن الحسين بن علي ملك العراق، وقد علم ان نفس تلك الرغبة تدور في ذهن الملك فيصل, لذا فقد ارسل الملك عبدالعزيز في 28شعبان 1348ه وكيل وزارة الخارجية السعودي الى بغداد واجتمع مع الملك فيصل وحكومته العراقية، ثم ارسلت الحكومة العراقية في 10 رمضان 1348ه وفداً برئاسة وزير داخليتها الذي التقى بالوفد السعودي، ووضع الوفدان الأسس والاهداف التي سيجتمع العاهلان لمناقشتها، وتم الاتفاق على اللقاء التاريخي بخليج البصرة على ظهر الدارعة (لوين) في مياه محايدة.
وفعلاً وصل العاهلان الى الدارعة المذكورة في 23 رمضان 1348ه، فكان لقاء اخوياً حاراً, ليرسم هذا اللقاء اللبنة الاولى في سبيل وحدة اهداف زعماء الامتين العربية والإسلامية ويكون فاتحة للقاءات اخرى بين الزعيمين والزعماء العرب الآخرين لمافيه مصلحة الجميع حكاماً وشعوباً,لقد انجب ذلك اللقاء عقد معاهدة صداقة وحسن جوار بين الحكومتين الجارتين بعد مفاوضات ومداولات بين وفدي الدولتين، وقد وقعت المعاهدة في 20 ذي القعدة 1349ه.
وقد تبادل العاهلان برقيتي ود ومحبة تعبران عن مدى ماوصلت إلية الثقة بين الطرفين من حد، حيث بدأ الملك فيصل برقيته التي قال فيها يسرني وأنا في طريق البصرة ان ارسل الى جلالتكم تحياتي القلبية الاخوية، وأتمنى ان تكونوا في راحة تامة، راجياً لجلالتكم عودة سعيدة وهناء تاماً , فرد عليه الملك عبدالعزيز رداً يحمل في طياته صدق الملك في علاقته وحبه ورغبته الاكيدة في استمرار العلاقات الودية اذ قال لقد كان لتحيات جلالتكم الصميمية وسؤالكم عن راحة اخيكم اثر عميق في قلبي، اشكر جلالتكم شكراً ودياً فائقاً على العواطف الاخوية التي اظهرتموها نحوي، ان اخلاقكم النبيلة وسجاياكم الملوكية التي اشتهرتهم بها جلالتكم جعلتني اشعر بوثوق في المستقبل، كما انها قوت اعتقادي السابق في جلالتكم، فأتمنى لكم دوام الرفاء .
وهكذا وضع الملك عبدالعزيز اللبنة الثانية بعد توحيد المملكة العربية السعودية لوحدة اهداف القادة والزعماء العرب لتوحيد الصفوف وزيادة فعالية الكلمة العربية في المحافل الدولية.
رحم الله الملك عبدالعزيز واضع اسس وحدة الصف العربي، الذي سار ابناؤه من بعده على نفس الخطى، وطوروها للافضل، حتى اصبحت مملكتنا الحبيبة في عهد قائدنا ورائد نهضتنا خادم الحرمين الشريفين يشار لها بالبنان في لعب المواقف المشرفة واتخاذ القرارات الحكيمة والمثمرة على المسارين الاقليمي والدولي، كما انها تشكل مركز ثقل سياسي واقتصادي وقبل ذلك ديني مع قيادة واعية متفهمة يهمها مصلحة شعوبها بعيدا عن المهاترات او المزايدات التي يسلكها آخرون.
د, صالح بن عون هاشم الغامدي*
*عضو الجمعية التاريخية السعودية .