Thursday 25th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 8 ذو الحجة


7 صفر 1365ه كان المؤسس وأهل مصر على موعد مع الحب والإخاء
المصريون فتحوا أبوابهم وقلوبهم وخرجوا كلهم حفاوة وترحاباً لاستقبال الملك عبد العزيز

* القاهرة - محمد عباس خلف
لم يغادر الملك المؤسس - رحمه الله - حدود مملكته في زيارات خارجية الا اربع مرات,, الاولى والثانية في فترة وجيزة الى دولة البحرين,, اما الثالثة والرابعة التي تعتبر في عرف التاريخ السياسي زيارات هامة كان لها اثرها في مجريات الاحداث آنذاك فقد كانت الى مصر.
وقبل بدء الزيارة الاولى,, اتصل الوزير المفوض الامريكي في جدة بوزير الخارجية السعودي بالنيابة (الشيخ يوسف ياسين) في احد ايام يناير 1945 - 1364ه وطلب منه رفع رسالة سرية الى الملك عبد العزيز بأن الرئيس الامريكي روزفلت يرغب في الاجتماع به في مياه الاسماعيلية عند عودته من مؤتمر يالطا.
واجاب الملك فوراً بالموافقة وقال: هذه مصلحة ننتهزها لمساعدة فلسطين وسورية ولبنان.
ووصل الملك الى قناة السويس ثم الى البحيرات المرة حيث كان الرئيس (روزفلت) ينتظره على سطح الطراد (كونيري).
وكان هذا اللقاء التاريخي قبيل ظهر الخميس 2 ربيع الأول 1364ه الموافق 15 فبراير 1145ه
وفي هذا اللقاء اوضح الملك عبد العزيز حق العرب في فلسطين، بإيجاز وحماسة واجابه الرئيس روزفلت بانه قد اقتنع بوجهة نظره وانه موافقه على ما ذكره.
وعاد الرئيس روزفلت ليقول امام الكونجرس الامريكي لقد وعيت عن مشكلة المسلمين ومشكلة اليهود في حديث دام خمس دقائق مع ابن سعود اكثر مما كنت استطيع معرفته بتبادل ثلاثين او اربعين رسالة .
وانتهى اللقاء التاريخي بين الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت، كان هناك موعد غير محدد المكان والزمان للقاء الملك والمستر تشرشل رئيس الوزارة البريطانية فبات الملك عبد العزيز ليلة الثاني من ربيع الأول 1364 الخامس عشر من فبراير 1945 في منطقة البحيرات المرة على الطراد, وفي ضحى الثالث من ربيع الاول تقرر ان يكون الاجتماع بالمستر تشرشل سراً في فندق الأوبرج بالفيوم.
وفي ضحى الاحد الخامس من ربيع الأول وصل تشرشل الى الفندق ومعه بعض رجاله فاستقبلهم الملك عبد العزيز وانفرد بتشرشل نحو ساعة وتناول الجميع طعام الغداء على مائدة الملك.
وفي صباح الاثنين 6 ربيع الاول 1364ه بدأت عودة الملك عبد العزيز الى المملكة، فمر موكب السيارات التي تقل الملك ومن كانوا معه بالأهرام والجيزة والفسطاط وميدان عابدين, وعندها بعث الملك عبد العزيز احد مستشاريه الى الملك فاروق يشكره ويودعه ويعده بزيارة خاصة.
أهمية الزيارة
لقد كانت هذه الزيارة الأولى لمصر من اهم الزيارات السياسية في تاريخ المملكة آنذاك,, ومن اهم الزيارات واللقاءات فيما يخص مصير القضية الفلسطينية,, فلقد كشف الملك عبد العزيز للرئيس روزفلت ولرئيس الوزراء البريطاني حقيقة ملكية العرب التاريخية لأرض فلسطين ولأن هذه الزيارة كانت محوطة بالحذر والسرية والكتمان سواء بالنسبة للرئيس الامريكي الذي كان يخاف من تسرب اخبار مكان وجوده او رئيس الوزراء البريطاني نظراً لأن الظروف السياسية الدولية آنذاك لم تكن على سلام تام,, فلقد كانت هي ايام نهاية الحرب العالمية الثانية.
لم يكتم الرئيس (روزفلت) اعجابه بالملك عبد العزيز حين تلاقيا - كما لم يكتم سروره لسنوح هذه الفرصة التي بث فيها صديقه ما في نفسه وقال الرئيس ان على رؤساء العالم ان يتحينوا الفرص ليتحدث بعضهم الى بعض ويتفاهموا ويتعاونوا على حل ما استعصى عليهم من امورهم .
لقد كانت الزيارة الأولى لمصر زيارة عمل سياسي محوطة بكثير من السرية والكتمان فقرر الملك عبد العزيز ان تكون له زيارة خاصة لمصر فكانت الزيارة الثانية.
استعدت مصر للقاء الملك عبد العزيز استعداداً منقطع النظير، وصلت الى ميناء جدة ثلاث سفن مصرية مزدانة بالاعلام والشارات، تحمل احداها بعثة شرف اوفدت لمرافقة الملك عبد العزيز في قدومه الى السويس.
ونزلت بعثة الشرف المصرية بجدة وصحبت الملك عبد العزيز الى يخت (المحروسة) الذي تحرك عصر الاثنين 7 صفر 1365/ 6 يناير 1946 وعند اقتراب اليخت الى (فنار زنوبيا) كانت في انتظاره زوارق البوليس المصري ومصلحة خفر السواحل التي احاطت به للحراسة وعلى مقربة من (بور توفيق) حلق فوق اليخت سرب من الطائرات سلاح الطيران المصري واطلقت مدفعية السويس 21 طلقة تحية للملك الكبير والضيف الكريم.
ولما رسا اليخت على ميناء بور توفيق ضحى الخميس صعد الملك فاروق ملك مصر لمعانقة الملك المؤسس والترحيب به وامتطى الملكان (القطار الخاص) في السويس الى القاهرة وفي محطة القاهرة كان كبار الدولة في الاستقبال - ومضى الركب الى (قصر عابدين) بيت المضيف ثم ركب الملكان الى قصر (الزعفران) المعد لاقامة الملك عبد العزيز ومن معه.
لقد كانت مصر كلها في سرور وبهجة وخرجت كلها في فرحة غير مسبوقة وفي كل مكان حل فيه الملك عبد العزيز وجد الحب يحيط به والفرحة العفوية الصادقة تتألق على وجوه المصريين في كل مكان.
تغطية الصحافة لهذه الزيارة التي استمرت اثني عشر يوما تؤكد ان الملك عبد العزيز قد لقي من الحفاوة والترحيب ما لم يحدث لملك او ضيف قبله او بعده.
مدة الزيارة ومدلولاتها
ان زيارة تستمر اثني عشر يوماً لدليل على حب كبير بين الملك عبد العزيز ومصر، ولقد تنقل الملك عبد العزيز في كثير من ربوع مصر فزار الجامعة المصرية وسباق الخيل والقناطر الخيرية والبرلمان والمتحف الزراعي وحديقة الحيوانات ومصانع الغزل والنسيج ومزرعة انشاص ومعالم الاسكندرية وبات في قصر (رأس التين) واختتم الزيارة بمأدبة غداء في قصر عابدين.
يقول الزركلي: امضى الملك عبد العزيز اثنى عشر يوماً في وادي النيل وما رئي وجهه يطفح بالبشر كما كان في أيامه هذه في مصر.
زار وادي النيل وفي الوادي احزاب فتلقاه شعبها حزباً واحداً وكانت الاقلام على اشد ما تكون اعتراكاً في صحافة مصر فلما حل بها الملك عبد العزيز تهادنت على غير موعد وتناست كل حديث الا ما يسر الضيف وكان الملك عبد العزيز يجلس للمسلّمين عليه مجلساً عاماً في قصر الزعفران.
وكان الاستاذ عباس محمود العقاد من اعضاء وفد الشرف الذي حضر من مصر الى الحجاز لمرافقة الملك عبد العزيز في زيارته هذه لمصر فسجل الكثير من انطباعاته عما رآه بنفسه في الملك المؤسس من فضائل وصفات,, ولقد وصف العقاد الكثير من صفات وسلوكيات الملك عبد العزيز وصفاً دقيقاً كاملاً، ومما تحدث عنه العقاد النظام الغذائي البسيط للملك عبد العزيز، يقول الاستاذ عباس العقاد فيما نشرته مجلة المصور 1369ه ان الملك عبد العزيز لا يميل الى الاكثار من الوان الطعام ولا يحب الدسم ولا الحلوى ويقصر غذاءه في معظم الوجبات على الأرز واللحم غير الناضج كل النضح ويحب من الخضر (البامية) على الخصوص ولكنه يكتفي منها بمرقها وقلما يصيب من حباتها وقد يشرب قليلاً من الماء على الطعام يحمله خادمه الأمين (مرجان) في كوب طويل ويقف به وراء جلالته ما دام على المائدة فيناول الكوب من يختصهم من ضيوفه بالحفاوة والاكرام.
اخبرنا جلالته انه منذ عشر سنين لم يشرب من غير عين (الجعرانة) في الحجاز وعين (البديعة) في نجد وماؤهما صاف سائع المذاق يحتوي على بعض الخصائص المعدنية التي تساعده على الهضم وربما استغنى جلالته عن شرب الماء بشرب اللبن المخيض بعد الغداء او بعد العشاء ويتناول منه جرعات ويأمر به لمن حوله من الضيوف وهو غذاء طيب الطعم مفيد للجسم.
كان الملك عبد العزيز يبكر بالافطار ويأمر بالغداء في الساعة الثانية عشرة ظهراً,, ولا يتأخر عشاؤه عن السادسة مساء.
الصحف المصرية تعكس أهمية الزيارة
لقد ازدانت صفحات الجرائد والمجلات المصرية على مدى طويل بالحديث عن مناقب الملك عبد العزيز ولقد فتحت زيارته المشهورة البارزة في مسيرة التاريخ المعاصر باباً واسعاً للحديث عن السمات الشخصية البارزة في الملك عبد العزيز.
كثير,, طويل,, متعدد الجوانب ما كتبته الصحافة المصرية في الملك عبد العزيز - مؤسس المملكة العربية السعودية الفتية فقد كتبت جريدة الاهرام القاهرية عن الملك عبد العزيز في 6 صفر 1365ه تقول: ,, وقد عرف بصدق العزيمة وقوة الشكيمة في مواقف الروع فكان قائداً شجاعاً ومحارباً موفقاً كما عرف بسعة الصدر وبعد النظر في مواطن السلم فكان ملكا مصلحاً وحاكماً عادلاً,, .
وقال الاستاذ ابراهيم عبده الصحافي المصري المعروف يصف الملك عبد العزيز (لقد كان عبد العزيز رجلاً جميلاً فيه جمال الرجولة المأثورة عن العرب الميامين وقال رأيت في الملك اجمل ما فيه,, رأيته انساناً بكل ما تنطوي عليه هذه الكلمة من معاني الانسانية التي قلما نجدها في الملوك والسلاطين ,, وقال الاستاذ عباس العقاد: (منذ سنوات كتبت عن عصر الزعماء في كتابي (هتلر في الميزان) فقلت: ان العصر الحاضر هو عصر الزعماء بين جميع عصور التاريخ شهدنا فيه آثار الزعامة القومية في كل امة وشهدنا زعماء كابن سعود يجمعون اكبر ما يجتمع في ابناء قومهم من الصفات فيفهم الناس ان ابن سعود اكبر العرب لأنه اكبر عربي في طبائع الأمة العربية كما نعرفها الآن .
وجريدة المصري اوسع الصحف انتشاراً في عهدها تسجل حدث استعادة الحكم ودخول حصن المصمك وتسميها معركة الاربع ساعات التي علت بعدها كلمة الحرية ورفرفت في الفضاء راية الوطن وعاد عبد الرحمن واسرته السعودية الى وطنه ويتعانق الأب والابن وينطلق الناس.
اما الاستاذ محمد ابو النجا فقد كتب في جريدة المصري عن الأمن الذي شاع في عهد الملك عبد العزيز وبخاصة بالنسبة للحجيج مقارناً هذا بما كان يسمعه وهو صغير عن اهوال رحلة الحج.
قال: ظل ابن سعود يحارب على جمله ثلاثين سنة ما عرف للراحة طعماً حتى بنى ملكه وثبت اركانه بحد سيفه، وقضى على الفتنة واشاع الأمن بين ربوع نجد والحجاز.
كنت اسمع وانا صغير أن المتوجه لحج بيت الله وروضة رسوله يعد اكفانه بين طيات زاده ويترك وصيته ويودع الأهل والاصحاب خشية عدم رجوعه اما اليوم فقد اصبح السفر لتأدية فريضة الحج رحلة ممتعة تحفها اسباب الطمأنينة والأمان.
زيارة الملك عبد العزيز الاولى لمصر فتحت القلوب بالحب وزيارته الثانية الممتدة لقرب نصف شهر ملأت القلوب بحبه وغمرت العقول اعجابا به واقتناعاً بشجاعته وحركت الاقلام تسجيلاً لمآثره.
انها فترة خالدة لمصر - وصفحات مزدانة في صحافة مصر,, وشرف كبير لا تزال آثاره باقية في قلوب ونفوس كل أهل مصر للملك المؤسس الملك عبد العزيز طيب الله ثراه.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
الركن الخامس
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved