Wednesday 31th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الاربعاء 14 ذو الحجة


ظاهرة الغموض بين المواهب وأنصافها

لعله من المؤسف حقا ان تأخذ بعض القضايا الادبية صفة الاستمرارية في الخطاب النقدي دون ان نصل الى رؤية واضحة مشتركة لها، نحن لا ننكر ان الاختلاف احيانا حول ظاهرة معينة يكون بمثابة الحافز الخلاق للبحث والدراسة غير ان توحيد وجهات النظر النقدية يبدو مستحيلا في كثير من الاحيان خصوصا حين يكون الخلاف حول ظاهرة تتفاوت مستوياتها بين الدارسين والادباء وافضل مثال على ذلك ظاهرة الغموض في الشعر,, هذه الظاهرة التي لازالت مثارا للنقاش منذ زمن عبدالقادر الجرجاني وحتى يومنا هذا,, وربما كانت خطوة هذه الظاهرة اخطر في فترتنا هذه من ذي قبل ذلك ان الشعر التراثي لم يكن في هذا الغموض الذي يصل الى حد اللغز كما حدث في تجربتنا الشعرية المعاصرة.
ومنذ القديم قال الجرجاني (فانك تعلم على كل حال ان هذا الضرب من المعاني كاللؤلؤ في الصدف لا يبرز لك الا ان تشقه عنه).
والغموض كان دائما يلازم الشعر العظيم لكنه غموض خلاق ايحائي غير ملغز وغير مبهم, اذن من اين يأتي هذا الاختلاف حول هذه الظاهرة؟ ربما كان من الاهمية بمكان ان نميز بين قامات شعرية كبيرة (المواهب الحقيقية) وقامات شعرية صغيرة (انصاف المواهب) ليتبين لنا بعد ذلك ان المواهب خلاقة ومبدعة في استخدام ايجابيات الغموض ايحائيا بحيث لا تعبر في فعل الكتابة انتباها للغموض ولا تتعمده بل يتأتي من خصوصية اللحظة الشعرية وطبيعة حدسها وتشكلها في اللاشعور بينما نجد الغموض عند انصاف المواهب غموضا يصل احيانا الى حد اللغزوالابهام وهذا ما يعكس تدني مستوى الرؤية القاصرة في فهم الاشياء حول الذات وبذلك تفقد الصورة الشعرية مصداقيتها ويلاحظ ايضا ان هذا الغموض غالبا ما يكون فنتازيا عندهم بسبب اعتماد الشاعر التجريب المستمر بقصد التحديث والتجديد وبسبب لجوئه الى التجريد تقليدا للشعر المترجم, ان الشاعر الحق لايجد نفسه ضئيل الحجم امام الشعر المترجم ذلك انه يدرك عظمة تراثه وادبه وبالتالي هو فاعل فيه متفاعل معه وهو يدرك ايضا مدى صعوبة كتابة قصيدة واهمية فترات التأمل التي تسبق كتابتها لا كما يستسهل كتابتها بعض الشعراء.
ان من اهم الذين نظروا لظاهرة الغموض الشاعر ادونيس وهو كان يدافع حقيقة عن غموض لغته الشعرية وقد قصد بذلك تحويل فاعلية الكلمة الى قوة تغير وتأسيس مغاير للسائد، لكن هذه اللغة لم تؤد الا الى الحيرة والعجز والتراجع,, يظهر ذلك جلبا في ديوانه (مفرد بصيغة الجمع) حيث ادت لغته الى استخدام اشارات كالاسهم المتعاكسة,, واشارات الزائد + والناقص - واليساوي =, وبالتالي تفكك بنيان القصيدة وتحولت الى لغة حسابية يمكن ادخالها في برامج الكمبيوتر, في حين اخذ كل شاعر يخترع دواله الشعرية المبهمة ليقال عنه انه مجدد ومحدث.
والرأي القائل ان اعتماد الشاعر على ثقافته اكثر من اعتماده على تجاربه الشخصية المباشرة كان من اسباب هذا الغموض نتيجة لتفوق ثقافته على ثقافة المتلقي لا يبرر دائما فشل القصيدة الحديثة في الوصول الى المتلقي ذلك ان الثقافة لا تصنع الموهبة اذا كانت تثري الموهبة وتغنيها والقارىء لا يطلب من الشاعر ثقافة قد يحصل عليها من كتب اخرى كما يحصل عادة في القصائد التي يحشر فيها عدد لا بأس به من الاساطير فتضع القارىء امام امتحان صعب بل يطلب منه ان يرضي اذنه الحساسة للايقاع والنغم والكلمة الشاعرية الوجدانية ذلك ان الانسان العربي فياض الوجدان,, مترع بالأحاسيس والعواطف,, وكما أن الأذن تطرب للنغم كذلك الأمر يطرب الوجدان للعبارة الشعرية, وهنا اتذكر قول الشاعر رسول حمزاتوف: الاشعار العظيمة تكتب بالكلمات البسيطة, لذلك نحن نطرب لمحمود درويش دون ان نعي تماما ما يقصد حين يقول او حين يغني لان الشعر غناء بمعنى ما
قمر على بعلبك
ودم على بيروت
يا حلو من صبَّك
فرسا من الياقوت
ياليت لي قلبك??لاموت حين اموت
طالب هماش

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
الركن الخامس
عزيزتي
الرياضية
تحقيق
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved