لا يمكن لسلسلة وثائقية، تتناول ومضات من تاريخ الاعلام السعودي ومحطاته الرئيسية، ان تقترب من نهايتها، دون أن يكون لهذين الرائدين نصيب منها، فهما نجمان سطعا في سماء الطباعة والصحافة في المملكة مدة تزيد على نصف قرن، وكان لهما مع عبد القدوس الأنصاري فضل السبق في ظهور الصحافة السعودية في المدينة المنورة.
والواقع ان الذي يتصدى لتاريخ هؤلاء الرواد يحتار فيما يبدأ به، وما يكتب عنهم، وفيما يختار للتركيز عليه من سيرتهم، لأنهم في الغالب ذوو مواهب متعددة، وذوو بصمات على مجالات عديدة، وخصوصاً اذا كانوا من المنتمين الى عالم الفكر والأدب والثقافة والاعلام.
علي وعثمان حافظ، شقيقان شبه توأمين، لا يذكر أحدهما إلا ويقترن بالآخر، كانا رفيقي درب واحد وذوي اهتمام متقارب، لكن الشيخ علي - وهو الاكبر بعام واحد - هو الأقرب الى الأدب والشعر والتاريخ، أما الشيخ عثمان فكان الأكثر التصاقاً بالصحافة، وكان له دور كبير في توثيق تاريخها الذي سبق تكوين المؤسسات الصحفية.
كان يمتلك مطبعة صغيرة لطباعة الكروت والأوراق التجارية، ثم قام بجلب مطبعة المدينة من مصر بمفرده، وحصل على امتياز جريدة المدينة المنورة باسمه، لكنهما اشتركا في بقية مشوارهما الصحفي والثقافي والاجتماعي معاً، يستخدمان مكتباً واحداً وخزنة نقود واحدة، وسكنا في البداية في منزل واحد، ولهما صداقات مشتركة ورغبات متقاربة.
اشتركا في سنة 1365ه في بناء مدرسة الصحراء الخيرية لأبناء البادية في بلدة (المسيجيد) قرب المدينة المنورة، وكانا يقدمان معونة مالية تشجع الطلاب على الالتحاق بها والاستمرار فيها، حتى كبرت وضاقت، فأمر الملك عبد العزيز رحمه الله بدعمها، ثم تسلمتها الدولة سنة 1381ه بعد ستة عشر عاماً من اشراف آل حافظ عليها، وقد خرّجت جيلاً من الكفاءات والمسؤولين، ممن عمل في ارامكو وسكة الحديد بشكل خاص.
كانت قصة جلب المطبعة بحد ذاتها قصة شيقة، واجه عثمان حافظ بعصاميته صنوف الصعوبات في سبيلها، بدأت من إمكانات مالية شبه معدمة، حيث ضم الشقيقان ما كان لديهما من نقود، مع سلفة قدمها صديقهما الشيخ محمود شويل لشراء مطبعة كادت قبل أن تصل الى جدة أن تستقر في قاع البحر الأحمر (1355ه) ثم قام بتركيبها بنفسه، وكان مديرها وعامل الطبع والتحبير والقص والتغليف فيها، ثم بدأ بطبع أول أعداد مجلة المنهل التي أصدرها عبد القدوس الأنصاري قبل شهر واحد من صدور جريدة المدينة المنورة (ذو الحجة 1355ه).
أما قصة اصدار الجريدة، فإنها التاريخ الصحفي للشقيقين، وقد واجها في سبيل ظهورها في 26/1/1356ه صوراً أخرى من المعاناة، بدأت بظروف الطباعة، مروراً بظروف إيقافها لأسباب رقابية بأمر قلم المطبوعات سنة 1357ه ولمدة ستة أسابيع تقريباً ثم اضطرارها للتوقف ست سنوات خلال الحرب العالمية الثانية، (1360ه) وذلك بسبب نقص الورق.
وكان أمين مدني رحمه الله أول من تولى رئاسة تحريرها، حيث كان صاحبها في البدء ينأى بنفسه عن مباشرة مسؤولية التحرير، وقد قام الشيخ عثمان بتأليف كتابه عن تطور الصحافة في المملكة سنة 1396ه، وخصص الجزء الثاني منه لرواية قصة جلب المطبعة وصدور الجريدة والظروف التي مرت بها.
ولد الشقيقان تباعاً في عامي 1326ه و1327ه، ودرسا في المسجد النبوي الشريف، وعمل الأخ الأكبر - علي - في مالية المدينة المنورة، ثم المحكمة الشرعية وفرع وزارة الزراعة، واختير رئيساً لبلدية المدينة المنورة، أما السيد عثمان فقد اشتغل في التدريس وفي هيئة الأمر بالمعروف ثم معتمداً للمعارف في المدينة المنورة (1362ه) كما عمل في وزارة المالية، ثم عيّن مديراً لادارة الحج في المدينة المنورة ايضاً، وقد قام الأخوان في عام 1383ه بتأسيس شركة المدينة للطباعة والنشر بجدة بعد اشهر من نقل الجريدة من المدينة المنورة الى جدة في جمادى الآخرة 1382ه.
وانطلاقاً من اهتماماتهما الفكرية، أصدر علي حافظ كتاب (فصول من تاريخ المدينة المنورة) وكتاب (نفحات من طيبة) وكتاب (أضواء من تاريخ المدينة)، كما اصدر عثمان حافظ كتابه عن (تطور الصحافة السعودية) من جزأين، كما جمع مقالاته في كتاب (صور وأفكار) وكتاب (صور وذكريات).
وقد توفي الشيخ علي سنة 1407ه، بينما توفي الشيخ عثمان سنة 1413ه رحمهما الله رحمة واسعة.
(الحلقة القادمة:
إذاعة طامي التي عجّلت بافتتاح إذاعة الرياض).
عبد الرحمن الشبيلي