قصة قصيرة اود ان يشاركني عزيزي القارىء بالتندر باحداثها وشخوصها فقد امتلك رجل قطعة ارض تزيد مساحتها عن 400 متر مربع وقام ببناء منزل صغير يأويه مع زوجته وابنائه الثلاثة فكان كلما يكبر احد الابناء يقوم ببناء غرفة له وهكذا الى ان اصبح المنزل الصغير يضم اربع عائلات وبدأت الأمور تتنامى وكلما زاد عدد افراد اسره قاموا ببناء غرفة اضافية الى ان انتهى فناء المنزل الواسع ولم يمكن الآن بناء غرف علوية فالقواعد التي بنيت الغرف على اساسها لم تكن تأخذ في الاعتبار ان هناك احمالاً ستلقى عليها, وتأزمت امور الأسرة فأمر كبيرهم ببناء عدد من الخيام في المرفق الحكومي امام المنزل, وهذا المرفق مخصص لانشاء حديقة للحي,, وما هي الا عدة اشهر حتى جاءت فرقة من البلدية تأمر اصحاب المخيمات بضرورة ازالتها وباسرع وقت ممكن اذ ان البلدية ستقوم بتسليم الارض الى احدى الشركات لتنفيذ مشروع الحديقة.
واجتمعت الأسرة من جديد تنظر في امرها وكيف تتدبر شؤونها فكل افرادها شركاء في هذه الارض وكان القرار ان تزج بجميع الاسر خارج المدينة لمدة عام كامل وان يتم هدم هذه الغرف جميعا ليحل محلها بناية تتكون من ستة ادوار تسكن الاسر في ثلاثة منها وتقوم بتأجير الأدوار الاخرى والأسواق التجارية للاستفادة من الاموال في سداد اقساط البنك وتستفيد الاسر من المبلغ المتبقي وعلى مدار الزمن يمكن ان تجد الاجيال القادمة سكناً مناسباً حتى يمكن توفير مبالغ لشراء وحدات سكنية اخرى.
هذه القصة جزء من مآسي الدول النامية فهي عبارة مع اسر تقوم ببناء منشآت تتمشى مع ظروفها القائمة اما المستقبل فله الله, فالشارع الفسيح الذي يتسع لمئات السيارات سوف يضيق بما فيه بعد عشر سنوات وليس هناك مجال لانشاء انفاق تحت الارض للقطارات الا بعد هدم ما هو قائم الآن وهكذا تتكرر مآسي الدول النامية في شوارعها ومؤسساتها ومدارسها واحيائها السكنية.
العاصمة البريطانية تتسع الآن لملايين الانجليز وغيرهم من آسيويين وهنود وافارقة وعرب وقد تم حفر الانفاق تحت الارض منذ عشرات السنين على ايدي العمالة الهندية والافريقية هم رعايا بريطانيا الذين تحولوا الى بريطانيين بعد حين من الدهر,, وها هي مدينة لندن تتسع للملايين القائمة والاخرى القادمة وهذا المثل لا ينطبق على العاصمة البريطانية وحدها وانما على سائر المدن الاوروبية الكبرى في فرنسا والمانيا وايطاليا وكذلك كبريات المدن في الولايات المتحدة وكندا واليابان والهند,, نعم,, الهند التي مولت انفاق لندن بالعمالة التي حفرت بالآليات البدائية ارض لندن والمدن البريطانية الكبرى لتشييد الجسور ومحطات السكك الحديدية,, هذه العمالة الهندية لم يسعفها الحظ في مد يد العون الى المدن الكبرى في الهند.
سؤال نطرحه على الذات ولنكن اكثر شجاعة في الاجابة عليه,, هل منشآتنا الباهظة التكاليف في مجال الطرق داخل المدن قادرة على تلبية مطالب الزمن القادم؟!.
لقد نفذت وزارة المواصلات طرقاً واسعة وطويلة وسريعة تربط اجزاء المملكة المترامية الاطراف، فها هو ساكن القرية في اقصى الجنوب او اقصى الشرق يمكن ان يصل الى العاصمة الرياض والى المدن المقدسة مكة المكرمة والمدينة المنورة بكل يسر وسهولة ومهما تباعد الزمن فلن تكون هناك مخاوف مرتقبة وكل ما هو مطلوب من الاجيال هو صيانة هذه الطرق والمحافظة عليها لتبقى على الزمن.
اما في داخل المدن فاعتقد ان الاجيال ستلاقي متاعب كبيرة جدا، والاحياء تحتاج الى خدمات تمكن سكانها من الاكتفاء الذاتي في كل شيء سواء في مجال توفير الاسواق او المدارس او المرافق العامة الاخرى، وبعد سنوات عديدة سوف تكثر التداخلات في كيفية الحصول على الخدمات فقد تنشأ عصبية الحي وهي ان يرى سكان هذا الحي او ذاك انهم اولى بالاستفادة من الخدمات القائمة من اولئك القادمين من الاحياء الاخرى فالتعليم والصحة والمواصلات واعمال التسوق مرافق وخدمات ينبغي ان تتم وفق خطط تأخذ بعين الاعتبار التوسع الجغرافي والسكاني للمدن وضرورة توفير الخدمات والمرافق في جميع الاحياء وتنفيذ مشاريع الطرق باعتبار ما سيكون وليس على اعتبار ما هو كائن.
اننا نحب ان تتسلم اجيالنا كل محتويات التركة على انها موروث يجب الاهتمام به والعناية باشكاله والوانه ليظل قائماً لاجيال قادمة فليست الطرق وحدها التي تربط بين المدن والقرى هي الموروث الوحيد لاجيالنا فهناك المصانع والمدارس والمستشفيات وكل ما هو قائم من مرافق خدمية,, كلها موروثات انفقت عليها الدولة مليارات الريالات او الدولارات فلزاماً على الأجيال القادمة الاستفادة منها وألا تتعرض للهدم لعدم كفايتها او عجزها عن استيعاب المستجدات من المطالب وعندئذ ستكون اجيالنا القادمة عرضة الى مصير اصحاب المنزل الذي وجد نزلاؤه ان من الاسلم الخروج من المنزل وهدمه والنزوح الى مخيمات خارج المدينة لبناء سكن اكثر قوة واتساعاً.
|