عند كتابة هذا المقال يكون قد مضى تسعة أيام من بدء غارات حلف الأطلسي على يوغسلافيا، ويبدو ان الرئيس اليوغسلافي ميلوسيفيتش لم يقتنع حتى الآن بقبول مقترحات رامبوييه للسلام قبولا واضحا لا لبس فيه يمهد لايقاف الغارات الأطلسية على بلاده، وتنص مقترحات رامبوييه على النقاط التالية:
1- تقليل التواجد اليوغسلافي في إقليم كوسوفو الى حدود دنيا.
2- منح سكان الاقليم حكما ذاتيا موسعا سيجري التفاوض عليه.
3- دخول قوات دولية تابعة للناتو لضمان سلامة الكوسوفيين.
4- يعقد مؤتمر دولي بعد ثلاث سنوات لتقرير المصير النهائي للإقليم.
ولاشك ان هذه النقاط أقل بكثير مما كان يطلبه سكان كوسوفو الألبان المسلمون من تحقيق الاستقلال الكامل للاقليم أسوة بما حدث للجمهوريات المكونة للاتحاد اليوغسلافي الأخرى، مثل كرواتيا والبوسنة ومقدونيا, وكان دستور يوغسلافيا الذي صدر عام 1974 في زمن الرئيس اليوغسلافي تيتو قد ضمن لكوسوفو حق الحكم الذاتي، لكن الصرب قاموا في العام 1989 بسلب هذا الحق من الاقليم خشية ان يكون السند القانوني للمطالبة بالاستقلال كما حدث في كرواتيا والبوسنة, ثم قامت حكومة يوغسلافيا التي يسيطر عليها الصرب بالعديد من الخطوات لاخضاع الاقليم بشكل تام، منها:
* تعزيز قوات الشرطة الصربية.
* تعزيز القوات العسكرية التابعة للجيش والقوات المسلحة.
* فرض حالة الطوارىء واشتداد قبضة قوات الأمن على المتظاهرين المطالبين بالاستقلال حيث قتل العشرات والقي القبض على المئات.
* منع تعليم اللغة الألبانية لغة السكان الأصليين في الإقليم.
* الغاء المدارس التي تدرس بالألبانية الابتدائية والثانوية والعليا.
إلا ان المسلمين قابلوا كل تلك الاجراءات بالتحدي وشكل السكان تعليماً أهلياً لتعليم ابنائهم بالألبانية وظلوا يطالبون بحقوقهم كاملة, وفي عام 1992 أجريت انتخابات تم فيها انتخاب ابراهيم روجوفا رئيسا لجمهورية كوسوفا، مناطا به مهمة تحقيق استقلال الاقليم بالتعاون مع جيش تحرير كوسوفو KLA, وجاب ابراهيم روجوفا العواصم الأوروبية مطالبا بحقوق كوسوفو وعارضا للمآسي التي يعيشها سكان ذلك الاقليم تحت الحكم الصربي, وبعد ان فشلت صربيا بالاحتفاظ بكرواتيا والبوسنة وحقق هذان البلدان استقلالهما, زاد تمسك الصرب باقليم كوسوفو خصوصا وهم يدعون ان هذا الاقليم هو منشأ القومية والتراث الصربي، وهاجر آلاف المتعصبين الصرب من كرواتيا والبوسنة الى كوسوفو, وأمام ازدياد الاحتكاكات والتوتر والاضطهاد اللاإنساني الذي يعاني منه سكان كوسوفو الألبان اضطر الغرب بقيادة الولايات المتحدة للتدخل, وارادت الولايات المتحدة تكرار ما فعلته في البوسنة بشكل حرفي، بحيث يقوم الدبلوماسيون الغرب باقتراح حل وسط بين الطرفين الكوسوفي واليوغسلافي ثم اجبار الطرفين على الموافقة عليه, وفي رامبوييه في فرنسا وجد الكوسوفيون ان المقترحات اقل كثيرا من طموحهم ، لكن القادة الغربيين قالوا انهم لن يتدخلوا وستترك القوات الصربية تبطش بهم ان لم يوافقوا على تلك المقترحات، أما في حالة موافقتهم فإن الغرب سيجبر صربيا على الموافقة, وعاد قادة كوسوفو الى بلادهم لمزيد من التشاور ثم عادوا الى رامبوييه بعد اسبوعين مضطرين للموافقة, لكن الرئيس اليوغسلافي اصر على موقفه المعارض حتى لمشروع رامبوييه, وهنا وجد قادة الدول الغربية المنظمة لحلف الناتو انفسهم مضطرين لشن هجوم موسع لاجبار يوغسلافيا على الاذعان للارادة الغربية, والسؤال الذي يطرح نفسه: هو لماذا نجح الغرب بقيادة الولايات المتحدة في البوسنة ولم ينجحوا في كوسوفو؟.
السبب الأول والأهم ان مسلمي البوسنة كانوا قد نجحوا في تشكيل قوة عسكرية استطاعت تحرير أكثر من نصف البلاد والدفاع عنه والمحافظة عليه أمام القوات الصربية المعتدية, وما كان لمسلمي البوسنة تحقيق ذلك لولا الدعم الذي اتاهم من المسلمين والدول الاسلامية, فقد توجه مئات المجاهدين الىالبوسنة وتلقت البوسنة السلاح والأموال لشراء السلاح من الدول الاسلامية واستطاع أهل البوسنة الصمود أكثر من أربع سنوات بدون مساندة غربية فعلية, وكان هذا الصمود الذاتي أحد أهم الأسباب التي اقنعت الصرب بالموافقة على مشروع السلام في البوسنة مشروع دايتون لأنهم أدركوا عدم قدرتهم على اخضاع المسلمين لإرادتهم, أما في كوسوفو فقد حرص قادة كوسوفو على عدم الارتباط الشديد مع العالم الإسلامي خشية اتهامهم بالتطرف وبالتالي فقدان التعاطف الغربي.
السبب الثاني ان الجهود الدبلوماسية لم تعط الفرصة الكاملة, فالغرب بقيادة الولايات المتحدة كان يقود المفاوضات بأسلوب مسرحي هدفه اظهار قوة وجبروت الناتو وقدرته على اخضاع الجميع, فالمسلمون في كوسوفو كانوا مضطرين لقبول مشروع رامبوييه وإلا واجهوا العدوان الصربي الذي لا قبل لهم به, والصرب سيخضعون لارادة الناتو تحت وطأة الغارات الجوية, وعلى الجميع أن يفهم بعد ذلك ان ما يقوله الناتو وقادة الناتو يخضع له الجميع.
وكان من المفروض بعد رفض الصرب لمشروع رامبوييه ان يمنح الغرب فرصة للمساعي السلمية، واثناء فترة المساعي السلمية يتم تسليح جيش تحرير كوسوفو بأسلحة متقدمة تكفل لهم القدرة على الدفاع عن أنفسهم في حالة وقوع الهجوم الجوي وبالتالي قيام الصرب بحملة تطهير عرقي انتقامية, ان المسؤولية الكبرى تقع الآن على كاهل الغرب الذي عليه ان يقوم بالتالي:
1- مجهود ضخم لإيواء واعاشة اللاجئين الكوسوفيين.
2- القيام بسرعة بتسليح وتدريب مقاتلي جيش تحرير كوسوفو للدفاع عن أنفسهم وبلادهم.
3- تشديد الضغط العسكري على بلغراد لاجبارها على ايقاف حملة التطهير العرقي مع الوعد بتخفيفها اعتمادا على حالة المدنيين في كوسوفو.
4- الضغط الغربي على روسيا لتقوم بمجهود دبلوماسي لا يستطيع القيام به أحد غيرها لايقاف حملة التطهير العرقي واضطهاد المدنيين في كوسوفو.
5- اعطاء ميلوسفيتش مهلة لا تتجاوز أياماً لقبول اتفاق رامبوييه وفي حالة عدم قبوله سيتم منح الاقليم الاستقلال الكامل وسيقوم الغرب بالاعتراف باستقلال كوسوفو.
وعلى الرغم من تقصير قادة كوسوفو في مخاطبة المسلمين والدول الإسلامية، إلا أننا نناشد الدول الإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي العمل من خلال الأمم المتحدة وعلاقاتها مع الغرب وعلاقاتها مع روسيا لانقاذ مسلمي كوسوفو.
|