يوم أخذ الحديث يتزايد عن النظام الدولي الجديد، وتجسيد قيم وسلوكيات جديدة في العلاقات الدولية استبعد الحديث عن الآليات والقوى المادية التي ستفرض نمط وقوانين هذا النظام الذي نما وترعرع في رحم الغرب، وكأن الأخذ به يتوافق مع نظرية القوة الغالبة تفرض عقيدتها السياسية وبما ان قوة الغرب هي التي انتصرت في صراع الحرب الباردة فقد بُشِّر بالنظام الدولي الجديد الذي هو ترجمة للعقيدة السياسية الغربية,, يومها لم يتداول ولم يجر الحديث عن الآليات والقوى المادية لفرض النظام الدولي الجديد,, إلا أن المخططين الغربيين لم يكن غائبا عن ذهنهم تلك الآليات والقوى المادية، عسكرياً، ومؤسسات,, والمتمثلة في حلف شمال الأطلسي المؤسسة السياسية العسكرية التي تعد الوعاء النموذجي الحاضن لكل التوجهات الفكرية والاستراتيجية والسياسية والعسكرية لكل دول الغرب والحلف الأطلسي يكمل اليوم الرابع من نيسان/ ابريل نصف قرن من عمره إذ تم توقيع معاهدة إنشائه في نفس التاريخ عام 1949م بواسطة اثنتي عشرة دولة هي: بلجيكا، والدنمارك، وفرنسا، وبريطانيا وإيطاليا ولوكسمبورج، والنرويج، وهولندا، والبرتغال، وكندا، والولايات المتحدة، وآيسلندا (الاخيرة لا تملك جيشا).
وكان الدافع المشترك بين هذه الدول لإنشاء هذا الحلف العسكري هو إيجاد نظام دفاعي للرد على التهديدات العسكرية التي كان يمثلها الاتحاد السوفياتي بقوته النووية الجبارة آنذاك.
وتشكلت عناصر هذا الدافع المشترك من ردود فعل مشتركة أيضاً لما قام به الشيوعيون عام 1948م بضرب مدينة براغ عاصمة جمهورية تشيكوسلوفاكيا (آنذاك) وكذلك حصار مدينة برلين عاصمة المانيا في يونيو عام 1948م وفي مايو عام 1949م، اي بعد شهر على ابرام معاهدة إنشاء الحلف.
وفي فبراير عام 1952م، انضمت تركيا واليونان الى الحلف، ثم في عام 1955م دخلت المانيا الاتحادية على عهد مستشارها التاريخي كونراد اديناور في عضوية الحلف، وبعد (33) سنة من تاريخ إنشاء الحلف، أي في مايو عام 1982م انضمت إليه اسبانيا التي اصبحت العضو السادس عشر والأخير في الحلف الذي استمر بهذا العدد من الأعضاء طيلة سنوات الحرب الباردة التي بدأت مع نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية هذه الحرب عام 1989م، عندما بدأ انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك حلف وارسو الذي كان يضم الدول الشيوعية في أوروبا الشرقية تحت قيادة وهيمنة الاتحاد السوفياتي.
وكان يمكن لحلف شمال الأطلسي ان يلحق بالحلف الغريم (حلف وارسو) ويحل نفسه بموافقة اعضائه بعد ان زال مصدر التهديدات التي كانت سببا في إنشائه ونعني بهذا المصدر الاتحاد السوفياتي.
ولكن يبدو ان زعيمة العالم الحر (الولايات المتحدة) كانت لها رؤية استراتيجية مستقبلية لدور آخر لحلف الأطلسي,, هو دور الذراع العسكرية القوية التي يمكن الاعتماد عليها عند الضرورات في تحقيق أهداف غير معلنة لنظام عالمي جديد لم يعلن عنه هو أيضاً حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتحرر دول شرق اوروبا واحدة تلو الأخرى من حكم الطغمة الشيوعية التي فقدت سندها الأساسي في موسكو.
ولم يأت عام 1990م حتى وقع ما لم يكن في الحسبان,, وقع الغدر العراقي,, حين قام نظام صدام حسين بدفع قواته المسلحة باتجاه دولة الكويت وغزوها واستلاب سيادتها الوطنية وتشريد شعبها الشقيق.
وهنا، وبعد ان دحر التحالف الدولي قوات صدام حسين في نهاية فبراير 1991م حيث تم اعلان وقف اطلاق النار في عمليات عاصفة الصحراء وجدها الرئيس الامريكي آنذاك جورج بوش فرصة مواتية ليعلن عن قيام نظام عالمي جديد وقال في خطاب رسمي عن حالة الاتحاد: (ان هدف هذا النظام العالمي الجديد بعد تحرير الكويت هو: تحرير مستقبل العالم من ان يكون رهينة اطماع طاغية آخر مثل صدام حسين.
وها هو حلف شمال الاطلسي ذراع النظام العالمي الجديد يواجه طاغية شبيها بصدام حسين هو سلوبودان ميلوسيفيتش رئيس جمهورية صربيا ويوغسلافيا الاتحادية التي تضم مع صربيا جمهورية الجبل الأسود.
واذا كان هناك مأخذ على النظام العالمي الجديد فهو المأخذ خروجه على سلطة الأمم المتحدة في بعض العمليات التي قام بها في مناطق أخرى من العالم, إلا انه هذا المأخذ قد لا ينطبق تماما على حالة عمليات الحلف في يوغسلافيا التي تعد عضوا في بيت الأسرة الأوروبية التي جعلت من حلف الناتو قوتها الحامية لأنظمتها وقوانينها وتوجهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.
الجزيرة