رحم الله الشيخ عمر بن محمد فلاتة الذي شيّعه أهالي المدينة المنورة يوم الاربعاء 29/11/1419ه بعد ان أكرمه الله بالصلاة عليه في المسجد النبوي الشريف، واحتضنه البقيع كما احتضن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم الكرام وملايين من سلف هذه الأمة وصالحيها.
هاجر والده من أفريقيا الغربية حيث تقطن قبيلة الفلاتة الافريقية، وحملت به أمه أثناء الرحلة التي استمرت عاما، وقد وافى الوالدان المدينة المنورة ومعهما عمر عام 1346ه فنشأ في المدينة المنورة، وكانت أمه تدعو الله ان تراه عالما محدّثا في المسجد النبوي، فأجاب الله دعوتها ورأته وقد تحلق حوله الطلاب في الروضة النبوية الشريفة.
آخر ما التقيت به رحمه الله في حفلة كان مدعواً بها، ودار الحديث معه حول الحديث النبوي الشريف الذي أكرمه الله بأن ينفق حياته في خدمته، وكان مما تناوله الكلام تفرقة المحدثين بين أحاديث العقائد والأحكام، وأحاديث الفضائل حيث يتساهلون في الأخيرة، وسرّ عندما قلت له: انني لا أميل لهذه التفرقة، وأرى ان تطبق عليها المقاييس فكل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وحي، وسمعت منه كلاما مفيدا عن جبل ثور نقله عن كبار سن رآهم، وقد قرأت فيما كتب عنه ان له رسالة في ذلك فلعل ابناءه يطبعونها.
أجلّ ما قدمه الشيخ عمر من أعمال خدمته للحديث النبوي الشريف مدرّساً في دار الحديث ثم مديرا لها وناظرا عليها حتى بعد ان عيّن في الجامعة الإسلامية أمينا عاما مساعدا فأميناً عاما، ثم عيّن عام 1406ه مديرا لمركز خدمة السنة النبوية شقيق مجمع الملك فهد لطباعة القرآن الكريم، وبقي الى جانب ذلك مشرفا على دار الحديث.
ومن أهم خدمته للحديث الشريف حلقته الدراسية المباركة التي استمرت خمسين عاما منذ عام 1370ه التي شرح فيها أمهات كتب الحديث، ودرس عليه فيها آلاف الطلاب، وإذا كان الشيخ عمر كغيره من علماء كثيرين لم يتركوا مؤلفات تحفظ علمهم فقد ترك آلافا من الطلاب الذين افادوا منه، وأخذوا عنه، وقد كان مما يعد من مآثر العلماء السابقين الشيوخ الذين أُخذ عنهم العلم، والطلاب الذين أخذوا عنهم، وقد كتب له فضل تلقي العلم في رحاب المسجد النبوي ثم تدريسه فيه، وهؤلاء الطلاب مأثرة من مآثره العلمية.
اما صفاته فقد كان متواضعا من غير ذل، زاهدا في الشهرة والبروز مع ما أعطاه الله من جاه ومال، ولكنه بقي في منزله المتواضع مهتما لما أكرمه الله به من الجوار في المدينة، والتدريس في المسجد الشريف، ونشر الدعوة الإسلامية وكان مهتما بأمر الأقليات الإسلامية وقضايا العالم الإسلامي، ولم يبارح المدينة إلا من أجل ذلك.
والى جانب زهد الشيخ وتواضعه يُذكر له تسامحه واتباعه منهج التيسير، ولم يأخذ بمنهج الترقيق وشحن نفوس الشباب في سن المراهقة ليتشددوا في الدين حتى يصل الحال ببعضهم درجة الغلو والتنطع.
لقد فقد العالم الإسلامي عالماً محدثاً، متواضعاً، قضى عمره ناشرا للعلم والدعوة محباً للخير، يحمل من البشر وطلاقة الميحا ما يليق بالعلماء، رحمه الله وجعله ممن شملهم قوله صلى الله عليه وسلم لمن مات بالمدينة من مات بها كنت له شفيعا او شهيدا يوم القيامة .
د, عائض الردادي