Monday 5th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأثنين 19 ذو الحجة


الناقد أحمد عبدالرازق أبو العلالالجزيرة
النقد الأيديولوجي لم يعد صالحا الآن بأي شكل
القصة الجديدة خالية من الحشو لكنها تتسم بضعف الأسلوب,,!!

* القاهرة - مكتب الجزيرة - فتحي عامر
يواصل النقد الادبي ضخ روافده واجياله الجديدة,, ولعل السمة الاساسية التي تطبع النقاد الشباب هي التحرر من اسوار النقد الايدولوجي الذي يسقط على الاعمال الادبية مفاهيم وتصورات مسبقة ويسعى لتأكيد هذه التصورات من خلال الاعمال الابداعية حتى ولو كان في ذلك من الاقحام والتعسف ما لا يطاق.
وعلى العكس من ذلك فان النقاد الجدد يسعون الى البحث عن ادوات جديدة تمكنهم من اكتشاف مفاتيح الاعمال الادبية في داخلها وليس من خارجها, وفي هذا الحوار مع الناقد احمد عبدالرازق ابو العلا محاولة لفهم التصورات التي يرتكز عليها النقاد الجدد في مصر فهو من النقاد الذين دخلوا الساحة النقدية في اواخر السبعينات، وفضلا عن عمله كمدير لتحرير مجلة (الثقافة الجديدة) فهو عضو في ادارة النصوص المسرحية بهيئة قصور الثقافة وله 4 كتب نقدية هي (طه حسين والبحث عن العدل الاجتماعي، والخطاب المسرحي: قراءة في المسرح العربي، و(اشكاليات الشكل والرؤية في القص المعاصر) و(من البدايات حتى اكتمال الادوات: دراسات في قصص الثمانينات) التقينا احمد عبدالرازق ابو العلا وسألناه:
* ما هي السمات التي يتميز بها نقاد جيل السبعينات في اختلافهم عن الحركة النقدية لجيل الستينات وكذلك جيل الرواد: طه حسين ومحمد مندور وعلي الراعي وغيرهم؟
- بالنسبة للحركة النقدية في السبعينات لم تكن بالقدر الكافي في المشهد الثقافي المصري الى الدرجة التي يمكن ان نقول معها انه كانت هناك حركة نقدية يمكن له ان تتشابه مع الحركة النقدية في الستينات.
والسبب في ذلك يرجع الى اعتقادي الى ان الظروف السياسية والاجتماعية في السبعينات كانت لها طبيعتها الخاصة التي انعكست على الابداع ذاته, وبالتبعية انعكست على الحركة النقدية التي كانت تمارس في اضيق الحدود بسبب مجموعة القوانين التي كبلت الحركة الابداعية في تلك المرحلة ووضعت الكتاب في متاهة البحث عن سبل ومجالات للنشر لا تخضع لمؤسسات الدولة ايمانا منهم بأن التعامل مع المؤسسات التي لا تتيح لهم حرية الحركة وحرية الرؤية يصعب التعامل معها.
فاذا كان هؤلاء هم المبدعين فكيف تستطيع ان تطبق القاعدة التي تقول ان كل جيل يفرز نقاده, وكما هو واضح في ظل المتغيرات التي ذكرتها في فترة السبعينات لم تظهر ملامح محددة للحركة الابداعية, ومن ثم ظهرت مجموعات ادبية اعطت لنفسها حق التعبير عن المشهد الثقافي في تلك الفترة ومنها مجموعة (اضاءة) ومجموعة (اصوات) وكان النقد يمارس في تلك الفترة وبخاصة نقد الشعر من خلال الشعراء انفسهم وهنا تستطيع ان تقول ان ما قدموه من تنظيرات نقدية او دراسات تطبيقية لا تعد نقدا بمفهومه العلمي ولا يمكن ان تصنع او تقدم في النهاية حركة نقدية حقيقية تحدد ملامح وسمات وابعاد حركة الابداع بشكل عام.
هذا هو وجه الاختلاف في اعتقادي اذا تم القياس بالحركة النقدية في الستينات لانها كانت حركة نقدية مواكبة بالفعل لحركة الابداع لاسباب كثيرة منها انه كان هناك اهداف قومية عامة وهم قومي يلتف حوله الجميع, وظهرت ملامح محددة للابداع تعبر عن هذا الهم القومي العام.
وهذا دفع الحركة النقدية المواكبة ان يكون لها سماتها وملامحها ومن ثم ظهرت مناهج نقدية لم تكن تمارس من قبل عند جيل الرواد مثل الواقعية على سبيل المثال وكان من اقطابها د, محمد مندور.
غياب الأيدلوجيا
* من الملاحظ ان النقد في الخمسينات والستينات كان في معظمه يستند الى ايديولوجيا معينة ويسعى لخدمة هذه الايدلوجيا,, هل ترى ان مثل هذا النقد الايديولوجي يصلح الآن؟
- النقد الايديولوجي لم يعد صالحا الان بأي شكل من الاشكال, الحركة الادبية الان تحتاج الى نقد يقوم بتحليل لظواهر الابداع في ضوء المتغيرات الفنية التي ظهرت في الابداع ذاته اي نقد يبحث عن مفاتيح النصوص من داخلها ويرصد حركة الابداع من اجل الوصول الى تحديد صيغة نقدية جديدة يمكن بها: اما الاحتفاء ببعض الاشكال الجديدة او الكشف عن زيفها اي اننا لا نريد المصادرة على شكل بعينه من الابداع او مصادرة حق الكاتب في ان يدلف الى اي شكل من الاشكال الابداعية, فقط على النقد ان يكشف بعد عملية الرصد مدى صدق المبدع في تجربته وهنا فقط سيتضح الحقيقي من الوهمي.
* من وجهة نظرك ما هي اشكاليات الشكل والرؤية في القص المعاصر؟
- غياب وتقاعس الحركة النقدية عن القيام بدورها في فرز النماذج القصصية المعاصرة فرزا يكشف الفرق بين الغث والثمين احدث الخلط، وسبب هذا الخلط يرجع في اعتقادي الى ظهور بعض الكتابات النقدية التي احتفت بالقيم الجمالية وحدها اي احتفت بالشكل على حساب الاحتفاء بالمضمون.
على الرغم من ان هناك بديهة نقدية تؤكد ان العمل الابداعي هو كل لا يتجرأ قوامه الشكل والمضمون وحين نقوم بالفصل بينهما ينبغي ان يكون هذا الفصل اجرائيا وليس موضوعيا مما احدث بلبلة ابداعية يتحمل النقاد مسؤوليتها بالدرجة الاولى، فهم السبب في عدم بلورة نموذج ابداعي يمكن القياس عليه او الاحتذاء به مما جعل المبدعين يسيرون على منهج التجربة والخطأ,, فمثلا نجد ناقدا مثل ادوار الخراط ينحاز كل حين لمصطلح يظن انه هو صاحبه فمرة يقول (الحساسية الجديدة) ومرة يقول (الكتابة غبر النوعية) ومرة يقول (القصة القصيدة) وكلها عبارات مراوغة لا تشير الى شيء محدد لكنها يمكن ان تنطبق على اي كتابة حتى ولو لم تكن هذه الكتابة قائمة على اسس فنية وموضوعية, اقول مراوغة لانها تكرس للكتابة التي تفتقد الى الصدق الفني ومن ثم تكون هذه الكتابات نموذجا امام الكتاب الجدد يتمثلونها في كتاباتهم ولا تفضي الا الى الفراغ لانها تفتقد الى الرؤية الفنية الصادقة والجيدة والمجتمع بمتغيراته نصب عينيها وتلك هي الاشكالية.
ملامح جديدة
* ما هي ابرز سمات وملامح القصة القصيرة التي تكتبها الاجيال الجديدة؟
- اولا: ظهور شكل القصة القصيرة جدا والتي لها اصول في تراثنا العربي مثل (النادرة) (والمقامة) واحيانا في اسوأ الفروض النكتة,, ثانيا انها في صورتها الكلية تعد تعبيرا عن الذات المبدعة دون ان ترتكن او دون ان تكون هناك علاقة بين هذه الذات والمجتمع ولذلك نلاحظ ان معظم هذه الكتابات تعد تداعيا تلعب فيه اللغة دورها في المقام الاول وفي وجه ايجابي نجد القصة الجديدة قد تخلصت من كل الحشو الزائد والتفصيلات المملة التي كنا نجدها في القص التقليدي, وهذا الجيل مصاب بقصر النفس ولان الحكاية بطبيعتها لا تعتمد على التركيز الشديد فقد غابت الحكاية بمفهومها التقليدي عن القصة القصيرة الان, والحكاية تتخذ بالتدريج معنى يفصل بينها وبين كلمة قصة قصيرة فالقصة القصيرة اكثر تعقيدا من الحكاية, وما يكتب الان لا يعتمد على الحكاية ولكي نقرب المعنى نقول ان السمة الرئيسية في القصة عندما نقول ان هذه قصة قصيرة فلابد ان يتوافر فيها القص كعنصر اساس ولذلك نجد ان انفعالات الكاتبة الفرنسية ناتالي ساروت لم تكن تحتوي على هذا العنصر القص ولذلك اسمتها انفاعلات ولم تسمها قصصا وكأن القالب التي كتبت فيه هو الذي فرص التسمية, واخيرا يمكن ان اقول ان من سلبيات القصة الان انها تتسم بضعف الاسلوب: اسلوب المعالجة او اسلوب الكتابة وهشاشة البناء.
* من خلال متابعاتك الجيدة للحركة المسرحية العربية في مهرجاناتها المختلفة ما هي السمات الجوهرية التي تتسم بها هذه الحركة في لحظتها الراهنة؟
- من الغريب ان نقول ان اتجاهات المسرح خارج مصر الان هي اكثر توفيقا منها عن الحركة المسرحية داخل مصر, فالحركة المسرحية الان مشوشة في مجال التأليف المسرحي اي انها لا تستند الى رؤية واضحة، تجعل للحركة المسرحية ملامحها المحددة في حين اننا نجد كتابا في الوطن العربي يقدمون نصوصا تؤكد ما كان ينادي به يوسف ادريس في الستينات من ضرورة ان يكون المسرح خط الدفاع الاول عن الهوية العربية وبمعنى آخر ان يكون له سمات يمكن ان نقول انها عربية وليست اوروبية, فحركة التأليف المسرحي الان في مصر لا تقدم نصوصا لافتة وربما يرجع السبب في هذا ان المناخ العام الذي يصيب حركة الابداع ككل قد اصاب الحركة المسرحية, ومن الغريب وبصفتي متابعا لحركة التأليف المسرحي بشكل مباشر نتيجة عملي كعضو في ادارة النصوص المسرحية بالهيئة العامة لقصور الثقافة وهي من اكبر المؤسسات التي تغذي حركة المسرح الاقليمي في مصر ويتعامل معها كل كتاب المسرح في مصر وحتى في الوطن العربي نلاحظ ازديادا كبيرا في عدد كتاب المسرح بما يفوق عددهم في الستينات الا انهم لم يستطيعوا مجتمعين ان يقدموا حركة مسرحية حقيقية,, الازمة ليست في ندرة الكاتب المسرحي ولكن في كفاءته الابداعية.
* ما رأيك في مفهم او دعوى (موت المؤلف) في المسرح؟
- اريد ان اصحح فقط معلومة وهي ان الذي طرح هذا المفهوم لم يكن يقصد به المعنى الحرفي وانما كان يقصد ان النص المسرحي داخل العرض هو ملك في علاقته مع المتلقي للمخرج باعتباره مؤلف العرض المسرحي وطالما انه مؤلف العرض المسرحي من وجهة نظر اصحاب المفهوم يصبح المؤلف الحقيقي في عداد الاموات طالما ظهر مؤلف جديد هو المخرج الذي قدم النص وبالطبع فان هذا المفهوم يعد مفهوما خائطا تماما وليس مقبولا على الاطلاق لان المخرج المسرحي يصبح مؤلفا للعرض في حالة واحدة فقط وهي عدم استناده الى نص مكتوب اصلا, هنا يمكن ان نتقبل مقولة انه مؤلف العرض المسرحي لكن المثلث المتعارف عليه هو النص والمخرج والمتلقي ثالوث لا ينبغي ان يغيب طرف منه على حساب طرف آخر.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
جامع الملك عبد العزيز
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved