Monday 5th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأثنين 19 ذو الحجة


السيناريوهات المتوقعة لأسواق النفط العالمية بعد الأتفاقات الحديثة
الدكتور/ مفرج بن سعد الحقباني *

تتسابق الاحداث مرة اخرى في اسواق النفط العالمية لتثير موجة جديدة من التساؤلات حول مستقبل المتغيرات الرئيسية في اسواق النفط العالمية والتي يأتي في مقدمتها من دون شك اسعار النفط العالمية.
ولقد لعبت المملكة العربية السعودية بما لها من وزن اقتصادي في مجال انتاج وتصدير النفط دورا كبيرا في تفعيل وتنسيق التحركات الدولية الشاملة التي استهدفت تحقيق اكبر قدر ممكن من التنسيق بين المنتجين من داخل وخارج منظمة الاوبك مما أثمر عن اتفاق الدول الاعضاء في المنظمة ومعها دول اخرى من خارج المنظمة على تخفيض المعروض النفطي في الاسواق العالمية بحوالي 1,2 مليون برميل يوميا او ما يعادل 6,2% من اجمالي الانتاج الكلي.
ولقد تجاوبت اسواق النفط العالمية وبشكل سريع مع هذا الاجراء حيث تجاوزت اسعار النفط العالمية حاجز 15 دولارا للبرميل الواحد متجاوزة الحد الشائع في العام المنصرم والمتمثل في 10 دولارات تقريبا للبرميل الواحد,, ولقد كان لردة الفعل السريعة التي اظهرتها اسواق النفط العالمية مردودا ايجابيا على مستوى قناعة المحللين والمهتمين الذين تسابقوا الى اظهار تفاؤلهم بقرب انقشاع الازمة النفطية المتمثلة في حالة الهبوط الحاد في اسعار النفط العالمية,, السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الخصوص هو هل يمكن لنا ان نبادر بالتفاؤل كما فعل الآخرون؟ او بعبارة اخرى: هل ونتيجة لهذا الاتفاق ستتبدل المتغيرات الاقتصادية في اسواق النفط العالمية وبالشكل الذي سيقود اسعار النفط الى الارتفاع على الاقل الى المستوى المأمول على المستوى الدولي 18 - 21 دولارا؟ للاجابة عن هذا التساؤل نحتاج الى طرح احتمالات منطقية ممكن ان تكون وجهة مستقبلية لاسواق النفط العالمية وذلك على النحو التالي:
الاحتمال الاول: ان تلتزم الدول الموقعة على الاتفاق بالتخفيضات المعلنة وفي هذه الحالة يمكن ان يساهم خفض الانتاج بالاضافة الى النمو المتوقع في الطلب العالمي على النفط خصوصا بالنسبة للدول النامية الى احداث نقلة نوعية في اسعار النفط العالمية ربما تصل بها الى المستوى المستهدف ولكن يجب الا نأخذ هذا الاحتمال بمعزل عن الملاحظات التالية:
1- ان حصة منظمة الاوبك في اسواق النفط العالمية لا تمثل سوى 35% تقريبا من اجمالي المعروض النفطي مما يعني عدم قدرتها على احداث تغيرات جوهرية في اسواق النفط العالمية وبالتالي فإن المنظمة قد تحتاج الى تخفيضات مستقبلية اكبر لتثبيت الاثر السريع المتولد عن الاتفاق خصوصا في ظل غياب القناعة الدولية بقدرة المنظمة على تطبيق ما تم الاتفاق عليه والذي بدوره يضاعف من الجهد المطلوب والتضحية المبذولة لتبديل الصورة في ذهنية المحللين وصناع القرار السياسي والاستثماري على الساحة الدولية.
2- ان حوالي 60% من اجمالي المعروض النفطي من خارج المنظمة يأتي بصفة رئيسة من الدول التالية: الولايات المتحدة الامريكية وروسيا والنرويج والمكسيك والصين وكندا والمملكة المتحدة والباقي يأتي من دول عديدة لها تأثير محدود نسبيا على المتغيرات الرئيسة في اسواق النفط العالمية وبالتال فإن اي اتفاق مؤثر يجب ان ينطلق من القاعدة القوية التي يشترك في تكوينها المنتجون الرئيسيون من داخل وخارج المنظمة ويمكن الاشارة هنا الى ان معظم الدول المصدرة للنفط من خارج المنظمة تنتج حاليا عند او قريبا من طاقاتها الانتاجية وبالتالي فإن الزيادة المرتقبة في المعروض الدولي ربما لن تكون من المنتجين من خارج المنظمة على الاقل الزيادة المؤثرة التي قد تعكس وجهة الاثر السريع للاتفاق الحالي.
3- ان السعر المنخفض يتعارض مع مصالح الدول الرئيسية من خارج المنظمة فعلى سبيل المثال الولايات المتحدة الامريكية لا تعتمد اعتمادا كبيرا على النفط المستورد وتحرص على ضمان سعر عادل لمنتجيها المحليين كما تحرص على مصالح شركاتها النفطية التي عانت خلال عام 1998م من انخفاض قيمة اسهمها الاسمية بالاضافة الى ذلك فإن الولايات المتحدة الامريكية لا تحبذ السعر المنخفض لكونه يلعب وبشكل مؤثر في صالح اقتصاديات منافسيها خصوصا المانيا واليابان واللتين تعتمدان وبشكل كبير على النفط المستورد كمصدر رئيسي للطاقة, المكسيك التي تعتمد على ايرادات النفط الخام كمصدر رئيسي لتمويل ميزانيتها التي تشتكي من صعوبات كبيرة تعتبر احد اهم الدول التي لعبت دورا كبيرا ليس في مجال التخفيض فحسب بل في سبيل التنسيق والدعوة له مما يعطي قناعة بأن هذه الدولة ستكون في طليعة الدول الملتزمة بالاتفاق,, روسيا تعاني من التحول الكبير في طبيعة الملكية الاقتصادية من مشاكل اقتصادية كبيرة ربما تجد في الاتفاق مخرجا يساعدها على تحمل تبعات هذا التحول وبالتالي قد تجد مصلحتها في عدم زيادة انتاجها النفطي, بشكل عام قد تجد منظمة الاوبك مساعدة كبيرة من الدول الرئيسية المنتجة للنفط خصوصا اذا استمرت اسعار النفط في حدود المعقول وغير المؤثر على المستوى العام للاسعار.
وعليه فإن من المنطق ان نقبل بالسيناريو المطروح على اعتبار انه يلعب في مصلحة الجميع وعلى اعتبار ان دول المنظمة التي لها دور مؤثر قد استفادت من الدروس السابقة التي ادت الى معظم المشاكل الحالية في اسواق النفط العالمية ولكن هل تلتزم الدول بالحصص المتفق عليها؟
الاحتمال الثاني: الا تلتزم الدول بالتخفيضات المتفق عليها: وفي هذه الحالة ستبقى اسعار النفط تتراوح عند معدلاتها الحالية خصوصا وان معدلات الانتاج الحالية تفوق وبشكل كبير معدلات الطلب العالمي على النفط مما يوحي باستمرار الضغط على الاسعار النفطية باتجاه الانخفاض او على الاقل بقائها عند مستوياتها الحالية واعتقد ان هنالك الكثير من العوامل التي قد تعطي هذا السيناريو فرصة اكبر للبروز وفي مقدمتها يأتي:
1- التجارب التاريخية السابقة للمنظمة والتي لم تشهد التزاما حقيقيا بالحصص المحددة للدول الاعضاء مما يعطينا قناعة بعدم وجود ميزة ملازمة لهذا الاتفاق عما سواه من الاتفاقات السابقة, وهنا اشير الى ان منظمة الاوبك ومنذ تحولها باتجاه نظام الحصص في اوائل الثمانينيات قد عجزت عن ايجاد آلية مناسبة للتحكم في الكميات المنتجة من قبل الدول الاعضاء مما ساهم في حدوث تجاوزات خفية في معظم الاحيان وعلنية في احيان اخرى كما فعلت دولة فنزويلا في اواخر العام المنصرم, وبالتالي فإن هذه التجاوزات قد ساهمت وبشكل مؤثر في زيادة الكميات المعروضة في اسواق النفط العالمية مما ادى الى الهبوط الحاد في اسعار النفط العالمية اضافة الى ذلك فقد لعب انعدام الثقة بين الدول الاعضاء في المنظمة الى عدم التوصل الى اتفاق ملزم بل الى قصر عمر اي اتفاق متخذ حيث تتسابق الدول المتفقة الى التجاوز الخفي لحصصها رغبة منها في تحقيق السبق المربح خصوصا وهي تعي ان غيرها من الدول ربما سيتبعها ان لم يكن قد سبقها للتجاوز,, وهذا بدوره قد ساهم في الغاء اهمية الاتفاقات النفطية التي تتخذها المنظمة حيث اصبح لدى المستثمرين والمستهلكين من خارج المنظمة قناعة مضاعفة بعدم جدية هذه الاتفاقات وبالتالي لم تعد تستجيب للتصريحات الصادرة في هذا الخصوص لقناعتها بأن الواقع سيختلف عن مضمون هذه التصريحات وهنا اشير الى تصريح كبير الاقتصاديين لدى شركة فيلبس البترولية Alan Struth الذي قال بأن هذا الاتفاق (يقصد اتفاق الثالث والعشرين من شهر مارس) لن يغير نظرتي وقناعتي حول منظمة الاوبك واضاف بأن الشيء الذي لا اراه هو قدرة المنظمة على صياغة خطة طويلة الاجل من اي نوع كما اشير الى تصريح رئيس شركة بروتون كابيتال AlanGaines الذي قال: انس الاتفاقية الحالية! ماذا عن الاتفاقيات القديمة؟ انت تعرف انهم (يقصد المتفقين على التخفيض) سيغشون ويتجاوزن حصصهم ولكن السؤال بكم سيتجاوزون؟ اعتقد ان المنظمة تحتاج ان هي ارادت ان تكون مؤثرة الى جهد وتضحية مضاعفة لتغيير هذه القناعة حتى تستطيع ان ترفع درجة حساسية المتغيرات السوقية لقراراتها النفطة.
2- ان معظم الدول المصدرة للنفط والمشاركة في الاتفاق تعتمد اعتمادا كبيرا على النفط كمصدر رئيسي للدخل وتشتكي من صعوبات اقتصادية وسياسية كبيرة ربما لا تسمح لها بتحمل الكثير من التضحية وهنا اعتقد ان الدول المشاركة في الاتفاق ستواجه معضلة المساجين والتي تأتي ادوارها على النحو التالي:
* اذا كانت الدولة العضو متيقنة من التزام بقية الدول فإن من مصلحتها الالتزام بالحصص للحصول على السعر المرتفع في النهاية.
* اذا كانت الدولة العضو متيقنة من عدم التزام بقية الدول الأعضاء فإن من مصلحتها عدم الالتزام بالحصص لأنها ستكون الضحية التي تدفع الثمن في النهاية حيث سيؤدي تجاوز البقية الى انخفاض السعر في النهاية.
* اذا كانت الدولة العضو متيقنة من عدم التزام البقية فإن من مصلحتها ليس فقط عدم الالتزام بل الاسراع في عدم الالتزام وتجاوز الحصص لتحقيق السبق في الحصول على السعر المرتفع قبل انخفاضه المؤكد والناتج عن تجاوز البقية من الدول الاعضاء.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل سبق للدول الاعضاء في المنظمة ان التزمت باتفاقاتها السابقة حتى تكون الدول الاعضاء في هذه المرة متيقنة من الالتزام بالاتفاق الحالي وبالتالي يصبح من مصلحتها الالتزام بالاتفاق؟.
اعتقد ان الاجابة واضحة مما يعني ان الدول الاعضاء التي تواجه مشاكل اقتصادية وسياسية محلية واقليمية ستكون امام الخيارين الاخيرين من خيار المساجين وبالتالي فإن من المتوقع ان تتسابق الدول المصدرة للنفط لتجاوز حصصها الانتاجية رغبة في تحسين اوضاعها المالية قبل ان يفوت الاوان وقبل ان ينخفض الثمن مرة اخرى مما سيسرع بانخفاض الثمن ونقض الاتفاق.
3- على الرغم من ان هذا الاتفاق يحظى بأهمية فريدة لكونه يشمل بالاضافة الى الدول الاعضاء في منظمة الاوبك دولا منتجة للنفط من خارج المنظمة الا ان الباقي من الدول المنتجة والمصدرة للنفط والتي لم تشارك ولم تلتزم ببنود الاتفاق قد تستغل الفرصة لزيادة انتاجها رغبة في استغلال السعر المرتفع كما ان المستثمرين في اسواق النفط العالمية قد يجدونها فرصة لزيادة ارباحهم وهذا الاحتمال يبدو قريبا جدا من الواقع حيث بدأت اسواق النفط العالمية تلاحظ هذا النوع من التأثير وبالتالي فإن الدول المتلزمة بالاتفاق قد تكون مطالبة بتخفيضات انتاجية مستقبلية لتغطية الزيادة المتوقعة في المعروض من المصادر خصوصا المشار إليها, وهنا اعتقد ان الدول الأعضاء لن تكون مستعدة لمثل هذه التخفيضات في ظل مشاكلها الاقتصادية والسياسية السائدة بل انها قد تجد نفسها مضطرة لزيادة انتاجها كوسيلة لمعاقبة الدول المخالفة او المستغلة للاتفاق وعندها ستكون القاضية.
وأخيراً ماذا سيحدث؟
أعتقد والعلم عند الله ان اسواق النفط العالمية ستعيش السيناريو الثاني ولفترة زمنية معتبرة قادمة حتى تصل الى نهايتين اولاهما: نفاد المخزون النفطي للمنتجين المصدرين من خارج المنظمة والمتوقع حدوثه خلال 14 عاما اذا استمر انتاج هذه الدول عند معدلاته الحالية وعندها يمكن للمنظمة لعب دور المتحكم وليس المؤثر كما هي في الوقت الحاضر ان هي استطاعت ان تستفيد من الدروس التي ولدتها التجارب السابقة,, ثانيتهما: ان تستطيع دول المنظمة والدول المنتجة للنفط من خارج المنظمة تكوين وكالة دولية تضم في عضويتها جميع او معظم الدول المصدرة للنفط وبشكل خاص الدول التي لها نفوذ سياسي كالولايات المتحدة الامريكية وروسيا والصين والمملكة المتحدة وعندها ستكون هذه الوكالة المسيطر الرئيس على جميع المتغيرات الاقتصادية في اسواق النفط العالمية والمسيطر الرئيس على المتغيرات السياسية التي يضطبغ بها النفط كسلعة لها طابع سياسي كبير.
* أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
جامع الملك عبد العزيز
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved