Monday 5th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأثنين 19 ذو الحجة


مستودعات إنسانية !!
د, عبدالله ناصر الفوزان

إذا كانت دكتاتورية الحيوان لا تعرف من أوجه الاستغلال إلا الافتراس والأكل، فإن دكتاتورية الإنسان تعرف ما هو أكثر قدرة على تحقيق اغراضها وهو التسخير, ومن أهم مزايا التسخير أنه يحقق تراكم الفوائد فيستطيع الدكتاتور تسخير جملة من الناس في وقت واحد ليس مرة واحدة ولا مرتين ولكن طيلة فترة بقائه في (قمة) السلطة، في حين انه حتى أسد الغابة لا يستطيع الاستفادة إلا خلال لحظة واحدة ومن فريسة واحدة، فلا يكون هناك إلا ضحية واحدة, ولقد لاحظنا كيف ان ثمانية عشر ألف إنسان ظلوا على حدودنا مع العراق يتحركون ويتحدثون بالريموت كنترول ويضطرون للعودة من حيث أتوا (متنازلين) عن أداء فريضة الحج، مع أن الطريق سالكة والأمور ميسرة لحد التكفل بكل تكاليف الرحلة، وطبعاً لا أريد القول إنه يستحيل اتفاق ثمانية عشر ألف حاج على العدول عن الحج لتلك الأسباب الواهية التي سمعناها من الإعلام العراقي كي أوضح أنهم مجموعة من الضحايا، فهذا أمر بدهي، ولكني أردت إيضاح كيف ان هؤلاء مجرد نماذج خرجت على السطح لأسباب تطلبت ذلك، الأمر الذي يعني ان الملايين تستخدم مثلها يوميا لأغرض مختلفة أغلبها بالطبع تقتضي طبيعة المهمة فيها ليس فقط عدم الافصاح عنها ولكن إخفاءها في الدهاليز المظلمة.
من هنا تتجلّى واحدة من سلبيات العقل في لحظات انقياده للطمع والخوف، فهو بدلا من أن يستخدم قدراته في استثمار قوى الطبيعة ، يدفعه الطمع لتسخير العقول الأخرى لرغباته مستثمراً الخوف كوسيلة لتحقيق غاياته، ويدفع الخوف تلك العقول الأخرى للاستجابة لأساليب الابتزاز والتهديد فتتحول مجموعة من العقول الى مجرد مبتز واحد وقطيع من الضحايا.
انه أمر جدير بالتأمل، ففي تلك الغابة العراقية يصدر أمر يحظر على آلاف البشر الدخول للمملكة لأداء فريضة الحج بعد ان خشي الدكتاتور الحاكم ان دخولهم ربما يكون ضد مصلحته السياسية ضارباً عرض الحائط ليس فقط بمصالحهم وإنما حتى بواجباتهم الدينية، وفي الوقت نفسه نراه يشحن مجموعة اخرى في طائرات قديمة مخترقا بهم مجال الحظر الجوي ومعرضا حياتهم للخطر بحجة ان الحج فريضة لا يجوز لأحد منع الراغبين فيه، والضحايا المغلوبون على أمرهم في الحالين هم مجرد طرود إنسانية تشحن في الطائرات وفي الشاحنات وتستعاد وتضطر وهي في هذه الحال المزرية ان تهتف ل(سيّدها) بكل ما يخطر وما لا يخطر على البال من هتافات مضحكة أحياناً خاصة حين تعبّر عن فدائها بالروح والدم لذلك الذي أمرها بعدم تأدية فريضة الحج وأعادها إلى (المستودع) لتكون جاهزة للاستخدام الجديد.
لقد أوردت الحالة العراقية كمجرد مثال، وإلا فما أكثر بقاع الارض التي لا تختلف عن الغابة في شيء إلا في بشاعة الاستغلال، ومن أراد أن يجري فرزا سريعا بين الحضارات والغابات فليراقب مطارات الدول والمغتربين واللاجئين وسيجد ان من أبسط الفروق ان هناك دولاً تنصح رعاياها ودولاً تأمر ضحاياها، ودولا أخرى لا تحتاج الى النصح ولا للأمر طالما ان الجميع في مستودعها تشحنهم في المهمّات وتضعهم في وجه المدفع في الملمّات ، وتستعيد ما بقي منهم ليكونوا جاهزين للمهمّات والملمّات القادمة,, حفظنا الله من أي مكروه.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
جامع الملك عبد العزيز
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved