الإفراط، والتفريط علّتان تفسدان الطبع وتمليان التطبع، وتعطلان قدرة المرء على التكيف السويّ مع تداعيات الحياة,, وهواجس الفطرة السليمة قولاً وعملاً, والمرءُ المصابُ بأيٍّ منهما بلاء لنفسه,, وابتلاءٌ لغيره من البشر الذين لا ذنب لهم في فساد طبعه,, واعتلال توازنه,, افراطا أو تفريطا!
***
وهذا أمر يُفتن به خبراء النفس البشرية حينا,, وحينا آخر,, يتعاملون معه كحالة مرضية يمكن التصدي لها إنقاذاً لصاحبها من نفسه,, وصيانة للآخرين من أذاه.
***
وتمثيلاً لا حصراً لهذه الثنائية السلوكية، أقول:
*إنّ الافراط في تناول الطعام مثلاً لا يقلّ ضرراً عن الحرمان منه، كلاهما يجهد خلايا البدن، ويؤدي بصاحبه إلى شيء من إعياء لا يستوي معه قول ولا عمل!
* والافراط في الحب,, يصادر من صاحبه القدرة عليه، وقد يوقر صدره بعواطف متضاربة من الغيرة والحقد,, بل ونزغ من العدوان القاتل على من يحب أحيانا!
نتذكر في هذا الصوب النجم الامريكي الذائع الصيت (أو جي سيمبسون) الذي اتهم بقتل مطلّقته وخليلها,, وقد تضاربت الحقائق والمواقف حوله، وانقسم الرأي العام الامريكي حوله، بين مُدين له,, ودافع ببراءته، وقد فُهم من صحيفة الاتهام الموجّه ضده انه كان يحب زوجته حبّاً جمّاً وبسبب ذلك ظل يطاردها حتى بعد ان فصل بينهما (أبغض الحلال) ,, فلما اتخذت لها خليلاً,, كشأن نساء تلك الديار لم يبق في الأرض متسعٌ لغضب سيمبسون,, فقرر ان يهدّ (معبدَ حبّه) عليه,, وعلى مَن أحب! ورغم أن المحكمة الامريكية برّأته من تهمة القتل البشع، إلا ان آلافاً هنا وهناك ممن تابعوا فصول المحاكمة كانوا وما برحوا يعتقدون أنه هو (الفاعل) إما تنفيذاً أو تحريضاً والله وحده أعلم بالأمر!
وهناك المفرطون في مثاليّات العمل وأخلاقياته على نحو يضرّهم, ويضير غيرهم، فهم لا يرضون عن شيء,, ولا حتى عن أنفسهم,, لأنهم ينشدون الكمال,, في كل شيء، ويحتقرون الخطأ وفاعله إلى درجة من الهوس,, وينسون أن الكمال للخالق لا المخلوق,, وان الخطأ مدرسة يتعلم منها وفيها المرء سبل الصواب,, ونقيضهم اولئك الذين يفرّطون (بتشديد الراء) في أداء ما كلفوا به,, حتى لا يبقى لهم من الارادة أو الوقت او العزم ما يؤدون به الحد الأدنى مما كُلّفوا به,, فيكون نصيبهم الفشل! ومن عجب أن الكاره للخطأ، طلباً للكمال,, والمتساهل فيه، زهداً في الفوز,, يرِدان مورد الفشل,, في خاتمة المطاف!!
***
إذن,, فخير الأمور أوسطها,, لا افراطاً,, يُعمي البصيرة,, ولا تفريطاً,, يهمّش الارادة! والمرء السويّ هو ذلك الذي يعمل,, بلا قنوط,, ولا غرور,, ولا اسراف، وهو ذلك المقتصد,, متى أحب او كره، ومتى رضي، او غضب، وبدون هذا التوازن,, تكون الحياة,, حومةً من جحيم!
عبدالرحمن بن محمد السدحان