عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من الأخطاء المنهجية التي تحرم الانسان من تحصيل الحق والعمل به ان يدخل الانسان إلى حلقة نقاش او نقطة حوار بمقدمات مسبقة جاهزة يعاهد نفسه ان لا يغيرها مهما كان الحال فهذا ليس من سبيل العقلاء فضلا عن الذين يتنازلون عن رأيهم امام الحق وأبلجيته.
عزيزتي:
أناقش عبر هذا المقال موضوع اللغة العربية بين بر الابناء وشماتة الاعداء.
وأقصد ببر الابناء اي هل قام ابناؤنا ببرها وهذا حقها عليهم؟
أم أن أعداءها بدؤوا ينظرون إليها بالشماتة التي لاريب انها بلاء؟!
في نظري ان كل ذلك لم يحدث فهناك كثير من ابنائها لايزالون يطعنونها بخنجر مسموم مع حسن قصد وهم يظنون انهم يزدادون بكل غمسة في الدم الحنون براً
رام نفعا فأضر من غير قصد ومن البر ما يكون عقوقا |
ولعل هذا هو الخطر الداهم والمصيبة الجلل.
أما محاولة اعدائها فهي ضعيفة مستضعفة ومنبوذة بنبذنا اياهم جملة وتفصيلا لذلك حاولت ان اكتب نبذة ادلي بدلوي مع الدلاء علها ان تكون (دلوا عمرية) فأقول: لقد كثر الهرج وكل ادلى بحجته ورفع بها عقيرته ما بين مبتدئ بالاقتراح ومؤيد وآخر عائب ومعارض وما أراني إلا من الفريق العائب المعارض.
وأرجو من الوزارة التي هي كما سمعنا تدرس هذا الامر ان لا تبرم أمرا ولا تنقض غزلا حتى تسمع حجج الفريقين ثم وضعها في ميزان العقل وكفة الواقع فأيهما رجحت كان حري بها قبولها.
عزيزتي الجزيرة:
ما أجمل ان نلقي نظرة على قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الحباب بن المنذر رضي الله عنه في وقعة (بدر) حينما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالعدوة الدنيا ولم ينزل على قليب بدر فقال الحباب - متزراً بالادب الذي علمهم اياه رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا ان نتقدمه اونتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: مقولة الرجل العاقل الذي له عقل ويستشير الناس بل هو الرأي والحرب والمكيدة, فقال الحباب يارسول الله فإن هذا ليس بمنزل فانهص بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغور ما وراءه من القلب ثم نبني عليها حوضا فنملؤه ماءً ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون فقال صلى الله عليه وسلم لقد أشرت بالرأي, ثم فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اشير عليه به, ولو أردنا ان ننظر بمنظارها على واقعنا لجزأنا المسألة بقولنا:
أما الوحي فقد انقطع بوفاة (طاهر الاردان) رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق لنا إلا الرأي والمشورة وما أحسن قول الشاعر:
وأكثر من الشورى فإنك ان تصب تجد مادحاً أو تخطئ الرأي تعذرا |
وكما قيل (ماندم من استشار ولا خاب من استخار) فلعل رأيي هذا من الشورى التي ليس فيها غضاضة على من رآها خطأ فحاد عنها او رآها صوابا فاستقام عليها فأقول: أيها المؤيدون لتدريس اللغة الانجليزية في المرحلة الابتدائية: هل أجاد ابناؤنا في المرحلة المتوسطة والثانوية اللغة العربية؟ فضلا عن طلاب الابتدائية حتى نغرس في قلوبهم تعلم اللغة الانجليزية!!
إن ابناءنا في المرحلة الابتدائية بجميع فصولها لا يعدون كونهم اطفالا يستحقون منا ان نغرس في قلوبهم اللغة العربية وأن لا نزحمها بلغة اخرى!
يدخل الطفل المدرسة وهو في حالة من الارتباك بين امساكه للقلم بأصابعه وبين استماعه لمعلمه الذي امامه فيؤمر مرة بالكتابة من اليمين إلى الشمال وفي الحصة التي تليها يؤمر بالكتابة من الشمال إلى اليمين وقد ملئ قلبه خوفا وعقله زعزعة ونفسه رهقا مما لا طاقة له به ومع ذلك لا يزال لسانه حديث عهد بحروف وكليمات اخذها من افواه والديه لم يستقم قوامها بعد ثم تدمغ اذنه بكلمات ما سمع بها قط في آبائه الاولين!!
والقول الجزل: ان العاقل منا لا ينبغي له ان ينظر إلى موطئ قدمه ولكن الى منتهى طرفه فعندما يدرس الطالب اللغة الانجليزية في صغره ثم يتشرب حبها فلا تسل عن قناعته بها أو الاهتمام بغيرها.
إنا وإن خادعنا انفسنا كما طلب ذلك منا ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر حين قال ما مفاده: (انه يجب علينا ان نخادع انفسنا في كثير من مظاهر حياتنا حتى نسير مع الناس) أقول فإن خداعنا هنا ليس بمستساغ ابدا إذ ان (الاكمة وراءها ما وراءها) فحينما يجب عليناان نخادع انفسنا فإنما يكون ذلك فيما يعود عليها بالخير والنفع اما الشر والضرر فلا ولقد زعم بعض اخواننا وأخواتنا من فريق المؤيدين على صفحة هذه الجريدة ان تدريس الانجليزية في المرحلة الابتدائية ليس للاعتزاز بها بل لتساعده على الاتصال مع غير المتحدثين باللغة العربية كالخدم والسائقين وغيرهم فهي للتخاطب فقط على حد زعمهم وأقول لهم عسانا ان نكون واضحين يا أعزائي إن اعزاز اللغة بتثبيتها عند الناشئة وتفضيلها بتدريسها مع غيرها ثم ألم يئن لنا ان نفرض لغتنا على غير الناطقين بها حتى يتعلموها فهم اصحاب الحاجة (وصاحب الحاجة أولى ان يقرع الباب) هو لا غيره.
أيها الاخوة الاعزاء لا أشك طرفة عين في حسن نواياكم وطيب خفاياكم ولكن لابد من النظر في مآل الامور وعواقب النتائج.
ولو نظرنا إلى العالم الغربي لوجدناه يأنف وبشدة من ان تدرس اللغة العربية في المراحل المتقدمة التي هي سن الطفولة بل وفي المراحل العليا إلا عند القليل منهم في حالة إذا رغب الطالب في ذلك بدون ترغيب او اغراء أفلا نكون نحن اولى منهم بهذا وأعز بما عندنا بل وصل الحال إلى ان الرجل الالماني في المانيا يرفض ان يكلمك باللغة الانجليزية ولو كان يجيدها لكي يفرض عليك ان تخاطبه بالالمانية.
والمواطن الفرنسي لا يتكلم مع غيره باللغة الانجليزية إذ يعتبرونها من جملة الغزو الثقافي فاللغة الانجليزية مهما قيل عنها وصوت لها فهي لغة هزيلة ركيكة ومن كان قد أشرب حبها وأعجب بجمالها مفضلا لها على لغتنا العربية فلينظر إلى هذه السلبيات:
من أوضح عيوبها ان الكلمة الواحدة في اللغة الانجليزية تحتمل معاني كثيرة لا علاقة لها بهذا الاسم اضف إلى ذلك ان كثيرا من ضمائرها وأسمائها لا يمكن لك ان تميز نوع المقصود بها هل هو ذكر او انثى إلا بالسياق وإليك المثال:
)you( ضمير لا تدري من المخاطب به هل هو رجل او امرأة اما لغتنا العريقة فإن الضمير (انت) كفيل بأن يبين لك ما المقصود حيث يكون للمؤنث بالكسر وللمذكر بالفتح واللغة الانجليزية تطلق على بعض المهن او الحرف لفظا يحتمل المذكر والمؤنث ومن ذلك:
المدرس أو الدكتور )teacher( و)doctor( فلا تعرف هل المقصود معلم اومعلمة او طبيب او طبيبة اما نحن فعندنا علامات تدل على التأنيث كالالف المقصورة والالف الممدودة وتاء التأنيث.
كذلك في اللغة الانجليزية يوجد جمع ومفرد أما المثنى فلا يوجد إلا بذكر الرقم عدداً أو كتابة فحينما تريد ان تقول هذان رجلان فلا تستطيع إلا ان تقول: )these are 2men( كذلك هناك كلمات في اللغة العربية لا تستطيع ان تأتي بما يضارعها في قوة المعنى وقوة التشبيه ولا أريد ان اطيل في السلبيات اكثر مما اطلت.
ثم لننظر إلى السلبيات المترتبة على تعلم اولادنا لها وإليكها:
1- يكفي من تلك السلبيات ان نرى بعضا من سكان بعض الاقطار العربية اصبح كثير من كلماتهم بل ولهجاتهم الدارجة باللغة الانجليزية وعلى سبيل المثال البعض منهم يريد منك ان تناوله ماء فتسمعه يقول (عطني قلاس ماي) فكلمة (اقلاس) كلمة انجليزية حلت محل كلمة (كأس) والعجب كل العجب ان الاوروبيين اخذوا من كلمة (كأس) كلمة (اقلاس) ووضعوها على نفس المدلول فلما سمعناهم يتكلمون بها حذفنا الاصل وأخذنا الصورة.
2- انتشار كمة )ok( بدل كلمة (حاضر) او كلمة (إن شاء الله) عند فئة أكثرها من الشباب الذين يرون انهم عنوان التمدن وأساس الثقافة ولو سألته عن اولاد الرسول صلى الله عليه وسلم كم عددهم لأسقط في يده.
3- اعتماد بعض البلدان العربية على اسماء الشهور الانجليزية وترك الشهور العربية.
4- إحلال بعض الكلمات الانجليزية بين العبارات دون ان يستنكر ذلك احد او يلفت اي اهتمام ويثير اي استغراب من ذلك ما نسمعه خاصة في اسلوب الوصف فترى أحدهم يصف موقعه لآخر فيقول تحصلنا جالسين على ال)high way( ) وتأبى شفتاه ان يقول الطريق السريع,.
وهذا غيض من فيض.
محمد بن سعد الدوسري
الخرج