Tuesday 6th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الثلاثاء 20 ذو الحجة


غيوم في العلاقات الأمريكية الصينية
د, عليّ الدين هلال

مع ازدياد الوزن الاقتصادي للصين واستمرارها في تحقيق معدل نمو بمتوسط 9% سنويا الامر الذي جعل الاقتصاد الصيني يحتل المرتبة الثالثة في العالم بعد الولايات المتحدة واليابان ومع تطلع الشركات الامريكية الى السوق الصيني الذي يعد اكبر سوق استهلاكي في العالم قوامه سدس البشرية ومع رغبة الولايات المتحدة لدخول الصين في منظمة التجارة العالمية، فان العلاقات بين البلدين تتعرض لحالة من الشد والجذب المصحوبين بالتوتر (المكتوم او العلني) من آن لآخر.
وتتناول الصحافة الامريكية هذه الايام انباء عن قيام الصين بسرقة معلومات تكنولوجية ذات طابع سري ومحظور من احد المعامل الامريكية في ولاية كاليفورنيا ومع رغبة الادارة الامريكية في التعامل مع هذا الامر بشكل دبلوماسي وبما لا يؤدي الى إحداث ازمة في العلاقات بين البلدين الا ان اعضاء الكونجرس من الحزب الجمهوري يثيرون الموضوع ويطالبون الادارة الامريكية باتخاذ موقف حاسم ازاء الصين.
والحقيقة انه خلال حقبة التسعينيات تكررت تلك الازمات ففي يونيو 1991م حظرت واشنطن تصدير بعض مكونات الاقمار الصناعية واجهزة الكمبيوتر الفائقة السرعة الى الصين وذلك ردا على قيام بكين ببيع صواريخ طويلة المدى واستمر هذا الحظر حتى فبراير 1992، وفي اغسطس 1992 منعت الولايات المتحدة استيراد السلع المنتجة في السجون الصينية وفي سبتمبر من العام نفسه هددت الصين بفرض رسوم جمركية ضد المنتجات الامريكية بعد اعلان الولايات عزمها على بيع طائرات فانتوم 15 و16 الى تايوان, وفي ديسمبر 1993 اتهمت الولايات المتحدة الصين بممارسة التحايل لتصدير جزء اكبر من حصتها من المنسوجات للسوق الامريكية وفي ديسمبر 1994 اختلف البلدان حول شروط عضوية الصين في الجات ومنظمة التجارة العالمية، ثم اعترضت الصين على قيام امريكا في يوليو 1995 بمنح تأشيرة دخول لرئيس تايوان لي تنج هوى لزيارة خاصة حضر خلالها اجتماعا لخريجي الجامعة التي تخرج فيها.
ووقتها اعترض وارن كريستوفر وزير الخارجية الامريكي على منح الرئيس التايواني تأشيرة الدخول ولكن تحت تأثير نفوذ اللوبي المؤيد لتايوان داخل الكونجرس وخارجه، غيرت الادارة الامريكية موقفها وتم منحه التأشيرة وتكرر الخلاف نفسه عندما تقدم نائب رئيس تايوان بطلب تأشيرة للمرور عبر الولايات المتحدة في طريقه للقيام بزيارة رسمية الى عدد من دول امريكا الجنوبية حيث اعترضت الصين مرة اخرى متهمة واشنطن بأن في ذلك انتهاكا للموقف الأمريكي بشأن وحدة الصين.
ارتبط بذلك قرار تايوان بالدعوة لانتخابات رئاسية في مارس 1996 وتخوف الصين من ان يكون ذلك بداية لاعلان استقلال تايوان والتي تعتبرها مقاطعة صينية (متمردة) سوف تعود في المستقبل الى الوطن الام ولم تكتف الصين بالمعارضة الدبلوماسية والاعلامية وانما حركت 150 الف جندي في مناورات بالقرب من سواحل الصين الشرقية وعلى مسافة لا تزيد على 100 ميل من شواطىء تايوان.
وانعكس ذلك على تصريحات الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الامريكية الذي اكد ان واشنطن لا تجري اي اتصالات رسمية مع تايوان وانما تقوم بذلك هيئة خاصة وفقا للقانون الذي اصدره الكونجرس بشأن العلاقة مع تايوان, واضاف ان الموقف الامريكي هو ضرورة حل المشكلة بين الصين وتايوان بالطرق السلمية ومن خلال الارادة الحرة للشعبين، وان اساليب التهديد والتخويف التي تقوم بها الحكومة الصينية لا تفيد ولا تساعد على حل المشكلة, ثم اكد في النهاية ان واشنطن لا تتوقع تهديدا عسكريا جديا من جانب الصين لتايوان.
وسرعان ما نشبت ازمة اخرى عندما اتهمت واشنطن الصين بانتهاك الاتفاقية التي ابرمت بين البلدين في 29 فبراير 1995 والخاصة باحترام الصين لحقوق الملكية الادبية والفكرية, فالولايات المتحدة اتهمت الصين بقيام مصانعها باعادة انتاج اسطوانات الحاسب الآلي ونسخ برامجه التي ابتكرتها عقول امريكية ووضع علامات تجارية مزورة عليها مما يؤثر بالسلب على قدرة الولايات المتحدة على تصدير هذه المنتجات.
من ناحية اخرى ردت الصين على هذه الاتهامات بأنها نظمت حملات على المتاجر ومخازن الجملة وقامت بمصادرة هذه المنتجات التي تحمل علامات تجارية مزورة كما انها وضعت مشرفا حكوميا في كل مصنع وعلى كل خط انتاج للتأكد من مدى التزام المصانع بالقواعد الموضوعة، وردت الولايات المتحدة بأن الصين قامت بالفعل بمداهمة التجار ولكنها لم تسع لاستئصال المشكلة من جذورها وذلك بفرض رقابة صارمة على المصانع وخطوط الانتاج وهددت وقتها بفرض عقوبات على الصادرات الصينية لامريكا.
ثم هناك الاتهام الامريكي المستمر للصين بعدم احترام حقوق الانسان، ونذكر في هذا المجال الخلاف الذي نشأ حول (هاري وو) وهو ابرز زعماء حركة حقوق الانسان في الصين والذي يحمل الجنسية الامريكية اذ اتهمته الحكومة الصينية بالتجسس ثم تم الافراج عنه فيما بعد, ورغم دعوة جمعيات حقوق الانسان في الولايات المتحدة الى ضرورة الربط بين تنشيط العلاقات الامريكية مع الصين ومدى احترام بكين لحقوق الانسان فإن الادارة الامريكية غلبت اعتبارات المصالح الاقتصادية ومنحت الصين وضع الدولة الاولى بالرعاية, ومنذ مايو 1994 اعلن الرئيس كلينتون ضرورة عدم الربط بين مسألة التجارة وقضايا حقوق الانسان, وهناك ايضا الاتهام الامريكي للصين بمساعدة باكستان في بحوثها التي جعلت منها قوة نووية مما يؤدي الى انتشار السلاح النووي وخلق اجواء من عدم الاستقرار في آسيا.
من ناحية اخرى فإن للصين تحفظاتها ومشاكلها تجاه الولايات المتحدة فهي لا تستريح لسيادة (قطب واحد) في العالم وتعبر صراحة عن رفضها لسيادة القطب الواحد ولانفراد الولايات المتحدة باتخاذ قرارات تدخل في اختصاص مجلس الامن، كما اعترض الرئيس الصيني مؤخرا في جنيف على قيام امريكا بإحياء مشروع اقامة نظام دفاعي ضد الصواريخ على اساس انه يؤدي الى سباق تسلح جديد.
هذه هي الخلفية السياسية والاقتصادية لحالة العلاقات بين الدولتين الكبريين والتي تتسم (بالتوتر المحكوم) وممارسة الشد والجذب ولكن دون الوصول الى مواجهة او صدام مباشر, فالصين لا تستطيع ان تغفل الدور المتميز للولايات المتحدة في النظام الدولي المعاصر او حجم مصالحها مع واشنطن، ومن جانبها فإن الولايات المتحدة لا تستطيع هي الاخرى ان تغفل حقيقة التقدم الاقتصادي المطرد الذي احرزته الصين والذي يؤهلها لان تكون القوة الاقتصادية الثانية في العالم مع مطلع القرن الحادي والعشرين, وبين هذا وذاك تتأرجح مواقف الدولتين.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
القوى العاملة
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved