كلما طالعتني صفحة خطوات بقطعة أدبية للكاتبة مها الزبيري كلما بزخ داخلي ذات السؤال لم لا تكتب المبدعة مها الزبيري الرواية, وأنا أراها تمتلك ادواتها فهي تمتلك القدرة على الاسهاب والوصف والتفصيل فتصور جو القصة موضحة وشاملة ومتضمنة معاني واسعة، وتفسيرات مفصلة هذه القصة زوجي الغاضب ليس المقياس لما اذكر للمواقف التي تجتزها من الحياة لتكتب عنها، إلا ان الكاتبة في كتاباتها القصصية دائما ما تفتقر الى الحوار الذي له دور بالغ في دفع الأحداث, وشرح العواطف والاسهام في تطوير أحداث القصة ودفعها نحو النهاية المستهدفة، وقد قال توفيق الحكيم عن الحوار ومن العجيب في الحوار انه يؤدي هذه المهمات كلها في الوقت عينه، فقد يرسل العبارة من عباراته ارسالا على لسان شخص، فاذا هي محملة بمختلف المهام ففيها اخبار بحادثة، وفيها تكوين لشخصية وفيها خلق لجو، وفيها تلوين لروح مظلم او مفرح,, كشأن البيت في القصيدة، ينطلق حاملا الى النفس عذوبة ووزنا وفكرا ومعنى وصورة إلا ان المسؤولية لا تقع على عاتقها المبدع فقد لاحظ الباحثون انه لا يكفي ان يوجد المبدع الواعد بل يجب ان يجد الموقد الذي يؤجج شعلته.
وأجد هذه الفرصة تفتح أمامي المجال لأطرح قضية متغيبة في ميداننا الأدبي فاذا كانت الرواية في نهضتنا الأدبية الحاضرة لا تلقى الأقبال او الاهتمام ونحن نجد انفسنا في امس الحاجة الى ان نختار من المبدعين من نشعر بأن أسلوبه يتناسب وأسلوب كتابة الرواية في مقابل موجة كتاب القصة القصيرة التي تفتقد لما تتميز به الرواية من خاصية الشمولية في تصوير زمن ممتد يحمل في طياته البيئة والتبدلات فيها والمجتمعات وتطوراتها والتسجيل للأحداث التاريخية وردات الفعل عليها من منظور اجتماعي بحت ليس دراسيا او سياسيا، مصورة جزئيات حياتنا وأيامنا ونهضتنا التي تستحق ان يشار إليها في الأعمال الأدبية.
أعود فاوضح ان كل موهبة تحتاج الى وجود الراعي او النصير او النموذج القدوة والمشرف وقد اشار شتاين 1957 (stcin) الى انه بدون فرد او مجموعة تتبنى المبدع وتيسر له النمو وتحثه على التقدم وتأخذ بيد انتاجه فانه لن يصل الى ما يجب ان يصل اليه فكتابنا الفطاحلة وأدباؤنا المتميزون والذين يشار إليهم بالبنان يقع على عاتقهم هذا الأمر وهو أن يقوموا بدور الراعي للمواهب بل المتبني والموجه تماما مثلما يفعل المشرفون على رسائل الدكتوراة والماجستير العلميتين، لان فن الاستاذية الراعية لا يقتصر فقط على التعليم في المدارس والجامعات، فليس ثمة شك في أن الاستاذية او كما اصطلح على تسميتها بالمنتورية mentorin تعود التسمية الى منتور Mentor وهو اسم لأحد شخصيات ملحمة الأودسية لهوميروس الشاعر الاغريقي القديم وكان معلما ومرشدا لابن الملك تعني الرعاية والسخاء في المنح والتشجيع للقدرات الواعدة, وتهدف الى ترقية هذه القدرات وشحذها على العطاء والابداع من خلال رعاية حكيمة وواعية يقوم بها استاذ ذو بصيرة ودراية وكفاءة وفي كتابه المتميز علاقة خاصة يذكر كرجون بورد 1991، ان 68 شخصية مبدعة في جانب او آخر من جوانب الحياة اعترفت بانه لم يكن لها ان تصل الى ما وصلت اليه إلا من خلال شخص يقف خلفهم ويشد على يدهم ويبصرهم بأخطائهم والشواهد أكثر من ان تحصى وفي كل المجتمعات قديمها وحديثها على أهمية دور الاستاذ- ليس المعلم طبعا- في تعهد المواهب بالرعاية وكذلك كانت هي العلاقة بين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وسيد المرصفي وطه حسين, وبين طه حسين وسهير القلماوي,, الخ مما يمكن ان يدخل في اطار الاستاذية الراعية او المنتورية.
ومن هنا أجد ان المبدين الواعدين من أمثال مها الزبيري ورفقاها ومن المبدعين في شتى المجالات يحتاجون الى مد يد الاستاذية الراعية اليهم من قبل المبدعين الكبار ليتبنوهم ابداعيا ويرشدوهم لما يمكنه ان ينقح أعمالهم الأدبية قبل ان تخرج الى النور ويساعدوهم ليكونوا مسجلين لجزئيات نهضتنا ومجتمعنا بأقلامهم الرقيقة فنحن نحفظ عن ظهر قلب كل شبر وكل تفصيلية وردتنا في الروايات العربية الخالدة، من البيئة والمجتمع الذي تنتمي اليه.
واخيرا يؤكد توارس 1984 ولوفري 1992 ووليز 1992 ومنورة 1997 على اهمية العلاقة المنتورية سواء من حيث الرعاية او التوجيه او الارشاد او المساعدة او النمذجة او التدريب على الانتاج الإبداعي وما يمكن ان تحققه من اختصار الجهد والزمن ولصوول الى الهدف المنشود والوصول الى الفعالية,, والتأثير فما من مبدع ناجح الا وكان طرفا في علاقة منتورية mintor - relationship.
شريفة بنت عبدالله