Tuesday 6th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الثلاثاء 20 ذو الحجة


قصر الأحلام
قصة قصيرة

كثيراً ما سمعت عنك، وقرأت الكثير ايضاً، يقولون ان من يدخله تتحقق امانيه، زيارة واحدة تكفي لتخرج وقد ملأت كفك اماني متحققة وزيارة واحدة وتصبح الخيالات واقعاً، زيارة واحدة وتصبح في قصر الاماني المتحققة، لم اصدق، لست ساذجة لأصدق ما يقال عنك كما انني لست طفلة تصدق تلك الخرافات التي تحكى لها، ما كنت اتوقع ان آتيك بقدمي، لكنه الحلم والاماني التي تريد النفس نوالها والامساك بزمامها بدت المهابة في نفسي عندما رأيتك احسست بقشعريرة تسري في جسدي ولم تستطع قدماي حملي وكأنهما قطعة من الحديد الراسخ الذي لا يذاب وقفت متأملة، مندهشة، مذهولة، لا اعرف ماالذي حل بي لم استطع التقدم خطوة اعرف انك خرافة، اعرك عيني لأرى ما امامي نعم لست خرافة نعم والله لست خرافة، ليتك معي يا امي لتري ما ارى ليتك معي لتقرصيني في اذني حتى احس بالحقيقة، نعم لست خرافة!!!
المباني الحجرية ادهشتني وكأنني في العصور الغابرة من روعة العمارة والزخارف والنقوش والحفر الرائع وهناك كلمات كثيرة منقوشة والحديقة التي تحيط بك جنة رائعة,, لم يكن امامك احد يحرسك، انك تهزأ بالخلائق اذ لم يوضع احد لحراستك، انك لا ترى من امامك تسحقهم بنظرة الاحتقار والازدراء، هناك على مقربة منك رأيت العجب، جراد وجنادب وحشرات اجتمعت في هذه المزرعة ترغب الدخول ولكنها لا تعبر عن رغبتها تلك، تقف مطأطئة رأسها لا تقوى على رفعه او النظر اليك حتى تسمح لها بالاقتراب يالك من مغرور لكنني انا سأدخل ولن آبه بك وبنظراتك وسأحصل على ما اريد وسأهزأ بك,,, ودخلت، ياالله!!!
ماهذا؟ ياللروعة انني احلم لابل اتخيل، لا، لا، انه الواقع افيقي يا سديم، انت لا تحلمين ولم يجب بك الخيال آفاق الدنيا انما انت في قصر الاحلام، تقدمي، انظري حولك، ستتحقق كل احلامك ياالهي، يا للروعة الانوار الهادئة مضاءة، والارض مفروشة بالديباج الاحمر، وعلى الجدران تتدلى اعناق الزهور وكأنها تريد البوح بشيء ما تخفيه عنا فهي ترتفع وتنزل بين هنيهة وأخرى والسلالم ياالهي، انه قصر الاحلام فعلاً,, ستتحقق كل احلامي وسأمسك خيط الامل بيدي ولن اجعله ينقطع، وسأطبع اجمل قبلة على جبين الاحلام الوردية عندما تأتي لتخطب ودي، نعم سأحطم جدران الحزن وسأفرغ الكتب من الفاظ اليأس سأقضي على الكآبه وسأعود محملة ببراعمي الصغيرة لأزرعها في ربيع حياتي الخصيب لتثمر ازاهير خير، وسأقطف ثمرة الحنان لكل البائسين وأنظم عقد الصداقة الذي انفرط على حين غفلة من الزمن سألغي كل الاحقاد، وأعيد البسمة الى الشفاه الجافة وسأغلي مياه الحقد الى ان تتبخر وتنتهي الى غير رجعة، وسأنكأ جراح الخيانة حتى تموت ولا تعود ثانية وسأسابق الزمن لأساعد المحرومين وسأنتصر في النهاية.
هذه هي احلامي التي احاول ان احفر الارض بمعولي الصغير حفرة عميقة بعمق الجراح، واسعة سعة خيالي المجنح، ولينة ليونة قلبي الغض لأضع جذورها في مياه الحب والاخلاص وأحوطها بأسلاء الصداقة المتبقية.
لقد مر على وجودي هنا فترة من الزمن، اين احلامي، تبخرت، احترقت لا,, لا انه مخادع ليس قصر الاحلام انما عريشة التضليل والسفه لم ار شيئاً من احلامي الصغيرة، لقد ذوت,, انهارت لقد تعفن الجذع ومرض ولن يستطيع المقاومة,, ستموت براعمي الصغيرة قبل ان تتفتق اكمامها، ستذوي وسأفقد صوابي ازاء ذلك سأصرخ في الفراغ لكي يسمعني احد فيجيب صرخاتي ويساعد احلامي,, ليس الا رجع الصدى، ليس الا رجع الصدى، ليس في هذه السقيفة سواي والآهات والاحزان والجراح، لن استطيع ان احقق ما اصبو اليه ماذا اسمع الريح تعزف احلى الالحان، وأغصان الاشجار تتراقص والسعادة تغمر كيان جذعي الحبيب وأحلامي تنتشي، من هذا المنقذ؟ يا هذا من انت وماالذي جاء بك,, عفواً على غلظتي وجفوتي لكنني اطفأت سراج الامل وأشعلت قنديل الاسى وتسربلت وشاح اليأس واكتنفتني الكآبة من كل جانب من اجل براعمي الصغيرة.
ومد يده يريد انتشالي من اوحال الخيانة وسبخات الغدر ومددت يدي وليتني ما فعلت,, نهضت مشيت معه، اقام بي في دار رائعة وجهز لي اجمل غرفة ووضع براعمي في الهواء الطلق وتحت جناح الشمس الذهبية بدأت الحياة تدب في روحي وأنا ارى براعمي تكبر وتنتعش لكن ذات يوم وجدت من وضع السم لتلك البراعم الصغيرة، اتهمته، انكر بشدة وقال: انه لم يساعدني ليغدر بي، ندمت على ثقتي به، كرهت المكان، كرهت الارض، كرهت حتى براعمي، أردت الخروج، النجاة بنفسي واعادة الحسابات، اردت ان القي النظرة الاخيرة على تلك الاحوال لقد كان يجلس القرفصاء، ويحدق في النجوم وعيناه تسحان الدموع ووجنتاه تحتسيها، اشفقت عليه، اقتربت منه، اربت على كتفه، نظر اليّ نظرة لها معان وقال، لن ترحلي اشحت بوجهي وانسابت الدموع على وجنتي ثم التفت وصرخت نعم لن ارحل بعد ما رأيته منك وأرحل,, ومرت السنوات على وجودي معه كان اجمل محطات عمري كان أعذب نهر استقيت منه معاني الحياة نبع لا ينضب من المشاعر، لا اعرف ماذا اقول لكن,, كلما تذكرت ذلك المكان الذي اكره وأقيم فيه احس بالقهر لأنني خدعت فيه بكلمات مزخرفة.
ليتني ما دخلت ذلك المكان ولم تقدني قدماي اليه، ليتها تصلبت، كم اكره ذلك المكان,, لقد حان موعد الرحيل، لست آسف لرحيلي عن ذلك المكان لأنني لم احبه في يوم من الايام لأنه كان السبب في قتل براعمي ذات نهار، اكره كل مافيه ومن فيه سواك انت ما يعز علي هو فراقك، صدقني انت وحدك من يستحق ان احزن عليه، شاح بوجهه عني وقال، لا تكملي واجمعي شتات نفسك بسرعة لقد دنت ساعة الصفر ونعق غراب البين، هيا اذهبي ألن تحزن لفراقي، افلتت من عينيه دمعة فشل في حبسها وتلتها اخرى وجرجرت الدموع بعضها البعض لتقف منهكة على صفحة وجهه وتخط اصدق صور التعبير,, اخذت تحدق فيه لحظة ثم انفجرت باكية وأخذت تسب ذلك المكان الذي سلب منها اغلى ما تملك ونفحها الالم والحرقة والحزن والكآبة، لم تكن تريد ان يدور الشريط ليقف على هذه اللقطة الحزينة، ولكنه الشريط وماذا تفعل؟ قالت وهي تترنم بأبيات وتشرق بغصة الالم لا اريد فراقك,, رد بحزم الرجل وصوته الهادر، اتركيني هنا لتشقي طريقك وتصنعي مستقبلك بيديك وتنحتي احلامك على جبين الزمن.
استدارت مغادرة دون كلمة وداع فقد حشرجت الغصة في صدرها وكان يسمع كل نشيج حاولت جاهدة كبته عن الخروج,, عزف على قيثارة الالم نغماً حزيناً ليصل الى مسامعها ليؤكد لها شيئاً,, وصلتها السمفونية الرائعة؟ وصلت الى قلبها ففهمتها، لابد ان تفهمها,, انا هنا اتشوق ان اسمع عنك احلى الاخبار يا سديم.
رمقته بنظرة عجلى وأسرعت خارجة من القصر لتهوي احلامها وراءها في تلك السقيفة كما يحلو لها نعتها لكنها لم تترك عزيمتها واصرارها نظرت الى السقيفة وقهقهت بسخرية مرة انت لا تساوي شيئاً!!!
صدى الأحزان
* ذلك القصر الاسطوري على نحو ما وصفته الكاتبة هو مجرد رمز الى الفكرة العامة المستحوذة ,, قد يكون بيت الزوجية مثلاً الذي تحلم به كل فتاة وترى ان كل امنياتها مؤجلة الى ان تدخل ذلك القصر بيت الزوجية فتتحقق، ويمكن ان يكون اي فكرة معادلة كدخول الجامعة او غير ذلك، وان كانت صدى الاحزان قد حددت ما يعنيه القصر من سياق القصة، فبداخل القصر الحلم تحلم بطلة القصة حلماً آخر حلم من داخل حلم بأن فارساً قد تقدم لها ليصحبها الى بيت الزوجية، تلك الامنية التي تتحقق لكل من يدخل قصر الاحلام، بل هي تطابق بيت الزوجية جغرافياً على ارض قصر الاحلام وكأنهما وجود واحد,, دخلت بطلة القصة قصر الاحلام بنيةٍ مسبقة للتحدي واثبات خرافية التصورات الشائعة عنه، وبالتالي فلا ندري من اجل اي شيء دخلته!!، وبالتالي فعند ما تحققت امنيتها داخل القصر لم يكن ذلك كافياً لإحاطتها بمشاعر الرضى والفرح فبقيت مشاعرها الاولى لحظة دخول قصر الاحلام عاملاً لتسميم حياتها في بيت الزوجية الى ان تركته فصنعت من كل هذا الانكسار سبباً مدعاً للانتصار حين تقف تحت السقيفة في القصر لتقول له انت خرافة ولا تساوي شيئاً.
امتلأت القصة بالتناقضات بلا سبب واضح ففي وسط الانبهار بالقصر تتحدث عمن يمد يده اليها لينتشلها من الخيانة والسقوط!!
وفي بيت الزوجية تتحدث عن البراعم التي تفتحت في النور والشمس والهواء وعن تسمم الجذور في ذات الوقت ليصبح الموقف السيكلوجي للبطلة شديد الارتباك بين الرضى والفرح بقناعة ان حلماً قد تحقق او الاحتجاج والغيظ من ان كل شيء يمضي على عكس ما تمنت، ومع هذا الارتباك لا يستطيع القارىء ان يحدد لنفسه اتجاهاً للانحياز ويجد له اسباباً مقنعة, ايضاً تطيل صدى الاحزان الوقوف والافراط في الوصف والتكرار بشكل يجمد الحركة في مسار الحدث في القصة ويكاد يحيلها الى مجرد مشهد ساكن لا يتحرك خاصة في الجزء الاول والاطول من القصة، وغريب ان اهتزاز موقف البطلة من هذا الوصف بين التسليم بما ترى والانكار في نفس الوقت لا يجد في الحالين المبرر الكافي,, ويزداد الامر ارتباكاً حين يتحول صوت الراوية من ضمير المتكلم الى ضمير الغائب، فبعد ان كانت تحدثنا بنفسها فجأة - في الجزء الاخير تحديداً - تغيب تماماً الراوية ليأتي من يتحدث عنها ولم يكن له وجود مسبق هذا هو صوت الكاتبة نفسها تتدخل لتزيح موضوع القصة عن كتفها وتلقي به على اكتاف اخرى غائبة ومبهمة,, وهذا عيب فني في القصة.
فكرة الحلم من داخل الحلم تهيىء مادة ممتازة لقصة رائعة افلتها هنا هذا التأرجح في الموقف والامعان في الوصف وأغلب الظن ان الصديقة صدى الاحزان لو انتبهت لهذه المثالب وخلصت منها قصتها لقدمت عملاً جيداً,
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
القوى العاملة
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved