Wednesday 7th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الاربعاء 21 ذو الحجة


لم توضح للناس الأهم يا شيخ صالح
د, عبد الله ناصر الفوزان

لم يعد لافتاً للنظر ان نسمع من الشيخ صالح بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام خطباً عصرية تتناول قضايا هامة، فقد اعتدنا منه هذا، لكن ما لفت نظري في خطبته التي ألقاها في جموع الحجيج هذا العام انها مع اهمية موضوعها واتفاق ذلك مع اهمية المناسبة حيث تحدث فضيلته عن قضايا كليّة جوهرية في الدين الاسلامي تتعلق بمكانة هذا الدين العظيم ودوره الايجابي في تطور الانسان وإسعاد الناس على وجه الأرض,,,,, أقول مع ذلك فان فضيلته قد اوضح المهم ولم يوضح الأهم.
فضيلته من اكثر الدعاة ادراكاً بأن حالة المسلمين الآن تجعل مهمة الداعية المسلم الذي يتعرض لمثل هذه القضايا شاقة جداً مقارنة بمهمة مثيله خلال تلك العصور الذهبية للحضارة الاسلامية حين كانت تلك الحضارة هي صاحبة (المثال الناجح) في الدنيا والآخرة، بعكس الحال الآن حيث اصبحت حضارات الآخرين هي صاحبة ذلك المثال الناجح (في الأمور المادية الدنيوية) الأمر الذي يوجد اشكالية في اذهان المسلمين حين يستمعون الى داعية يتحدث عن مثل تلك الكليات التي تحدث عنها الشيخ صالح كعلو مقاصد الدين الاسلامي، وشمول اهدافه، وكمال تشريعاته، وتفوقه المطلق على كل ما سواه من تشريعات ونظم بشرية في تنظيم شؤون الناس وتلبية حاجاتهم، وحلِّ مشكلاتهم، حيث ستقفز اسئلة كثيرة الى اذهانهم عن اسباب تقدم غيرهم في الأمور المادية وتخلفهم هم في ذلك، مما يجعلهم في أمسِّ الحاجة لأن يزيل الداعية من اذهانهم هذا الإشكال بحكمته ورويّته.
الشيخ صالح وهو يلقي خطبتيه يوم الجمعة الماضي كان واعياً لهذا الأمر الهام فقد اشار لتقدم الآخرين في الأمور المادية فقال واذا كنا بحاجة الى وقفة تأمل وانصاف وهم يتحدثون عن الديمقراطية والعولمة وأمثالهما من مفرزات الفكر البشري، فلا ننكر صوراً من محاسن التقدم المادي من التحسن الصحي وانخفاض معدل الوفيات في الاطفال وربط الارض من اقصاها الى اقصاها بشبكة من المواصلات والاتصالات حتى تحولت الى ما يشبه البلدة الواحدة وفجرت ينابيع هائلة من المعرفة والمعلومات لم تتوفر من قبل وقد انتظرت من الشيخ صالح وهو يصل الى هذا المستوى من المنطقية في النقاش ان ينتقل الى تشخيص الداء في احوال المسلمين الذين جعلهم يتخلفون مع انهم أولى بالنجاح، أي أن يقول لسامعيه لماذا نجح غير المسلمين في تلك الأمور التي أورد أمثلة لها وتخلف المسلمون,, فهذا هو ما كان ينتظر سامعوه ايضاحه منه - كما أعتقد - لكن فضيلته بدلاً من ذلك عدّد عيوباً لنجاح غير المسلمين تجعل نجاحهم كما قال غير متّزن فقد تساءل قائلاً: ومن حق المتأمل والمتفكر ان يتساءل: لصالح مَن كل ذلك,,,؟ ثم اجاب على تساؤله قائلاً: انه لصالح جنس على حساب الأجناس والأمم الأخرى، فعدد الجائعين في العالم في ازدياد والفجوة بين الأمم الغنية والفقيرة في اتساع واستنزفت الموارد الطبيعية من المياه ومصادر الطاقة وغيرها بشكل غير عادل مما يهدد مستقبل الاقتصاد في العالم ومن هو الذي يواجه النفايات النووية والكيميائية وكيف الأمر مع سباق التسلح المخيف هذا الذي يهدد الأرض بأسرها بصورة لم تخطر على قلب بشر من قبل,, انها حضارة غير متّزنة ,, ثم قال الشيخ صالح بعد ذلك ما معناه إن الدين الاسلامي هو دين الرحمة للعالمين والصدر الحاني على كل الأجناس وهذا قول جميل ومغزاه معروف وكان في الإمكان - مرة أخرى - ان يزداد قوله جمالاً وقدرة على التأثير لو انه اوضح اسباب عدم قدرة المسلمين على الاستفادة من كوامن القوة في الدين الاسلامي وشخّص علّة التخلف المادي ولكنه بدلاً من ذلك اكتفى بحثِّ المسلمين - بكلمات معدودة - على (النهوض ونفض الغبار لتقديم الاسلام للبشرية بصورته المثلى) وكأن الأمر بهذه السهولة بحيث يمكن ان يتم الانتفاض ونفض الغبار بمجرد الدعوة لذلك في حين ان هذا الأمر في غاية الصعوبة وهو المحتاج من الشيخ الى التحليل والتفكير والتأمل ليستطيع ان يكون مقنعاً للسامع كما يطمح ان يكون.
لا أشك في ان الكثيرين تفاعلوا مع خطبته وهي مفيدة جداً، ولكني أريد أن تزداد الاستفادة والتفاعل، فهناك من مستمعيه من سيتساءل عن جدوى التأكيد على خلو نموذجنا من عيوب (مثال الغرب الناجح ماديّاً) طالما أننا لم نهتد حتى الآن الى كوامن النجاح المادي في نموذجنا، وهناك من سيقول كيف يقول الشيخ صالح ان ذلك النجاح لصالح جنس على حساب الأجناس الأخرى مع ان الشيخ نفسه من اكبر المستفيدين منه، وربما تكون استفادته اكبر من استفادة ابناء الذين انجزوا تلك المبتكرات,,؟، وهناك من سيقول كيف يقول ذلك وهو يعلم ان هناك الآلاف المؤلفة من ابناء المجتمعات التي حققت ذلك التطور لا يجدون قوت يومهم فضلا عن ان يستفيدوا الاستفادة المثلى من تلك المبتكرات في حين أن هناك الملايين الآن من المجتمعات التي ليس لها دور في هذا التطور ينعمون بمزايا تلك المبتكرات,,؟، والمسألة يطول شرحها ولا اريد الاسترسال في ذلك لأن المقصود هو فقط ايضاح ان بعض مستمعي خطبة الشيخ قد تشوش مثل هذه التساؤلات على اذهانهم فتؤثر بالسلب على درجة استفادتهم مما قال في حين ان فضيلته كان قادراً على اضافة ما يزيل هذه الاشكالات من اذهانهم ليكون حديثه اكثر فائدة، فهو من اكثر المؤهلين لتسليط الضوء على عوامل النجاح التي لا يراها الناس ولذلك لا يأخذون بها فيزداد تخلفهم وفشلهم، ولإيضاح الأمر اكثر اقول إن كثيرين من الدعاة قادرون على تشخيص الأمراض كالتراخي والكسل والغفلة والاستسلام لأهواء النفس وشهواتها ولكن الداعية المفكر وحده هو القادر على ايضاح العلاج السليم الذي قد يتطلب عشرات الخطب في جزئية من تلك الموضوعات ليأخذ الناس معه الى تلك الطرقات الصعبة التي توصل الى الأهداف الكبرى، والشيخ صالح بلا شك من القادرين على ذلك.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved