من هواياتي الغريبة قراءة صفحات الاعلانات الفردية في الصحف, طبعاً بعد المرور (مر الكرام) على باقي الصفحات التي تغيظك, لا صفحات للأسرة تتعدى مرحلة (طبق اليوم) و(ماذا تلبسين) احيانا لانه لا يوجد فيها ما تقرؤه اذا استثنينا (ملحق الرياضة) الذي يعتبر في (الجزيرة) و(الرياض) بالذات مادة صحفية متحركة وديناميكية هذه السهرة؟ لا مجال للطفل إلا من باب سوالف (السعالي) او كيف ترتب مذاكرتك يا (ذكي) او (بطولة طفل) يكون قد انقذ طبق اللبن من فم القطة!!.
فالاعلانات تضج بالمواضيع الحافزة على التخيل الذي هو من اعظم هبات الخالق للانسان, ومع كل اعلان تحس بأنك: اما وجدت ضالتك كأن تكون تبحث عن تلفزيون (نص عمر) فتجد من يعرضه ولكن للاسف يكون الذي يعرضه في مدينة بعيدة كحفر الباطن ومرة قرأت اعلاناً عن وجود (كتب مستعملة)! ومع استغرابي لكلمة (مستعملة) التي تصلح ان يوصف بها اي شيء الا الكتب, وجدت ما هو اسوأ: اذ ان عارضها مقيم في (الهفوف) وانا ادري ان (الهفوف) في المنطقة الشرقية وبالتالي ادري انها بعيدة, ومرة قرأت عن شخص يشتري الساعات من مختلف الماركات مهما تكن مدة استعمالها وبأسعار مجزية(!) فنظرت مليا الى ساعتي فاذا هي لا تليق برجل يبدو انه يقصد ساعات (الرولكس) و(الرادو) وما لف لفهما, وساعتي حيا الله تقوم بدورها كعداد للوقت لا كقطعة للزينة! وبالطبع اغض نظري عن اعلانات الأراضي بيعاً وشراء فلست املك ارضا ولا في نيتي شراء ارض الا اذا رفعت الجريدة مكافأتي الى خمسين ألفاً, وهذا يتحقق مع سهولة الحصول على لبن العصفور او (حجة البقر)!.
ذات مرة قرأت اعلاناً شممت منه سوء النية بوضوح فهو يقول (شاب سعودي في العشرينيات, يحمل مؤهلاً من امريكا, يجيد الانجليزية (طبيعي)! بحاجة الى خادمة في مثل سنه تجيد الانجليزية وتتمتع بالجمال وتجيد الطهي وعبارة (تجيد الطهي) شاذة عن الاعلان فالرجل يبحث عن (عروس) لا عن (شغالة!).
وأسوأ صفحات الجريدة تلك التي تحمل عنوان (ميزانية الجمعية العمومية لشركة كذا) واظن انه لا يوجد على وجه الارض من يكلف نفسه عناء قراءة حرف منها واكثر ما يفعله هو تخليصها من وسط الجريدة (ليروق) ويبدو انهم اختاروا منتصف الجريدة لهذا الغرض!.
وتأتي بعدها في السوء تلك الصفحة التي تحمل مطالب (اهالي محافظة كذا,, بحاجة الى كذا,, و,,,) مع انك لو قيض لك ان تطلع على المحافظة لوجدتها لا تحتاج الى كل هذه الاشياء لأن اغلب اهاليها مقيمون في المدينة ولا يرونها الا في عطلة نهاية الأسبوع.
وللشعوب تعاملها الخاص بها مع الجرائد, فالمصريون يبدؤون بقراءة صفحة (الوفيات) ثم يعرجون على صفحة (النادي الأهلي) باعتبار ان الصفحات الرياضية شبه مملوكة له, ثم يقرؤون (ابراهيم نافع) او ما هو اسوأ (انيس منصور) ثم يبيعونها!.
وبقي شيء مهم: لماذا تظهر صحفنا يوم (الجمعة) المبارك بهذا المظهر؟! وكأنها (مغصوبة) على الصدور؟ لما لا تتزين هذه الصحف وتضع المواد الجذابة والاخبار والملاحق الملونة وتزيد عدد صفحاتها؟!,, لأن القارىء يوم الجمعة يكون (فاضي) لقراءة ما يقارب (120) صفحة!ايضا ثمة ملاحظة مهنية اخيرة: لماذا تصر صحفنا على وضع صورة الكاتب ولو كان يكتب يومياً؟, ان صورة الكاتب تشغل القارىء عن الأهم وهو الموضوع الذي كتبه, فبدل ان يجلس القارىء (يتطنز) بالصورة ادخل له رأساً بالموضوع!.
ولكن يظل عليّ - رغم كل ما سبق -ان اعترف انه اذا صارت التاسعة من صباح كل يوم ولم تصل الجريدة دخلت في دائرة الملل والانتظار, فأسوأ صباح هو ذلك الذي لا تستفتحه بجريدة.
|