Monday 12th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأثنين 26 ذو الحجة


بين أغصان الجنة يا ابن غصون

عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,, وبعد:
امتطي قلمي بحبره الباهت,, لأسطر بمداد من سويداء قلبي النابض بحب هذا الشيخ الفذ,, اسطرا اسكب روحي في كلماتها,, ليفوح منها عبير الحب الصادق,, فياليت شعري بأي اسلوب اعبر!!,, وبأي عبارات انسج ما بداخلي!!,, وأي احرف تصمد امام تلك المشاعر,,! فانها والله لتتبعثر حبا وإجلالا لهذه الشخصية الرائعة,,!! وهيهات لمثلي ان يرسم بقلمه لوحة تترجم تلك العبرات المنهمرة من لوعة الفراق وألم الرحيل,, فماذا عساي ان اكتب؟,, وبماذا ابدأ؟,, اذ ان المآثر تتزاحم امام ناظري,, يشجيني منها ذلك التواضع الجم الذي بلغ اعلى الدرجات,, فلو رأيته اخي القارىء بقامته الطويلة وهو يقف ليقبل أحد الصبيان متحاملا وصابرا امام ثقل المرض وانهاك الوجع سائلا اياه عن اسمه واسم ابيه معقبا على ذلك بكلمة (والنعم) لتظل تلك الكلمة تتردد في اذن الصغير زاهيا بها,, راسما على محياه تلك البسمة الصادقة لمن عرف ومن لم يعرف,, فمن رآه لأول مرة احبه وتقرب اليه,, اذ انها توحي لك من اول وهلة ماهية ذلك القلب الطيب, القابع بين اضلاع هذا الشيخ الفاضل,, فلا مكان فيه للغل ولا للحقد ولا للحسد ولا للبغض ولا للانتقاص لاحد من المؤمنين ,, فلسانه يترجم كل ذلك بذكر المؤمنين بأحسن صفاتهم والإعراض عن عيوبهم,.
وأذكر انه في احد الايام استدعاني فطلب مني ان احصي له جميع من في قبيلته من ارامل وايتام ومساكين,, فما كان مني بعد توفيق الله الا ان دونت له الاسماء مع ذكر حال كل شخص,, فاعطاني ذلك القلب الرحوم بكل واحد منهم مالا يسد به حاجته واكثر محتسبا بها البر والصلة من دون ان يعلم بهذا احد,, فلهجت الألسن له بالدعاء والثناء,, فكان هذا ابلغ درس لي من مرب كمثل هذا الشيخ المبارك,, رحمه الله,.
ولم يزل رحمه الله طيلة حياته ناصحا للمسلمين موجها لهم توجيها رقيقا ملؤه اليسر والسهولة,, بأسلوب لين تفوح منه رائحة الرحمة والحكمة,.
حتى انه ذات يوم وهو راقد في المستشفى أنبىء بأن احد زائريه قد تقلد منصب مدير فدعا له وشجعه قائلا له: ما وضعوك في هذا المكان الا لأنك كفؤ له,, ثم ارشده ان يا بني كن طيب القلب متسامحا غير متشدد,, وتغافل عن اخطاء زملائك الصغيرة فان كثرة العتاب تورث البغضاء ولكن كن في طريقتك معهم كما قال العوام (اكرب وجهك وارخ يديك) فخرج هذا المدير واسارير وجهه تهلل,.
واليك اخي الحبيب لفتة عن زهده رحمه الله في الدنيا ومناصبها وزخارفها وعطاياها,, محتقرا لذلك كله متجها للآخرة ليكون من ابرز ابنائها,, فاجتهد في العلم والتعليم والعبادة فأورث ذلك قناعته باليسير,, والعمل بالتنزيل والتزود ليوم الرحيل,, وما ادراك ما يوم الرحيل؟!,, ذلك اليوم المشهود حيث اكتست الرياض ثوبها الاسود حدادا على رحيل خير رجالاتها,, وخيم الحزن على الجميع,, فبرز قول الامام احمد رحمه الله عن اهل البدع والاهواء (بيننا وبينكم يوم الجنائز) بأبهى صورة واجمل حلة,, فياليتك قد رأيت تلك الجموع الغفيرة التي أدت الصلاة عليه ثم تبعت جنازته ولم تتفرق الا بعد غروب شمس ذلك اليوم,, وان كنت انسى لست أنسى اولئك الكهول الذين شابت شعورهم وتحاملوا على انفسهم كي يشهدوا الصلاة,, ولله در ذلك الشيخ الكبير فاقد البصر ذي الجسم المنهك حيث دب على الارض دبيبا ممسكا بعصاه في يد وفي الاخرى بيد ابنه خاطا بقدميه في الارض خطا,, واذا هو يزاحم الناس ليحثو في القبر ثلاث حثيات وفاء لهذا الشيخ الراحل,, ولو تراه اذ بسط يده ليوضع فيها التراب فاذا به يتناثر من بين اصابعه لرعشة الكبر المصاب بها,, ثم يلقيه داخل القبر مبللا اياه بدموع المحبة التي حدت به ليتحامل على نفسه كل هذا التحامل مكررا هذا المشهد ثلاث مرات,, ويالله العجب، إيصنع الحب في الله والوفاء كل هذا الصنيع؟!!وها انا اغص بعبرة تخنقني ثم تمنعني عن بث شجوني وما اجده في صدري من مواقف وعبر من حياة هذا العلامة سائلا الله ان يجمعنا في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر,, واخيرا طبت حيا وميتا يا ابا علي,.
طارق عايد العايد
الرس
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
ملحق الجبيل
عزيزتي
الرياضية
الطبية
تغطيات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved