Monday 12th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأثنين 26 ذو الحجة


الدكتور الشميمري في حديث موسع
الضوضاء في المستشفيات تؤخر شفاء المريض
قسم العناية المركزة أكثر الأقسام ذات المستوى العالي من الضوضاء والإزعاج
للضوضاء دور كبير في فشل محاولات المريض الاستغناء عن جهاز التنفس الصناعي

يعاني المرضى والعاملون في المستشفيات من مشاكل الضوضاء داخل الأقسام وغرف المرضى والمكاتب، ولم يكن يُعرف في السابق أثر ذلك على المرضى سوى الانطباع العام لدى الناس عن أهمية الهدوء والراحة للمريض.
إلا ان هناك دراسة قبل سنوات ألمحت بشكل سطحي الى ضرر الضوضاء على المريض وانها قد تكون من العوامل المؤخرة لشفائه، حيث ذكر الدكتور عبدالله عبدالرحمن الشميمري استشاري الأمراض الصدرية والعناية المركزة ورئيس قسم الصدرية بمستشفى الملك فهد للحرس الوطني بالرياض ان هذه الدراسة اثبتت ان مدة بقاء المرضى في قسم الجراحة زادت يوما واحدا عن المعدل الطبيعي المتوقع وكان ذلك متزامنا مع أعمال معمارية لبناية بجانب المستشفى,, واستنتج الباحثون بتلك الدراسة ان الضوضاء الصادرة من الأعمال المعمارية ساهمت في ازعاج المرضى واضطراب وضعهم الصحي وتأخر خروجهم من المستشفى بمعدل يوم واحد,وهذا اليوم قد يكلف الكثير من الوقت والمال والجهد في تقديم الخدمة الصحية للمريض بالاضافة الى خطورة بقاء المريض داخل المستشفى دون داعٍ لاحتمال تعرضه لالتهابات عدوى المستشفيات والتي عادة ما تكون بسبب بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية وخطيرة على المريض.
اعتلال العناية المركزة الذهني
وأشار الدكتور الشميمري الى انه بحكم عمله أيضا في العناية المركزة لاحظ كثيرا من الحالات التي تحدث بسبب اضطراب نمط النوم والحرمان من النوم لدى المرضى المنومين في العناية المركزة وأدى ذلك الى حدوث اعتلال ذهني يجعل المريض غير قادر أحيانا على معرفة أهله وأقاربه وفي حالة توتر وهيجان وغير متمكن من التمييز ولا يتعاون مع الفريق الطبي ويسمى ذلك اعتلال العناية المركزة الذهني .
حيث يُعد قسم العناية المركزة من أكثر الأقسام التي تعاني من الضوضاء الشديدة التي تحرم المريض من متعة النوم الهادىء المستقر الذي يحتاجه لإراحة جسمه وبناء عضلاته الضعيفة بسبب المرض ونقصان التغذية.
ولذلك ساد اعتقاد لدى العاملين بالعناية المركزة ان الحرمان من النوم سبب مباشر يؤدي الى اضعاف عضلات الحجاب الحاجز وعضلات التنفس الأخرى وبالتالي فشل المرضى أثناء محاولات الاستغناء عن جهاز التنفس الصناعي وتدهور حالتهم الصحية تبعا لذلك.
وذكر الدكتور الشميمري اننا نعمد الى إراحة مريض العناية المركزة بالليل بالمهدئات والمنومات حتى يأخذ قسطا من الراحة ويكون مستعدا لمحاولات الاستغناء عن جهاز التنفس الصناعي أثناء النهار، فهو يعاني عادة من مشاكل كثيرة تمنعه من النوم او تحرمه من النوم الكافي إما بسبب التدخلات العديدة أثناء علاجه او بسبب المعاناة من المرض أو الألم، وزاد الطين بلة الضوضاء العالية في أقسام العناية المركزة التي تجعل من امكانية الحرمان من النوم شيئا متوقعا لكل مريض وبالتالي تأخير بقائه في العناية المركزة لمدة أطول قد يتعرض فيها لمضاعفات جديدة بسبب وجوده داخل العناية المركزة دون داعٍ مثل التهابات الجهاز التنفسي او الجهاز البولي أو تسمم الدم بسبب عدوى المستشفيات التي لا يمكن السيطرة عليها بشكل مرضٍ.
وأكد الدكتور الشميمري أن هذا الاعتقاد وهذه الإجراءات التي نقوم بها بالعناية المركزة أصبح لها الآن ما يبررها بشكل علمي مدروس حيث أشارت دراسة حديثة عن مستوى الضوضاء في العناية المركزة انه قد يصل الى أكثر من 80 ديسيبل وهذا المستوى يعادل صوت بيجر مقرب الى أذن المريض طوال الوقت دون توقف، ولكم ان تتخيلوا مدى الازعاج والضجيج الذي يحدث للمريض بسبب هذه الضوضاء.
مصادر الضوضاء في المستشفى والعناية المركزة
ويرى الدكتور الشميمري أن مصادر هذه الضوضاء في العناية المركزة والأقسام الأخرى كثيرة مثل أجهزة تكييف الهواء، ومنبهات أجهزة المحاليل الوريدية والمغذيات ومنبهات أجهزة التنفس الصناعي، ومنبهات أجهزة مراقبة النبض والضغط والأكسجين، وأصوات أجهزة التلفزيونات المنتشرة في غرف المرضى والممرات، ومن أجراس التليفونات ومن أجهزة التبخير وأجهزة النداء الصوتية وبيجرات العاملين بالمستشفى والزوار، ومن محادثات الطاقم الطبي والممرضات وعاملي النظافة والاستقبال ومن محادثات الزوار.
مما سبق كما يذكر الدكتور الشميمري ليس من المستغرب أن تحدث تلك الضوضاء المزعجة وبشكل دائم في المستشفيات والتي أعدت اصلا لتوفير مناخ من الراحة والهدوء للمرضى، إلا انه ما يثير للدهشة هو ان مستوى الضوضاء فاق وبكثير ما أوصى به مجلس البيئة الأمريكي لمستوى الضوضاء بالمستشفيات ووصل في هذه الدراسة عشرة أضعاف المستوى المسموح به, والذي يدفع الثمن من جراء هذا الارتفاع الشديد في مستوى الضوضاء هو في النهاية المريض الذي سيعاني بسبب ذلك من الحرمان من النوم او تقطع النوم بشكل متكرر مما يؤدي الى آثار عكسية على صحته وسرعة شفائه.
الحلول المقترحة مقدور عليها
وأكد الدكتور الشميمري أن الحلول المقترحة لهذه المشكلة مقدور عليها وموثقة بالدراسات العلمية الحديثة حيث ان حوالي نصف مصادر الضوضاء بالمستشفيات يمكن تجنبها او على أقل تقدير خفضها والتقليل منها, وأقرب مثال على ذلك الاصوات الصادرة من التلفزيون ومن المحادثات الجانبية للموجودين بالمستشفى من عاملين وزوار ومرافقين.
حيث ان المحادثات العادية داخل أروقة المستشفيات وفي غرف المرضى تحدث ضوضاء بمعدل 84 ديسيبل (عشرة أضعاف المستوى المسموح به في المستشفيات) كما أنه يمكن تجنب الاصوات الصادرة من التلفزيون بالتقليل من عدد الأجهزة المنتشرة في المستشفى أو تجنب وضعها في أماكن يمكن متابعتها من خارج الغرف او تجهيزها بسماعات شخصية متصلة بسرير المريض وبجانبه بحيث يستطيع التحكم بحجم الصوت بسهولة او بكل بساطة إغلاق التلفزيون عند عدم الحاجة لمتابعته ولكن ما يحدث حاليا هو ان بعض المرافقين والزوار والعاملين في المستشفى يبقون أجهزة التلفزيون مفتوحة باستمرار دون متابعة إلا مجرد نظرة عابرة بين الحين والآخر.
اما بالنسبة للضوضاء الصادرة من المحادثات فيمكن تقليلها بتثقيف العاملين بالمستشفيات وتوعية الزوار والمرافقين بضرورة خفض اصواتهم قدر الامكان اثناء التخاطب والتقليل من النقاشات داخل غرف المرضى وردهات المستشفى.
كما ان الالتزام بساعات محددة للزيارة والتقليل من عدد الزوار في الغرفة وكذلك حصر السماح للمرافقين على الحالات المحتاجة للمرافقة فعليا يؤدي الى التقليل من الضوضاء وبشكل كبير.
أهمية إجراءات خفض الضوضاء
واستطرد الدكتور الشميمري مؤكدا أن الطلب من العاملين بالمستشفيات والمرافقين والزوار لاستخدام او وضع بياجرهم وأجهزة النداء الآلي على وضع الهزاز بدلا من النغمات المزعجة والنشاز احيانا يساعد على تقليل الضوضاء حيث يجب عدم الاستهانة بهذه الاجراءات والتعليمات فخفض حجم الضوضاء ولو بشكل قليل له آثار إيجابية كبيرة على مستوى الضوضاء العام في المستشفيات فلو نقص مستوى صوت معين مثلا من 80 ديسيبل الى 70 ديسيبل فقط فإنه يؤدي هذا الى خفض الضوضاء الى النصف تقريبا, أما توعية العاملين والزوار والمرافقين حول خفض أصواتهم اثناء التخاطب والتقليل من المناقشات واستعمال أجهزة البيجرات على وضع الهزاز فإنه أدى في دراسة حديثة الى خفض الضوضاء بمقدار 65 بالمائة متى ما استجابوا لذلك وكانت لديهم الحوافز الكافية للتعاون.
ونبه الدكتور الشميمري الى ان مستوى الضوضاء في المستشفيات قد يدور في حلقة مفرغة تتبعها تداعيات وارتفاع تدريجي في مستوى الضوضاء يوصلها الى حد الضجيج, فمن الطبيعي اذا كان صوت جهاز التلفزيون عاليا سيضطر من حوله للتحدث بصوت أعلى ليسمع بعضهم الآخر وربما يجعلهم أحيانا في وضع لا يستطيعون سماع التلفزيون فيرفعون صوت التلفزيون أكثر للاستماع اليه.
وهكذا يجد المريض نفسه وكأنه وسط شارع رئيسي في المدينة وفي وقت الذروة او في احد أسواق المزايدات الصاخبة مثل الحراج.
استخدام المواد العازلة
واختتم الدكتور الشميمري حديثه قائلاً ان للمشرفين على تجهيز المستشفيات دوراً كبيراً في خفض مستوى الضوضاء اذا ما استعملوا مواد البناء الخاصة لامتصاص الضوضاء وعزل الصوت في الأسقف والجدران، وتجهيز غرف العناية المركزة بأجهزة مراقبة مركزية للمنبهات الصوتية بعيدا عن سرير المريض وخارج غرفته والاكتفاء بالمنبهات والمؤشرات الضوئية قرب المريض.
وآخر الحلول للقضاء على الضوضاء او تخفيف اثرها على المريض هو اللجوء أحيانا الى وضع سدادات الأذن للمرضى للتقليل من تعرضهم للضوضاء رغم صعوبة ذلك وعدم عملية هذا الاجراء في بعض الأحيان.
ولا بد من التأكد مجددا ان هناك الكثير من الأشخاص في المستشفيات وللأسف قادرين وبمهارة على رفع اصواتهم او أصوات الأجهزة السمعية والبصرية متجاهلين أن هذا قد يؤدي الى إيذاء اخوانهم المرضى والتأثير عليهم وتأخير شفائهم وإطالة بقائهم بالمستشفى مما يجعلهم عرضة أكبر لعدوى المستشفيات وربما انتكاس حالتهم الصحية, فلا بد من بذل الجهود والتعاون كلاً في مجاله للقضاء على ظاهرة الضوضاء بالمستشفيات التي اصبحت ظاهرة مزعجة ومقلقة الى حد كبير.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
ملحق الجبيل
عزيزتي
الرياضية
الطبية
تغطيات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved