مرت الصحافة السعودية بمرحلتين رئيسيتين لكل مرحلة منهما سماتها ولونها واهتماماتها، فالمرحلة الاولى بدأت عام 1924م وانتهت بعام 1964م، وكان من ابرز سماتها ان ملكية المطبوعات الصحفية كانت تعود لشخص واحد تحصل على امتياز اصدارها، وهي تمثل في معظمها صحافة الرأي، ومسرحاً لعرض الآراء والافكار ومناقشة البحوث والدراسات النقدية، وتهتم بالانتاج الأدبي، بينما يقل اهتمامها بالاخبار السياسية او ما يسمى بصحافة الخبر، ويبدو ان ذلك يعود إلى صبغ المطبوعة بثقافة صاحب الامتياز أو رئيس التحرير، حيث ان معظمهم من الادباء والمثقفين وذوي الاهتمامات الفكرية الرصينة.
كما ان اهتمام هذه المطبوعات ينحصر في مجمله في انتاج ابناء المنطقة التي تصدر فيها، نظراً لصعوبة توزيعها في مناطق المملكة العربية السعودية لتعذر وسائط النقل السريعة آنذاك.
أما المرحلة الثانية من عمر الصحافة السعودية فقد بدأت عام 1383ه - 1964م بصدور نظام المؤسسات الصحفية الذي صدر بالمرسوم الملكي رقم 62 وتاريخ 24/8/1383ه، بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 600 وتاريخ 20/8/1383ه وبهذا القرار طويت مرحلة صحافة الافراد وحلّت محلها مرحلة صحافة المؤسسات الاهلية التي يشترك فيها المواطنون، ومن اهم ما ميزها هو مواكبتها للاحداث المحلية والعربية والعالمية، وادخال أحدث تقنيات العصر في مجال الطباعة والكمبيوتر وانتهاج الاساليب الاخراجية الحديثة وأخيراً الانترنت والانترانت وتوفر الكوادر الصحافية السعودية القادرة على قيادة العمل الاعلامي والصحافي بصورة تتلاءم وروح العصر وتستجيب لمتطلباته, وقد تمكنت صحافة المؤسسات من تعزيز كيانها عبر مجموعات متضامنة منظمة مؤهلة متمكنة من ممارسة العمل الصحافي او توجيهه الوجهة الصحيحة، ولعل من اهم ملامح فلسفة تكوين المؤسسات الصحافية من مساهمين ملاك لها هو مزج قدرات اصحاب الملاءة الاقتصادية بقدرات اصحاب الفكر والرأي والثقافة لتعميق الانتماء لهذه المؤسسات بهدف تكوين مشاريع اعلامية صحافية تدار بطريقة ذاتية.
وقد تطلعت بعض المؤسسات الصحافية الرائدة الى توسيع دائرة عضويتها باستيعاب المحررين الصحافيين العاملين فيها بدلا من قصرها على الاعضاء المساهمين المالكين لها، بصورة أوضح تجاوز هؤلاء المساهمون الملاك رغبة التعامل مع الصحفي باعتباره موظفا صغيراً يعمل لديهم، ولا ينبغي عليه التطلع إلى عضوية المؤسسة التي يعمل فيها كمساهم ومالك الى جانبهم, فالواقع أنه هو الذي يحترق ليل نهار لخدمة المطبوعة، ولا ينكر العقلاء بأن الصحفي هو المحور والركيزة الاساسية لنجاح المطبوعة وما تحققه من مشاريع اعلامية بما تدره من ملايين الريالات .
وقد تنبهت بعض المؤسسات الصحافية لأبعاد أهمية انضمام المحررين الى عضوية المؤسسات وفوائدها لكونهم سوف يشعرون انهم يعملون في مشروع اقتصادي خاص بهم عبر اسهامهم الفعّال والمؤثر في تقديم المقترحات البناءة لتطوير المؤسسة بهدف زيادة نجاحها، وتقديم تفاصيل دقيقة توافرت لهم من خلال ممارسة العمل التحريري والاداري والالتصاق بشرائح المجتمع المستهدف بالرسالة الاعلامية، وبالتالي فإنهم قادرون على ملامسة مكونات زيادة المبيعات والاعلان وكافة المشاريع الاعلامية المرتبطة والمنبثقة من المؤسسة.
ومؤسسة اليمامة الصحافية بالرياض هي احدى المؤسسات الصحافية الرائدة التي وضعت من اهم اهدافها اتاحة المجال بيسر وسهولة لادخال المحررين والاداريين العاملين في مطبوعاتها ضمن اعضائها المساهمين المالكين لها، فقد بدأت أولى خطواتها في هذا الميدان في بداية التسعينات الهجرية وقبل ان تتوفر لهذه المؤسسة العناصر الصحافية بهذا الحجم وهذا التأهيل عددا وكيفا، وذلك بخلاف وقتنا الحاضر فقد قامت المؤسسة آنذاك بضم كل من محمد العجيان وصالح الصويان ثم تركي السديري رئيس تحرير صحيفة الرياض الحالي مما يعني ان ما قامت به مؤسسة اليمامة في بداية التسعينيات حيال ادخال الصحافيين في دائرة عضويتها هو نهج قديم ومتواصل للمؤسسة وقد جاء نتيجة قناعات لدى المساهمين الملاك لمؤسسة اليمامة الصحافية.
ومما يؤكد انه نهج ثابت هو استمرار الاحتفاء بالصحافيين والاداريين العاملين فيها، فبعد ان توفرت الكوادر الصحافية في تحرير صحيفة الرياض اتيحت الفرصة لدخول (6) كفاءات جديدة الى عضوية المؤسسة ثم (6) كفاءات أخرى في دفعة تالية اضافة إلى آخرين على فترات متقطعة وتوجت هذه المؤسسة الرائدة نهجها البناء منذ شهر تقريبا بضم (8) كفاءات تحريرية وادارية إلى عضويتها ليصل العدد إلى (23) شخصا من الادارة والتحرير من (53) عضواً مساهما يشكلون مجموع المساهمين المالكين للمؤسسة, وعلى حد علمي ان مؤسسة اليمامة الصحافية هي اول مؤسسة صحافية بادرت إلى السير قدما في هذا النهج الذي لم يقتصر فقط على مركزها الرئيسي بمدينة الرياض، بل شمل كل من خدم المؤسسة من مديري مكاتبها في مناطق المملكة المختلفة.
ونحن نعلم ان الدولة تشجع المؤسسات والشركات في القطاع الاهلي الى تبني ان يكون العاملون فيها من الركائز المهمة من مجموع المساهمين الملاك لها,, وقد كان قرارها الغاء صحافة الافراد وتحويلها إلى صحافة المؤسسات المساهمة يصب في نفس الهدف الذي انتهجته مؤسسة اليمامة الصحفية.
وقد تبعت مؤسسة اليمامة الصحفية مؤسسات صحفية اخرى، اخذت بذات النهج الذي اصبح ركيزة ميّز نجاحات هذه المؤسسات وظهرت بوادرها المشجعة على الساحتين السعودية والعربية.
د, خالد آل هميل