مخاطر العولمة على الهوية الإسلامية 3-5 د, محمد عمارة |
* وهذا الذي كان ينفذه في المشرق العربي (الجيش الثقافي) من خريجي مدارس الارساليات - في ظل حراب الاستعمار - كانت تنفذه - في المغرب الغربي - الادارة الفرنسية الاستعمارية - تنفذ ذات المقاصد:
محو الهوية الثقافية الاسلامية - واستخدام الترغيب والترهيب في تعميم النموذج الغربي ببلادنا واحلال منظومة قيمهم بل ولغتهم وقوانينهم، محل نظائرها العربية والاسلامية,, لقد ارادوا فصل الاسلام عن اللغة العربية، وفصل القانون عن الشريعة الاسلامية وذلك لإحلال الفرنسية محل العربية، واحلال القانون الفرنسي محل فقه المعاملات الاسلامي، وتحويل الاسلام الى عقيدة لا سلطان لها في المجتمع والدولة والحياة,, وتحويل العربية الى لغة ميتة تشبه اللاتينية,, وقالوا عن مقاصدهم هذه: (ان الاسلحة الفرنسية هي التي فتحت البلاد العربية وهذا يخولنا حق اختيار التشريع الذي يجب تطبيقه في هذه البلاد لذلك يجب ان نفصل بين الاسلام والاستعراب فالعربية هي رائدة الاسلام لانها تُعَلَّم من القرآن,, وفصل الدين عن القانون المدني وادماج العرف في القانون الفرنسي بدلا من ان نراه يندمج في القانون الاسلامي,, وحصر الاسلام في الاعتقاد وحده,, وبهذا لايهمنا كثيرا ان يضم الاسلام الشعب كله او أن آيات من القرآن يتلوها رجال بلغة لا يفهمونها, فالديانة الكاثوليكية تستعمل اللغة اللاتينية والاغريقية والعبرانية في قداديسها) (20) .
تلك هي الجذور والخلفيات التي مثلت مقاصد وانجازات الغزوة الغربية لوطن العروبة وعالم الاسلام على امتداد القرنين الماضيين وفي مرحلة (غواية الترغيب والترهيب).
وعند هذا الحد نتساءل:
- ما الجديد الذي جعل الغرب ينتقل في علاقاته بنا - من مرحلة غواية الترغيب والترهيب التي لم تفقدنا حرية الاختيار باطلاق - الى مرحلة (العولمة) عولمة نموذجية القيمي والثقافي والحضاري، التي تجتاح - ضمن ما تجتاح - ما كان لنا - ازاء التغريب - من حرية واختيار؟؟
مرحلة العولمة:
ان تطور علاقة الغرب بالشرق - والشمال بالجنوب من مرحلة غواية الترغيب والترهيب - التي لم نفقد فيها كل حرياتنا في الاختيار - الى مرحلة العولمة والقسر والقهر الذي يريد نفى كل الحدود والسدود واجتياح كل الوان الحرية والاخيار,, ليس مبعثه ضعف فينا الآن اكثر مما كنا عليه في المرحلة السابقة,, بل ربما كان العكس هو الصحيح,, فأمتنا الآن في مرحلة استيقاظ,, واغراء الغواية التغريبية هي الآن اقل تاثيرا فينا مما كانت عليه في السابق رغم تعاظم سطوة المؤسسات التي تبث وتصدر التغريب,, لان عيوب النموذج الغربي وامراضه قد ظهرت الان اكثر مما كانت ظاهرة في القرنين الماضيين ,, وحال المتغربين من مثقفينا هو الآن اكثر بؤسا واعظم افلاسا من حالهم ابان بواكير الانهبار بالتغريب,.
وايضا,, فليس المرجع في تعاظم مخاطر التغريب والوصول الى عولمته، هو زيادة قوة الغرب الآن عما كانت عليه في المرحلة السابقة,, وانما الجديد الذي انتقل بالتغريب من مرحلة غواية الترغيب والترهيب الى العولمة التي تريد القسر والقهر والاجتياح لخصوصياتنا الحضارية والثقافية والقيمية هو تجاوز الغرب - كحضارة - لمرحلة الصراعات بين دوله القومية، وحقبة الحروب الاستعمارية بين امبراطورياته,, وايضا تجاوزه لمرحلة الشقاق والصراع الاجتماعي بين الليبرالية الرأسمالية والشمولية الشيوعية، فلأول مرة ومنذ الاحتكاك العنيف بين الغرب وبين امتنا - يتجاوز الغرب هذه التناقضات العدائية والصراعات المسلحة,, لقد ضبط الغرب تناقضات مطامعه عند حدود المنافسة الداخلية لا الصراع المسلح، فتوحدت قبضته ضد الحضارات الاخرى واستجمع عافيته المتجبرة والغى الهوامش والتناقضات التي كانت تستفيد منها شعوبنا الساعية الى التحرر الوطني من استعماره التقليدي,, واعلن ان نموذجه هو نهاية التاريخ وقدر البشرية وان (صراع الحضارات) - لا الغواية الحضارية والثقافية - هو الاسلوب الوحيد للتعامل مع الحضارات والامم غير الغربية,, فكان هذا الجديد هو (العولمة) التي يدور حولها الحديث,, عولمة التقنين للنموذج الغربي والزعم بأنه هو النموذج العالمي والسعي لفرضه على حضارات الجنوب,.
واذا نحن شئنا نماذج - مجرد نماذج - لهذا الذي يريدونه بنا - باسم العولمة - فاننا واجدون - على سبيل المثال:
في منظومة القيم:
في ظل هيمنة الغرب على المؤسسات الدولية - وخصوصا مجلس الامن الدولي,, الذي اصبح شبيها بمجلس الامن القومي الامريكي: اخذ الغرب يقنن منظومة قيمة في مواثيق يسميها (دولية) ليفرضها - باسم الامم المتحدة على العالم بأسره - صنع ذلك في مؤتمر السكان والتنمية بالقاهرة سنة 1994م وفي مؤتمر المرأة في بكين سنة 1996م.
وكنموذج لهذه الحقيقة رأينا تسويد قيم الاباحية الغربية في وثيقة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية فتجعل:
- الجنس - الذي اسمته (الصحة الجنسية والصحة التناسلية، بمعنى التمتع بأعلى مستوى ممكن من المتعة الجنسية),, تجعل هذا الجنس كالغذاء، حقا من حقوق الجسد الانساني، وذلك بشرط ان يكون (مأمونا ومسؤولا) ودونما اشتراط الشرعية والحلال والمشروعية في هذه المعاشرات ي الجنسية,, ومع اباحة هذه المعاشرات الجنسية للافراد - وليس للازواج فقط وفي الاطار المثلى - بين الشواذ والشاذات,, الامر الذي تجاوز احترام الاسرة وحرمتها,, مع جعل هذا (الحق) ايضا للمراهقين والمراهقات,, بالجنس والحمل والاجهاض والولادة حقا للجميع,.
واذا كنا نشكو من احكام (الباب السابع) في ميثاق الامم المتحدة التي تختص شعوبنا بالمحاصرات والعقوبات - فان (الفصل السابع) من وثيقة مؤتمر السكان يتحدث عن هذه الاباحية الجنسية فيقول: (انها حالة الرفاهية البدنية والعقلية والاجتماعية الكاملة المنطوية على ان يكون الافراد - (لاحظ تعبير الافراد) - من جميع الاعمار، ازواجا وافرادا - (كذا) - فتيانا وفتيات، مراهقين ومراهقات قادرين على التمتع بحياة جنسية مرضية ومأمونة 0 (لاحظ عدم اشتراط الحلال والشرعية)، هي كالغذاء حق للجميع ينبغي ان تسعى جميع البلدان لتوفيره في اسرع وقت ممكن في موعد لا يتجاوز عام 2015ه) (21) - اي انه اكثر من (مباح) فالسعي لتحقيقه بجميع البلدان في اسرع وقت ممكن وقبل سنة 2015م واجب على جميع البلدان!,.
- بل ولا تكتفي هذه الوثيقة بذلك وانما تتجاوز (اباحة هذه الاباحية) الى حيث تدعو (للتدريب والترويج والتعزيز) لهذا (السلوك الجنسي المأمون والمسؤول) (22) .
- ولا تكتفي هذه الوثيقة بتعبير (من جميع الاعمار) الذي يشمل المراهقين والمراهقات - فتذهب لتنص على حقوقهم وحقوقهن في هذه الاباحية الجنسية فتتحدث عن (حماية وتعزيز - وليس مجرد اباحية) حقوق المراهقين والمراهقات الناشطين جنسيا في الصحة الجنسية والتناسلية والسلوك الجنسي المأمون والمسؤول ,, والخصوصية,, والسرية,, وتنظيم الاسرة ورعاية الطفولة المبكرة مع تخفيض حالات الحمل للمراهقات ومحاربة التمييز ضد الحوامل الشابات والحيلولة دون حدوث الزيجات المبكرة ولا سيما باتاحة بدائل تغني عن الزواج المبكر,, مع اشراك الابوين والاسرة والمجتمعات المحلية والمؤسسات الدينية والمدارس ووسائل الاعلام وجماعات الاقران في القيام بهذه الحماية لهذه الحقوق) (23) .
- ولم تكتف هذه الوثيقة بمصطلح (الافراد) الذي لا يجعل الاسرة قائمة على الزواج الشرعي وحده فذهبت لتتحدث عن ضرورة (تغيير الهياكل الاسرية) وعن انه (ينبغي القضاء على اشكال التمييز في السياسات المتعلقة بالزواج واشكال الاقتران الاخرى - (اي الاقتران القائم على غير الزواج) (24) فالهدف - (كما تقول الوثيقة) - هو مساعدة الازواج والافراد في تحقيق اهدافهم الجنسية والتناسلية).
- ومع تغيير (الهياكل الاسرية) تحدثت الوثيقة لا عن(مساواة المرأة للرجل) وانما عن (تمكين المرأة)!,, وعن (دمج الرجل في المنزل، ودمج المرأة في المجتمع) فقالت: (بوجوب التشديد على مسؤوليات الذكور فيما يتعلق بتربية الاطفال واداء الاعمال المنزلية وتمكين المرأة واستقلالها، والتخفيف من مسؤولياتها في العمل المنزلي وادماجها بشكل كامل في الحياة المجتمعية,,) (25) .
تلك نماذج من منظومة القيم الغربية التي قننتها وعولمتها الحضارة الغربية باسم المنظمة الدولية والتي نصت في وثيقتها على انه ينبغي للحكومات ان تلتزم على اعلى مستوى سياسي بتحقيق الغايات والاهداف الواردة في برنامج العمل وان تقوم بدور قيادي في تنسيق اعمال المتابعة ورصدها وتقييمها واعمال الضمانات وآليات التعاون الدولية لكفالة تنفيذ هذه التدابير) (26) .
وحتى عندما اشارت هذه الوثيقة الى ان (تنفيذ السياسات السكانية حق سيادي لكل امة) الغت - في نفس المبدأ - هذا الحق السيادي عندما نصت على (امتثال هذا الحق السيادي للمعايير الدولية لحقوق الانسان,,) (27) !
|
|
|