حوار : محمد بن سعد النهاري
هاأنذا أحاول مواصلة ما بدأته في عدد سابق على صفحة مدارات شعبية في حوارات تخيلية مع بعض الاعلام في بلادنا الذين يتمتعون هم وأسرهم بسمعة طيبة وعطرة منذ كانوا أحياء وحتى بعد وفاتهم، وفي الحقيقة فان اختياري لهذا العلم ومن هذه الاسرة بالذات جاء نتيجة لقناعة شخصية مني مستشهداً بما وجدته في كتب التراث (1) والتاريخ عن مواقفهم المشرفة مع ولاة امر هذه البلاد منذ القدم حيث ذكر الشيخ ابن بشر (2) ، استشهاد والد ضيفنا الشيخ هادي بن قرملة في معركة الخيف بالصفراء بالمدينة المنورة مع الامام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود، ضد جيوش محمد علي باشا سنة 1226ه وجاء في (منتقى الاخبار) (3) عن اسرة آل قرملة ووفائهم وولائهم لآل سعود الكرام، ومشاركاتهم في كثير من الغزوات، ومن اعلام هذه الاسرة الشيخ هادي بن قرملة، والشيخ محمد بن هادي بن قرملة ومبارك بن هادي بن قرملة والشيخ ناصر بن عمر بن هادي بن قرملة أحد فرسان الملك عبدالعزيز الذي سار بهم عام 1331ه قاصداً الاحساء لاجلاء القوت العثمانية منه، وفي ذلك يقول ناصر بن عمر بن هادي بن قرملة بهذه المناسبة.

في شف أبو تركي نقود الخيل في كنة الجوزاء مع المظماه

ومنهم ايضا: من شارك في اكثر معارك توحيد المملكة مع المؤسس العظيم الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وهم: الشيخ حمود بن ناصر بن عمر بن هادي بن قرملة، وشارك في معركة تربة عام 1338ه ومعركة حجلاء عام 1338ه والشيخ حزام بن هزاع بن عمر بن هادي بن قرملة، وشارك في معركة فتح الطائف، وفتح جدة عام 1344ه والشيخ خليل بن ناصر بن عمر بن هادي بن قرملة الذي شارك في اغلب معارك توحيد المملكة ومنها: معركة الرغامة والسبلة والدبدبة والشعراء ومعركة اليمن الاولى عام 1351ه والاخيرة عام 1352ه.
عوداً إلى ضيفنا وشاعرنا الشيخ محمد بن هادي بن قرملة، الذي يسرني فيما يلي عزيزي القارئ ان اقدم لك مقتطفات من شعره وبأسلوب احسبه جيدا ولطيفا يرقى إلى ذوقك الرفيع، وهو عبارة عن لقاء لم يكن، وحسبي انه شيء من الوفاء نقدمه لعلم من اعلام هذه البلاد الطيبة وشخصية شعرية اثرت الساحة الشعبية بكم زاخر من الابداعات النبطية، وكذلك بعض التجارب الانسانية الفريدة التي يتحلى بها كثير من فرسان العرب واعيانهم، فتعال معي عزيزي القارئ الكريم الى مطلع هذا اللقاء الذي بدأنا بهذا السؤال:
** مدارات شعبية: الشيخ محمد بن هادي بن قرملة، تاريخكم وتاريخ قبيلتكم قحطان مع الدولة السعودية الاولى ومروراً بالثانية وحتى عهدنا الذهبي هذا في ظل الدولة السعودية الثالثة تاريخ مشرف، وعهد صادق، وولاء راسخ، فما هو الموقف الذي حصل لك في آخر عمرك مع الامام فيصل، حيث يقال انه قد غضب عليك لوشاية وصلته ضد قبيلتك، فتوجهت للامام بهدايا من الخيل واعتذرت بقصيدة ارتجلتها في مجلسه فماذا قلت؟
- الشيخ ابن هادي : نعم هذا حصل، وقد قبل الامام اعتذاري، ومما قلته في ذلك الموقف

يا الله يا منشي مزون طهايف افرج لمن هو ما يجي درب منقود (1) ادنيت انا الحرقا وقلطت نايف وردوا علي الهدو ما بغي له ردود يا شيخ لا تسمع هروج الحفايف خذ جابتي يا منقع الطيب والجود لو كنت عودٍ لي فعول عنايف وربعي تطاوعني على الهون والكود حنا على ضدك جبال نوايف وحنا لك اطوع من عنيبر ومسعود ما نشتحن من حرب كل الطوايف والي بدا لازمك حنا لك جنود

** مدارات شعبية: هل لنا ان نعرف بعض ما دار بينك وبين سلطان الشريف من اشعار عندما طلب منك جواد تعده من خيرة جيادك؟
- الشيخ ابن هادي: سلطان الشريف من اهالي الخرمة رجل فارس وشهم كريم وقد طلب مني بالفعل جوادا غاليا على نفسي وحسبته في ذلك مستكثراً علي مثل هذا الجواد فكتبت له قصيدة منها قولي

يا راكب من عندنا فوق هجهوج سواج مواج بعيد معشاه ما فوقه إلا الكور والنطع وخروج وسفسفتين فوق وركيه تزهاه اسبق من الدانوق في غبة الموج ملفاك سلطان زبون المخلاة يا العبادلي لا تكثر السوم بالغوج لو كان طارينا الثمن كان بعناه شفي عليه بردة والغلب عوج ان حل بنحور السبايا مثاراة وان لجلج المجمول فوق الحني عوج ذهل الغطا واهل الرمك قام تنحاه تناطحوا وأوقف على الزمل عمهوج من شح في عمره عسى الخيل تاطاه نحدكم حد الجوازي عن الموج ونردكم رد البدن صوب مسناه انا جنودي كثر جوج وما جوج حريبنا لو هو بعيد نصيناه ذا قول من يولي على الهرج بهروج يلوي ولا يلوى على بعض ملواه

وقد رد عليّ سلطان الشريف بقصيدة مماثلة أورد لكم منها قوله

حي الكتاب اللي من الفخر ممزوج حيه وحي اللي لفى به وعناه اهلا وسهلا به ولا هوب مسهوج حشمة لمن كزه ونرفى خطاياه تكريم مثل الدر مخلوط ببلوج وانوج من العنبر إلى غلي مشراه القول له حشمة ومعنى ومهروج عند الذي يفهم جوابه ومعناه جانا جواب معرب الجد معروج ومعسكر لكن حنا فهمناه وش عاد لو هيا محمد على الغوج بخيل الطوالة واحد كنه اياه انتم سهيل له مطاليع وبروج وانا القمر في ليلة النصف غطاه فإن كان قومك كثر جوج وماجوج كفرت بالطاغوت وآمنت بالله

** مدارات شعبية: لك مع الشيخ تركي بن حميد مداعبة ظريفة حول قصيدته التي أوردها في جمله الخيالي، فهل للقارئ الكريم ان يعرفها؟
- الشيخ ابن هادي: الشيخ تركي بن حميد شخصية غنية عن التعريف ولي معه اكثر من وقفة في الشعر ومنها ابيات ارد بها على قصيدته التي قالها مازحا ومبالغا في الوصف حيث يقول الشيخ تركي بن حميد

يا راكب اللي ما يداني الصفير هميلع من نقوة الهجن سرساح امه نعامة واضربوها بعير جا مشبهاني على خف وجناح عليه خرج من سلوك الحرير عصاه عود البروقة عقب مافاح يسرح من الطايف ويمسي البصير سفايفه مثل الغرابين طفاح مزهبك يا رعيه تمر ومضير واحذر تشب النار يجفل من الضاح والى ورد يشرب ثمانين بير غرافهن تسعين ودليهن ماح رجليه بالحرة وصدره يسير ويشرب براسه من على جمة ارماح يا ويش هو شي طويل قصير يسبق زهاجيل الهوا يوم تنماح

وقد قارضته بهذه الابيات التي اقول فيها

يا تركي بن حميد وش البعير ما تجلبونه كان تبغون الارباح كيف النعامة نوخت للبعير اقول ذا كذب على الناس فضاح لا عاد له خف وجناح يطير انا أذكر الله راكبه كيف ما طاح يا ربعنا يا كبر كذب الامير ويا حلو كذب مخضبة علط الارماح

** مدارات شعبية : يقال انك اهديت جوادك كروش على الامام فيصل، ولك فيها مثنوي (أي ثنيا) وهي ان تعطى اول مهر من نسلها، وقد أهداها الامام فيصل لعبيد العلي الرشيد الذي لم يعترف بهذه العادة فماذا تقول؟
- الشيخ ابن هادي: جرت عادت العرب في اهداء الاصايل وبيعها ان يشترط المالك ان له اول مهر من نسلها ولكن جواب الشيخ عبيد العلي الرشيد لي كان غير ذلك، وسوف اورد جوابه الذي وصلني، حيث اعجبت به وبحسن رده المهذب على طلبي, يقول الشيخ عبيد العلي الرشيد

جانا جوابك يا الشجاع ابن هادي تقول لي بكروش عندك مثاني وكروش جتني من نحاز المعادي عز العرب عند اختلاف الزماني سلطان نجد حضرها والبوادي محيي من الجودة سمال المعاني ريف الضعوف وتاج راس السنادي انا وهي له وان بغاها بغاني شيخ على غالي حلاله نفادي وعطاه ما به يابن هادي مثاني خطية طلبك مثاني جوادي وانا بكفي حبلها والعناني

** مدارات شعبية : أنت شديد الافتخار والمبالغة في مديحك لقبيلتك قحطان، فهل لنا ان نعرف شيء مما قلته في هذأ الشأن؟
- الشيخ ابن هادي: نعم قد قلت في ذلك شعراً كثيراً وقد يكون ذلك الشعر نتيجة ردود على قصائد او مواقف قصد منها النيل مني او من قبيلتي، وشعر المدح والافتخار لا يخلوا عادة من المبالغة وتعظيم شأن القبيلة، وأظن بأن هذا هو نهج شعراء ومشائخ قبائل العرب في الماضي، وما قلته في هذا الشأن:

لي لابة تروي حدود الرهايف لا جا نهار فيه طارد ومطرود

وقلت في هذا الموضوع ايضا

اطلب عسى نجد من الوسم مقدوم حتى يقرب حلة فوق حلة من شافنا بالحلم يقعد من النوم ومن شافنا بالعلم بطنه يهله حريبنا لوجظ ما هو بمليوم اللي وراه يجظ من جظة له ما نشتحن من الحرب والحرب مفهوم ويا سعد منا باللقاء فزعة له ما خلقت الدنيا ولا الدين في يوم واللي تمنى حربنا مضحي له

* وهذه بعض ابيات قلتها في هذأ الشأن وهو المدح والافتخار بالقبيلة

هل سربت وان دبرت ركضها عوج وان اقبلت شروى الحرار المغذاة كم عندل تبكي علي العم والزوج تجر صوت غافي النوم قزاه وكم سابق تشرى من المال بخروج غدت بروس ارماحنا بالمثاراة حريبنا ما يمرح الليل مغلوج الناس قد ناموا وعينه مقزاه وعدونا لو قطب الخيل بسروج لازم يخلي منزله لانصيناه

** مدارات شعبية: أنت كما يبدو من قصائدك في ابناء قبيلتك شديد التمسك بهم والخوف على مصالحهم وان هناك تفاهما كبيرا بينكم، فهل جسدت ذلك شعراً؟
- الشيخ ابن هادي: نعم انا كذلك وقد قلت في هذا الصدد؟

لي لابة لا قلت للخيل رده ترايعوا للهوش مثل الجمالي افعولنا بالضد كل يعده يعده الاول لنسل التوالي ربعي لي اطوع من محب لوده وانا به اروف من مربي العيالي اتبع مصالحهم بلين وشدة واكسر بهم عظم الحريب الموالي

** مدارات شعبية: يقال انك ناجيت فأرا كان يتراكض ويلعب في بيتك بعد ما كبرت في السن واستقل بعض اقربائك عنك بآرائهم فهل لنا ان نعرف تلك المناجاة؟
- الشيخ ابن هادي: يقول الله سبحانه وتعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) لقد رزقني الله مالاً وجاهاً ولم تشأ قدرته سبحانه وتعالى ان يأتي لي أبناء، وهذا بالطبع يولد لدى كبير السن مثلي شيئا من الحسرة والاحساس بالوحدة ففي زمننا كان البقاء للقوى وانا بدون ذرية احس فعلا بالضعف حتى وان كان لدي اشقاء واقرباء وقبيلتي من اقوى قبائل العرب، وما أوردته في سؤالك كان صحيحا وقد قلت هذه الابيات:

يا جار عللني وعللك يا جار توسعون الصدر وان جاه خلة ذالي ثمان سنين ما جاني خطار راحت معاميلي وبيتي مزلة من أول عندي مقاديم الاشوار واليوم اقول العلم ما احد يشله اثر الكبر به للفتى كسرة اعبار الميتة اشلالي اليافات حله دنيا تنسينا حلاها بالامرار واللي مضى نسيوه ما فات كله لولي عيال كان شبو لي النار يبرون عن نفسي ثمانين علة

** مدارات شعبية: محمد بن هادي بن قرملة من السحمة من آل محمود (آل دهيم) من آل محمد من آل سليمان من الجحادر قحطان والمتعارف عليه حاليا ان الجحادر من سنحان وسنحان هو احد فروع حلف جنب (4) فهل اشرت في احد ابيات قصائدك صراحة إلى موضوع النسب؟
- الشيخ ابن هادي: نعم النسب في القبيلة هو من اكثر الامور التي يجب ان يكون الشيخ او الشاعر او اعيان القبيلة على دراية تامة به لانه اهم مقومات القبيلة وبقاؤها وقد قلت في موضوع النسب بعض الابيات منها قولي:

لي لابت ما جمعوا (بالحلايف) (5) من نسل قحطان وتعزى على هود

وقلت ايضا معاتبا أحد قبائل عبيدة قحطان، والذي يجمعني بهم حلف جنب، قلت هذا البيت من عرض قصيدة طويلة:

سرحت من (جنب) على فكة الريق وعز الله ان حقي عليهم لزومي

** مدارات شعبية: محمد بن هادي بن قرملة، هناك من يعتقد ان قبائل قحطان التي تسكن نجد لا يربطها بقبائل قحطان في جنوب المملكة وأغوار تهامة اي رابط نسب، فما تقول؟
- الشيخ ابن هادي: هذا الاعتقاد غير صحيح، وقبيلة قحطان واحدة حسب المتعارف عليه، حيث انها أخلاط من القبائل القحطانية القديمة وأغلبهم من بني مذحج مالك ، وجذورها الاصلية في جنوب المملكة العربية السعودية وقد نزحنا نحن الجحادر من جنوب المملكة كما نعرفه وكما تشير إليه كتب التاريخ والنسب، وسوف اوضح لك ذلك فنحن السحمة من الجحادر والجحادر هم ابناء عبدالله بن سنحان وسنحان من حلف جنب وجميع عناصر حلف جنب من بني مذحج (مالك)، وفي شعري ما يشير إلى ذلك النزوح والرابطة مثل قولي

لي لابة حولتهم من تهامة سلاحهم مخ الفرنجي والأروام

** مدارات شعبية: محمد بن هادي بن قرملة، حسبما جاء في كتب التراث عن التشاح على مراعي نجد، في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري في فترة تزعمكم قبيلتكم قحطان بنجد ان بعض القبائل تتودد إليكم بالهدايا وينشأ بينكم جوار في تلك المراعي، وقد جاء ذلك على لسان الشيخ والفارس تركي بن حميد في قوله

أهديت لك خمسٍ وسادسهن التوم وقعود زبن اللي بغى ما حصل له

وتابعه أيضاً الشيخ والفارس، راكان بن حثلين بقوله

اهديت لك نور السلف والجهامة ابغباك ابنياك ذخر في مقاديم الأيام

فهل لنا ان نعرف وجهة نظرك في هذأ الموضوع؟
- الشيخ ابن هادي: نعم هذا صحيح فقد كانت قبيلتي في تلك الفترة تقيم في مناطق رعوية ممتازة بمنطقة نجد ولكن لم تكن هذه الميزة لي في الجزيرة لوحدي بل جرت العادة ان الربيع إذا كان في جهة واحدة فإن القبائل المنتجعة لرعي الربيع تتهادن لمدة محددة وبعد انتهاء الرعي يكون بين القبائل هدنة عشرة ايام إلى ان تصل كل قبيلة بلادها وخلال ايام الهدنة يضمن شيخ كل قبيلة ما ينهبه جماعته من القبيلة الاخرى,وإذا كان المرعى في اراضي قبيلة منيعة فإن القبيلة المنتجعة لا ترعى إلا بإذن من القبيلة المقيمة ويكون لهذا الاذن مقدمات من الهدايا والمدائح، اما من يسمي تلك الهدايا اتاوة فهو جاهل بتاريخنا (6) ,شكرا لشاعرنا ولكل من ساهم في حفظ تراثنا وآدابنا الشعبية عن طريق الراوية الصادق والجمع الرائع الذي مكننا من معرفة امثال هذا الشاعر الكبير الذي صور لنا جميع مراحل حياته بالشعر فكانت محطات تستحق التدوين والتأمل فيها نظرا لكونها جاءت كشاهد لتاريخ تلك الحقبة الزمنية التي عاش فيها الشيخ والفارس والشاعر محمد بن هادي بن قرملة، فساعد بعضها كثير من الباحثين، والمهتمين في تحديد زمن بعض الاحداث التي جرت ابان فترة التوحيد الاولى لمملكتنا الحبيبة.
(1) نقلت جميع الاشعار ومناسباتها من كتاب: من آدابنا الشعبية في الجزيرة العربية لمنديل الفهيد,، ومن كتاب: ديوان الشعر العامي بلهجة اهل نجد تأليف ابي عبدالرحمن الظاهري.
(2) عنوان المجد في تاريخ نجد، لمؤلفه عثمان بن بشر.
(3) منتقى الاخبار من القصص والاشعار، لمؤلفه خالد بن محمد بن ضرمان.
(4) كتاب العرين بلاد قحطان ماضٍ وحضارة لمحمد النهاري.
(5) الحلايف: يقصد هنا الشاعر ان قبيلته صريحة النسب، ولم يجمعهم حلف او جوار.
(6) اجابة الشيخ ابن هادي، هذه مستوحاة من رأي العلامة الكبير أبو عبدالرحمن بن عقيل في كتابه ديوان الشعر العامي بلهجة أهل نجد .