Sunday 18th April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 2 محرم


الملل

القدم تؤثر خلع الحذاء، تلك الأصابع بحاجة لأن تبتعد عن بعض.
حذاء هو,, لم يكن صانعه يعلم أنه سيعمر طويلاً، وأن تلك القدم ستتعهده وستخفف الوطء على أرض يسكنها صاحبها.
حذاء يمتاز بلون أسود باهت,, يفتخر به صاحبه، وهو مصاب بالزهو لقيمته المعنوية تلك، فقد أصبح صاحبه ممن يتقدم في كل مجتمعات الأرض بسببه لأن الجميع يردد أن يكون لك حذاء أو لا يكون تلك هي المسألة.
أيها الحذاء الأنيق ولّى عهد الشباب، قديماً كنت تقبع على فراش وثير قرب باب مصنوع من خشب الماقنو ، تحولت قوة الخشب إليك وأبيت أن تتمزق شأن أقرانك، فطال بك العمر وتنقلت من قدم إلى قدم,, حقاً كانت القدم الأولى بيضاء طرية لم تمارس المشي كثيراً، لم تقبل وجه الأرض، ولكن لم تكن اكثر حنواً عليك مثل هذه القدم التي تمرغت بالوحل وعاشرت الأرض بنشوة غريبة.
وحيد أنت أيها الحذاء.
منذ أن غادرتك تلكما القدمان وقطن بداخلك ذلك الصرصار حتى علمت بأن ثمة خطباً جللاً حدث.
مات الرجل
مات,.
ولم يعهد بك إلى قدم أخرى تحنو عليك، حدّثك بذلك الغبار الذي أبى إلا أن تتدثر به.
حزن يداهمك
مات الرجل
أهو مات؟
أنت أيهاالصرصار اللعين أن تحتل جسدي.
وحيد أنت، وهذه الأرض لا تعرف الشمس.
حدثتَ هذه الأرض بأن الشمس تبعث بالدفء، وإنها تنشر ضوءاً كضوء المصباح المعلق في سقفالقبو ، وأن الهواء هناك حيث الشمس نقي,, لا يعرف العفن.
خوفي عليك أيها الحذاء أن تصاب بالعفن
مات الرجل
جسده تعفن,, أكله الدود,, الدود أكل الدود,, وأنت تخاف أن تقول مات الرجل,, مات الحذاء.
أهذه هي نهايتك,, ألم تشعر بخوف من مصير موحش عندما التقيت بتلكما القدمين لأول مرة وقادتك إلى هذا القبو,, ألم تأس لحال ذلك الرجل حين سمعته يغني لأول مرة، ألم يشدك صوت حزنه؟,, حاول أن تتذكر,, ليس ذلك بالأمر الصعب,.
هناك سمعت من يتخذ قرارا ويحزم
-سأتخلص من هذا الحذاء
- لكنه لا يزال يحتفظ بجدته
- ملّته قدماي
كانت الشمس تحرق جسد الرجل الأسمر وهو يضعك مع أثاث قديم في تلك الشاحنة الصغيرة.
- أقبع هنا بالقرب منها خوفاً من أن يسقط شيء.
حدجك ذلك الرجل الأسمر بنظرة غريبة,, لم يداهمك الخوف لثقتك بأن أمامك مصيراً اغبر وإلا لماذا يتخذ ذلك السيد ذلك القرار المفاجئ ويتخلص منك,, وتلك الحجة الواهية,, ثمة ملل,.
لم تكن مبالياً من تلك النظرة,, لست وحيداً,, معك هذا الأثاث القديم يشاركك نفس المصير.
عين ذلك الرجل الأسمر تلاحقك,, هاهي يده تقترب تحيط بجسدك,, نشوة غريبة أصابت تلك اليد.
جفلت منها في البدء
هذه الشهوة التي تنبت من تلكما العينين,.
لتخضع فمصيرك أن تعاشر من لاتحب.
يقترب جسد الرجل الأسمر منك,, تحس بحرارة جسده,, يلتفت يميناً,, يساراً,, لاأحد,, يرفع ثوبه البالي,, تشعر بوخز شعر صدره وأنفاسة اللاهثة,, ماتلبث خفقات قلبة أن تهدأ عندما يطمئن بأنك تقبع في منطقة تفوح منها رائحة عرق جسده وحيث لا يشعر بك أحد حال احتضانه لك.
سمعت صخب السوق,, وطفح جسدك بعرقه أثناء حركته السريعة الغريبة عند وضعه ذلك الاثاث قرب رجل ينادي بأعلى صوته واصفاً إياها بصفات تتمنى أن تتصف بها أنت,, ولكن,, أينك,, أنت موجود وغير موجود,, لتصرخ إنني هنا,, ومن يسمعك,,, سمعت صوت السيد
-هذا أجرك.
استقرت منك بعض النقود,, ابتعد بك عن ذلك الصخب,, كانت خطواته مرتبكة مالبثت أن أصبحت سريعة,, سمعتهم يعدون خلفه صاح أحدهم
- لقد سرق الحذاء
ردد الجميع- اللص.
يالها من ذكرى شاحبة,, ولكن هذا الرجل أفضل من ذلك السيد,.
أصابك الاطمئنان بأن ذلك الرجل لا يعرف الملل,, سمعته يغني عندما وضعك بالقرب من فراشه,, تغزل بك كثيراً,, قبلك أكثر من مرة عندما أراد أن يضع قدميه داخلك رأيته يبتسم,, ثم مالبث أن أسبل عينيه.
كان يحلم
ليكن هو السيد ولتكن أنت الخادم المطيع وليتحول هذا القبو إلى قصر مملوء بالجواري,, لتراقص تلك الحسناء ولتطأ بأطراف أصابعك الأرض,, ولتغني,, ينتشلك صدى غنائه من ذلك الحلم إلى جسد مطلي بالوحل,.
هو الآن قد,, مات,.
لتمارس الغناء بعده,, الصمت لا يجدي,, وذلك الصرصار اللعين بنى مستوطنة في جسدك,, والغبار شاركك الصمت بعد ذلك,, صمت رهيب,, وذلك المصباح غادره الضوء,.
أينك أيتها الشمس أريد بعضاً من الدفء
سمعت صوتاً
- ليكن القبو نظيفاً,, هذه القاذورات ضعوها في المزبلة.
هي,, هي النظرة تواجهك مرة اخرى,.
تمسك بك يد ذلك الرجل الأسمر,, تقضي على مستوطنة الصرصار ، تمسح الغبار العالق بجسدك.
لن يفرق بيننا إلا الموت
مات الرجل,, لم يمت الحذاء.
- سيدي أريد هذا لحذاء
- هو لك ولكن لدي حذاءمللته أفضل من هذا وأكثر جدّة.
سيشاركني حذاء آخر,, عموماً لن أكون وحيداً.
يعود الصوت مرة أخرى
- هذا الحذاء لم أستخدمه كثيراً,, أفضل أن تضع ذلك الحذاء مع تلك القاذورات,, سيتم إتلافها حالاً لأن بقاءها سينشر الأوبئه.
- أمرك سيدي
لتصرخ,, مات الرجل,, مات الحذاء,.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
حوار
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved