Sunday 18th April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 2 محرم


هانس كريستيان أندرسن
بطة قبيحة أم بجعة جميلة؟
رضا الظاهر

قبل حوالي 200 سنة وفي مدينة أودينه في الدنمارك، كان هناك طفل اسمه هانس، لم يكن يشبه الأطفال الآخرين، إذ لم يكن يستمتع بالألعاب التي يمارسونها، والألحان التي يغنونها, فما كان يبهجه هو المكوث مع أمه التي كانت تقص عليه حكايات عن ذكائه وتميزه, اما أبوه فلم يكن سوى إسكافي فقير، أفلح في الحصول على بعض الكتب التي قدمها لابنه, وصنع الأب للطفل، ايضا مسرح دمى بممثلين صغار من الخشب كان هانس يجد متعة في اللعب به.
وفي أحد الأيام ترك الأب مهنته، وتوجه الى الحرب على أمل الحصول على المال الذي كانت العائلة بحاجة إليه, غير انه عاد من الحرب رجلا عاجزا، وسرعان ما توفي، تاركا هانس البائس وأمه من دون مورد عيش.
حاول هانس العمل ليساعد أمه، غير ان الجميع كانوا يسخرون منه بسبب غرابة شكله وسلوكه، فكان يعود الى البيت باكيا, وكان حينئذ ما يزال يلعب بالمسرح الذي صنعه له أبوه، فقرر أن يصبح ممثلا، وبقليل من النقود التي كانت معه ودع امه وتوجه الى العاصمة مقررا ان يطرق أبواب كل المشاهير والأسر الارستقراطية التي تهتم بالثقافة ليظهر لهم براعته, فقد كان يعرف ان البديل عن ذلك يمكن أن يكون الجوع أو الانتحار,وتتحدث الفصول الأولى من الكتاب الذي اصدرته مؤخرا، أليسون برنس تحت عنوان (هانس كريستيان أندرسن: الراقص الهاوي) عن هذه الأبواب, فقد توجه أندرسن الى راقصة باليه شهيرة أدى أمامها رقصة قصيرة فسخرت منه معتقدة انه مجنون، فما كان منه إلا ان اقفل باكيا,
وطرق الباب الثاني وكان باب بيت سيبوني، عميد أكاديمية الموسيقى في وقت كان يقيم فيه حفل عشاء، غنى هانس أغنية قصيرة للعميد وضيوفه، فتأثروا بصوته، وصفقوا له، وقرروا مساعدته، اذ وفروا له فرصة تلقي دروس، ولكن تلك الدروس انتهت بإبلاغ هانس بأنه لا يصلح للغناء، فأقفل باكيا مرة ثانية, ثم طرق بابا ثالثا، وكان هذه المرة باب ممثل شهير، وحاول إنشاد الشعر، لكن القصيدة كانت حزينة جدا الى حد أن هانس بكى وهرب حتى قبل ان يخبره الممثل أنه لا يصلح لهذه المهنة، وفكر هانس أن يكون كاتبا، فألف مسرحية، وأرسلها الى مدير المسرح الملكي الذي أخبره ان المسرحية غير صالحة، فبكى هانس للمرة الرابعة، ولكن المدير رأى ان هانس كان على الأقل ذكيا الى درجة تؤهله للتعلم, فرتب المدير له إمكانية الالتحاق بالمدرسة اللاتينية الداخلية في لاجيلسي حيث بدأ الدراسة وهو في عمر الثامنة عشرة مع طلاب يصغرونه بخمس أو ست سنوات، الأمر الذي كان كابوسا بالنسبة لشاب يتميز بطول قامة استثنائي وحساسية شديدة، كما ان المدير طلب منه أن يكف عن كتابة المسرحيات او القصائد، ولم يكن أندرسن سعيدا في المدرسة التي قضى فيها خمس سنوات قبل ان يلتحق بالجامعة.
وفي تلك الفترة بدأ أندرسن يكتب القصص الخرافية, وتظهر كاتبة سيرته أليسون برنس ان حياته كانت حتى تلك الفترة على الأقل، أي أواسط ثلاثينات القرن الماضي، مادة غنية بتلك القصص, وكان أندرسن يعرف ذلك جيدا، كما كان النقاد يدركون ايضا ان كثيرا من أفضل قصصه كان انعكاسا لمعاناته، وكان مظهره الغريب واحدا من الأفكار التي الهمته كتابة أشهر أعماله وهو (البطة القبيحة).
وقد وصف بن براوننغ، ابن الكاتبين الانجليزيين البارزين في القرن التاسع عشر روبرت وإليزابيث براوننغ، وصف أندرسن الى أمه باعتباره ليس جذابا في الواقع, انه يشبه الى حد ما بطته القبيحة غير ان عقله تطور ليصبح بجعة ,فقصص أندرسن التي تسخر من الادعاءات الارستقراطية، تعكس حساسية ورهافة شعور مؤلفها.
ويذكر ان أندرسن زار انجلترا أول مرة عام 1847 ضيفا على تشارلز ديكنز، وكان قد أحرز عندئذ سمعة عالمية واسعة من خلال تلك القصص الخرافية ذات الجذور العميقة في الفولكلور الدنماركي، والتي تجسد تجاربه السايكولوجية الخاصة, وقد أعجب بها تشارلز ديكنز الذي أهدى له أندرسن كتابه (أحلام يقظة شاعر) الصادر عام 1835م.
وفضلا عن ذلك تضيف هذه السيرة الجديدة عن حياة أندرسن بعداً جديدا، فقد أشارت مؤلفتها الى انها عندما كانت على وشك الانتهاء من مسودة هذا الكتاب، اصبحت مقتنعة بأن الأسطورة القديمة التي أشارت الى ان أندرسن كان ابنا غير شرعي لولي عهد الدنمارك كريستيان، الذي اصبح في ما بعد الملك كريستيان الثاني من كونتيه شابة، يجب النظر اليها بجدية, فقد اعطي هذا الطفل حسب رواية المؤلفة، الى آن ماري أندرسن، الخادمة في الأسرة التي ولد فيها,ومع ان هذه القصص تروى عموما حول بعض الأطفال الموهوبين الذين ينشؤون في ظروف الفقر فان أليسون برنس ترى ان هناك كثيرا من الأرجحية في هذه القصة.
ففي طفولته كان أندرسن بالفعل يلعب مع الابن الشرعي لكريستيان الثامن الذي ربما كان أخاه غير الشقيق,ووجدت المؤلفة في دعم العائلة المالكة له خصوصا عندما كان يواجه المصاعب في حياته، واحدا من الأدلة على الافتراض المتعلق بنسب الكاتب الدنماركي.
ان أندرسن نفسه لم يعرف أبدا انه ربما كان يتمتع بأصل ملكي, وربما كانت (البطة القبيحة) بجعة أكثر مما كان بوسع أندرسن أن يدرك.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
حوار
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved