Sunday 18th April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 2 محرم


مشهد
ما لمسرحنا العربي,, وما لجمهوره,, وما تراكمه النوعي,,؟
محمد العثيم

مرارا كان الحديث عن مسرحنا العربي الذي يعتقد اهله مصاب بانفصام الشخصية مع انه في واقع الامر سليم لكنه شقي بحاله مثل كل مسارح العالم بعد ثورة الابسنية (هنريك ابسن وبرنارد شو وغيرهما),, تلك الثورة المسرحية العالمية في وجه الجديد بعد ان حطمت القديم حسب الكاتب والناقد المسرحي (وولتر كير).
المضحك بعد طول الحزن ان حال مسرحنا مثل حالنا فهو مصاب بمرض عشى الابصار الليلي وهو يقول مالا يرى وبحكمة الاعتقاد الشائع بمسرح من نوع واحد لاقبله ولا بعده,, ليس بعض البعيدين عن المجال المسرحي هم من يعتقدوون ذلك لهان الامر؛ فالكتب مليئة بما يجلو اللبس,, لكن بعض اهل المسرح يلهجون بشيء من ذلك فيفسدون كثيرا من ماهيات ومفاهيم الثقافة المسرحية المعاصرة التي هي في حقيقة الامر خريطة واسعة مرسومة بحدود متموجة لاثبات لها,, لعل ابرزها المسرح النخبوي والتجريبي ثم المسرح التجاري الذي تختلط حدوده مع الجماهري, وتمثيليات الدراما واخيرا مسرح الاثرياء الجدد واعني به مسرح الانس واللهو والتسلية,, ومعها او بعدها العشاء وهي كلها حدود معروفة ووظائف نفعية في العالم ولكل جمهور مسرحه عند الدول التي استوطن المسرح فيها وتقل مناقشاتها في امر الجمهوروالمسرح الى الحد الادنى الا في المدارس ,, ولكن النقاش في النوع والفكر لمسرح واحد وبدقة لعرض واحد في حدوده هو الغالب.
بعيدا عن الجدل او معه يطرح الجميع السؤال لماذا تأتي الجماهير للمسرح؟ والسؤال جوابه متيسر من أي مصدر فقد تحصل على ردود تتسع او تضيق بحسب مساحة الاهتمام الفردي لكن الاجابة اجمالا: ان الناس تأتي للمسرح للترفيه بما فيه النفسي الغياب الهروب النوم,, لا شيء غير ذلك.
لكن الترفيه ليس بالضرورة هو الضحك فقط بل مع الضحك البكاء والتأسي والحميمية والتآلف مع النجم - إن وجد - والتعاطف والبحث عن المثل والشبيه والاطلاع والفائدة,, واحيانا للتثقف بمعنى تهذيب السلوك حسب شرط الطبقة الاجتماعية وكما هو معروف احيانا لمجرد الهرب من الحياة والخلو لمجرد بالبحلقة كما هي اشيع اساليب الفرجة في الصور المتلفزة.
والاخير مسرح الاخلاد للراحة او حتى النوم وهو لا يعنينا الا من باب انه نوع من انواع المسرح الياباني.
اما التأسي بأحزان الآخرين فعلى قول القائل: وداوني بالتي كانت هي الداء واحدة من اصعب ما يفسر وان اجتهد المدرسيون من علم النفس في ذلك فاليونان القدامى في عهد سوفيكليس لم يأتوا للمآسي للتعبد كما قال بعض الباحثين لأن التعبد الوثني في ذلك الوقت انتهى بنمو العقل وانفصل الفن ليعمل بذاته,, بل جاءوا للمشاركة الجمالية الوجدانية,, ورغم ان المسرح في ذلك الوقت عبارة عن عروض نهارية في اماكن مكشوفة الا ان الجمهور في زمنهم كان لا يحتاج الى اماكن مغلقة ومظلمة لتحقق النفي الزماني والمكاني كما هي الحال في العلبة الايطالية التي أثارت البلاشفة بصفتها تقليدا برجوازيا فاجتهدوا في ابتكار مسرح تعليمي كما هو مسرح بيتر فايس او ملحمي عند برشولت برخت حيث اضيئت الصالة عائدين لمسرح قديم لم يروه.
النفي ليس الهروب فالمنفي يشارك في حدث قائم يتفاعل ويقدم عرضا ايجابيا بصفة الجمهور اكبر ممثل في الحدث, والقضية ليست محسومة.
بقيت المهازل المسرحية منذ العه الاغريقي والى يومنا هذا تقوم على واحد من اكثر الجوانب الانسانية ثراء وهو السخرية,, والانسان الباكي او الذي تعدى مرحلة البكاء لسخرية الموقف انما يلجأ للضحك تنفيسا فالضحك من المسخرة في الواقع هو غاية الحزن.
السخرية من صغار الناس وضعافهم ليست امرا مضحكا بقدر ما هي في نظر من يعلونهم طبقة حديثا لكن السخرية عندما تكون من كبار الناس وطبقاتهم وتصرفاتهم الغريبة التي لا تنم عن تربية سليمة يكون في الامر ما يدعو للضحك او القهقهة لان سخف الكبار سخف مضاعف يدخل الموضوع الانساني في مجال اما التناقض والتقابل او الصور المقلوبة,, و لعل صورة الغني البخيل,, والحقير المتكبر ومدعي النفوذ والجاهل الثرثار والفتيل الذي يطارد قاتله في المليودراما ومدعي الموقع العلمي او موقع النفوذ وتناقض سلوك الآباء والامهات مع مقولاتهم التربوية لأبنائهم وتناحر الجيران المدعين لسلوكيات طبقية,, واحيانا سخف العنصريين ازاء اللون او الطبقة، كل هذا يكون مدعاة للضحك اذا ما صاغها المؤلف والمخرج المسرحي لتبدو سلوكا سليما, هناك من فنون الكوميديا ما هو أعمق وهو تناقض الانسان مع نفسه في تيار الوعي او مكاشفته لنفسه او تصرفاته عندما يكون وحيدا ,, وتكون مثل هذه التصرفات أكثر عمقا في النفس الانساية ومصدر العمق ان الانسان يرفع ستار ذاته اذا أمن الرقيب مثل صاحب المقام الادبي او العلمي المتحفظ وهو وحيدا في مكتبه ويخطر بباله من فرط سعادته ان يرقص لنفسه,, ويكون الموضوع أكثر عمقا بوجود شخص منتظر الذي هو الجمهور القابع في الظلام لا يعلم به صاحب المقام.
والمسرح في معظم الاحيان يطرح السخرية للنقد لكن هذه ليسيت ضرورة فقد يسخر المسرحيون لمجرد السخرية ولأنها مدعاة للضحك على ضعفنا الانساني.
تميز الكثير من الساخرين في كثير من أوعية العصر الثقافية والاتصالية ولأثر الثقافة الفرنسية المبكر على الثقافة العربية يبدو ان الكاتب والمسرحي الفرنسي موليير من أكثر الساخرين الذين سكنوا اوائل عصر النهضة العربية وما تلاه لا ينافسه الا الحاج جحا او جحا التركي.
وموليير من اكثر الكتاب الفرنسين ذيوعا في الفترة المسماة بالحرب الباردة اقول انه اكثر المسرحين الغربيين ذيوعا في الاتحاد السوفييتي السابق ايضا وبالذات بعد الحرب العالمية الثانية, (وكان كثير من الدول العربية يدور في فلك الشرق فهو رجل مأمون من وجهة نظر العسكر آنذاك) اذ سبب ذيوعه على ما يبدو الرقابة المشددة التي اخرست كثيرا من كتاب المسرح اذا استثنينا اولئك الذين تبنوا مقولات النظام عن الفن بصفته صيغا بيرجوازية مما جعل كاتبا مسرحيا كبيرا من روسيا يلهج بالدعوة لإغلاق المسارح في حوار مسرحيته المسماة مع انه من ألمع الكتاب وجانب آخر لعله الاهم السخرية المرة التي يتبناها موليير من متحذلقي ومتحذلقات زمانه ومن المتكلفين من المنعمين حتى صورهم بصورة متكلفة ترغم المتفرج على القهقهة,, وهو من مباحات العهد اللينيني وما تلاه,, لان السخرية من سمان القطط (وهو مصطلح شيوعي اشتراكي) كان أبرز معالم الثورة البلشفية.
إذا ميزنا اصول الفرجة وعرفنا لما يأتي الناس بأنفسهم للمسرح ويدفعون مالا لذلك فالسبب انه يضحك ويبعث على البهجة ويهدىء آلامنا ونخرج منه أكثر معرفة بأنفسنا,, اذا ميزنا هذا وغيره فلن تختلط امورنا في فهم اي مسرح نريد، وكما ان ما يريده الجمهور اولا بصفة الزبون في التجارة دائما على حق,, فلا مناص من ان المسرحيين دائما على حق,, وحديث المسرحيين والنخبة والابداع حديث آخر يكشف الاعيب الغموض من أصول وقواعد الفن التي قال عنها يوما او سكار وايلد (وهذا الكلام لوايلد اعيده للمرة الثانية للضرورة) وهو قوله قواعد المسرح لا يكسرها الا من يعرفها وكسر النخبويين لقواعد في ماهية المسرح المشكلة.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
حوار
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved