الخبير الاقتصادي والسياسي د, عيد الجهني لالجزيرة أزمة أسعار النفط أصبحت مستفحلة حتى وإن اختلفت آراء الخبراء النفط سيبقى سلعة استراتيجية,, في القرن الحالي والقادم الأوبك أصبحت ضعيفة لا تقوى على مواجهة المستجدات السياسية والاقتصادية,, على صعيد السوق البترولية |
جدة - مريم شرف الدين
التأرجح الواضح في اسعار النفط والتحديات المستقبلية التي قد تعتري الاقتصاد العالمي خلال المرحلة القادمة,, يعني انعكاس هذه المشكلات بشكل غير ايجابي على التطلعات التنموية للكثير من الدول التي تطمح الى تحقيق التطور وهذا مما يتطلب وجود اقتصاد قوي لمواجهة هذه التحديات,, ووضع المعايير المحكمة والرصينة التي تمكنها من تعزيز وضعها الاقتصادي لعدم تأثره بهذه المتغيرات,.
وباعتبار المملكة العربية السعودية تمثل احدى الدول المنافسة في سوق النفط والتي حتما ما قد تتأثر بهذه الزوبعة المصطنعة في حالة عدم توفيرها للضمانات اللازمة لحماية اقتصادها ومكانتها شأنها شأن كبريات الدول.
(الجزيرة) التقت بسعادة الدكتور عيد بن مسعود الجهني ,, دكتوراه في القانون الاداري ودكتوراه في النظم السياسية والقانون الدستوري (خبير اقتصادي وسياسي),, لالقاء المزيد من الضوء على ابعاد هذه المشكلة وكيفية تداركها ,, والمعايير التي تمكنها من تعزيز اقتصادها.
* ما رأيكم كخبير نفطي باتفاق جنيف الاخير الخاص بتخفيض سقف انتاج الاوبك وانعكاسه على رفع الاسعار؟
- لا يختلف اثنان من خبراء النفط على اهمية هذا التخفيض لمعالجة ازمة اسعار النفط التي اصبحت مستفحلة حتى وان اختلفت آراء الخبراء في الطريقة التي يرونها في جلب الاستقرار لسوق النفط الدولية خصوصا ان هناك دولا من خارج الاوبك قد ساهمت هي الاخرى في تخفيض انتاجها سعيا لتحسين اسعار النفط.
وكان لهذا التخفيض اثره على اسعار النفط حيث تحسنت بشكل ملموس فتجاوز سعر دبي 14 دولاراً للبرميل كما تجاوز سعر برميل غرب تكساس 16 دولاراً اما بترول مزيج برنت فقد تجاوز 5,14 دولاراً وان كان هذا التحسن مشوبا بالحذر الشديد بعد تذبذب شديد للاسعار هبوطا وارتفاعا.
الأوبك والخلافات
* هل قامت منظمة الاوبك بدور فعال لرفع اسعار النفط من وجهة نظركم وهل تعتبر الاوبك قوة اقتصادية مؤثرة اليوم؟
- الاوبك - كقوة اقتصادية - وكمنظمة دولية كان بامكانها ان تخلق لنفسها قوة ووضعا لو استطاعت تجنب خلافاتها وطرح التناقضات جانبا واتخاذ خطوات مدروسة والتخطيط على اسس موضوعية للحاضر والمستقبل والتعامل مع الواقع بمرونة لتسيطر على الموقف البترولي لتواجه به التحديات والضغوط الدولية التي تعرضت لها والاستفادة من التجارب والدروس السابقة للتخطيط لمستقبلها لتصل الى بر الامان لتدعم مركزها ومكانتها في المجتمع الدولي كمنظمة تملك قوة اقتصادية دولية تتحكم في الجزء الاكبر من احتياطات المصدر الاساسي للطاقة في العالم.
لكن جاء الوضع عكس ذلك فهبت الرياح العاتية على الاوبك لاسباب عديدة منها عدم وجود التناغم والتعاون بين معظم اعضائها فتوالت انتكاساتها وتعمق الصراع بين اعضائها بل وتفرقت بهم السبل مما جعلها على شفا الهاوية ليس بمقدورها التصدي لاي مجابهة دولية بعد ان تشتتت وذهب ريحها فأصبحت ضعيفة غير قادرة على مواجهة المستجدات السياسية والاقتصادية التي تحدث على صعيد السوق البترولية الدولية واذا كان قد توج الاتفاق الاخير في جنيف بشأن خفض سقف الانتاج بالنجاح فان اساس هذا الاتفاق قد بدأ على ارض المملكة وهي التي دفعت بهذا الاتفاق بدءا من اجتماع حقل الشيبه وحتى التوقيع عليه,, اذا الاتفاقات تدور خارج اروقة المنظمة وتدعمها المملكة بقوة تأثيرها كدولة تملك اكبر احتياطي للنفط وانتاجه وتصديره.
مواجهة الأزمات
* ما هو مدى استفادة الدول المستوردة للنفظ من تدني اسعار النفط؟
- منح الدول الصناعية المستهلكة للنفط فرصة للتغلب على ازماتها في وقت قياسي وشهدت اقتصادياتها سنوات سمان وهي التي قامت باشعال حرب الاسعار فرفعت اسعار منتجاتها الصناعية امام تزايد الطلب عليها من الدول البترولية كما رفعت قيمة الضرائب على المنتجات البترولية حيث بلغت هذه الضرائب 60 دولارا على البرميل في اوروبا و40 دولارا في اليابان و14 دولارا في الولايات المتحدة اي ان الضرائب الداخلية في اوروبا واليابان صارت تعادل ثلاثة واربعة اضعاف ما تحصل عليه الدول المصدرة من برميل البترول.
مرحلة حرجة
* ما هي اهمية تخفيض سقف الانتاج وما مدة تقيد الاعضاء من الاوبك والدول خارج الاوبك بالتخفيض؟
- بالنسبة لسقف الانتاج وتوزيع حصص الاعضاء ضمن ذلك السقف فيعد امرا هاما في هذه المرحلة الحرجة التي تواجهها اسعار النفط لكي تخرج من الازمة الحادة التي عانت منها نظرا لاستمرار الانخفاض الحاد في الطلب على النفط في الاسواق العالمية وزيادة العرض من بعض اعضاء الاوبك والدول المصدرة للنفط خارج الاوبك.
ونحن نعتقد ان المشكلة الحقيقية تتمثل في التزام جميع الاطراف بالاتفاقيات الخاصة بسقف الانتاج فكل خروج على الاتفاق ينعكس بطبيعة الحال على الاسعار والتنسيق الجيد في الموقف بين الدول المنتجة للنفط من الاوبك والدول من خارج الاوبك يخدم مصالح الجميع والحوار وسيلة هامة للتقريب بين المواقف المختلفة بل والمصالح المتضاربة.
ولعل الدول المنتجة من المنظمة وخارجها تدرك اهمية تضافر الجهود والتنسيق في المواقف والتخطيط للمستقبل على اسس موضوعية لتدخل القرن الواحد والعشرين في سوق بترولية دولية مستقرة لتحديد الحد الامثل للانتاج الذي يصل بالسعر الى مستواه المستهدف!!
* ولكن ماذا لو خرج بعض الاعضاء على سقف الانتاج؟
- هذا سيلحق أضرار بمصالح المنتجين الملتزمين كالمملكة وفيه اغراق لاسواق النفط العالمية خصوصا ان بعض الاعضاء يخرجون على حصصهم ناهيك ان الدول خارج المنظمة تستفيد من كل برميل يخفض لزيادة انتاجها في اغلب الاحوال.
موقف المملكة
* معنى هذا انكم ترون ان المملكة لا يمكن لها ان تغض الطرف عن تجاوزات المنتجين الآخرين؟
- بالطبع لا يمكن لدولة قائدة في انتاج وصناعة النفط كالمملكة ان تغض الطرف عنه فتأثيره يلحق الضرر بالاقتصاد الوطني والاقتصاد العالمي والدول المنتجة في الحاضر والمستقبل.
ولدينا دليل عملي فمن خلال تتبعنا للتخفيضات في سقف الانتاج نجد ان المملكة كلما خفضت انتاجها فاننا نجد بالمقابل دولا اخرى في المنظمة ورغم توقيعها على قرار التخفيض الا ان تخفيضها لانتاجها لا يتعدى كونه صوريا ومع ذلك تستمر بمطالبتها غيرها بمزيد من التخفيض.
ومن رأينا انه من الصعب على المملكة ان تبذل الجهد تلو الجهد للوصول الى اتفاقيات لحماية السوق الدولية للنفط وبالرغم من توقيع اعضاء الأوبك عليها الا انهم - وعلى عجل - يتجاهلون تلك الاتفاقيات ويزيدون من انتاجهم وتجاريهم الدول خارج المنظمة لتتدهور الاسعار بينما المملكة تحترم كل حرف في تلك الاتفاقيات وهذا ما يلحق ضررا جسيما في اقتصادها الذي يعاني بالفعل منذ اوائل التسعينات.
وعلى سبيل المثال خفضت المملكة انتاجها في يناير عام 1992 من 6,8 ملايين برميل يوميا الى 4,8 ملايين برميل يوميا ثم الى حدود 8 ملايين برميل في شهر مارس من نفس العام واخيرا خفضت المملكة انتاجها 585 الف برميل يوميا محتملة اكبر كمية من خفض الانتاج لتصل حصتها الجديدة الى 438,7 ملايين برميل يوميا كل هذا تجاوبا من المملكة مع متطلبات السوق الدولية للنفط والحفاظ على استقرار السوق.
البترول وأهميته
* هل من الممكن ان يواجه البترول كسعلة عالمية التحديات القادمة في ظل توجه بعض الدول لايجاد نوعيات بديلة من الطاقة؟
- اولا: البترول سلعة استراتيجية ضرورية للدول الصناعية وغيرها في عالم اليوم وشكلت الطاقة مظاهر عديدة على المستوى الدولي ربطتها بعض الدول بسياساتها الداخلية والخارجية بل وأمنها القومي,, والنفط سيبقى لعقود بعض الدول بسياستها الداخلية والخارجية بل وأمنها القومي,, والنفط سيبقى لعقود قادمة سلعة مهمة تعتمد عليها الدول الصناعية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية فالعالم تزيد حاجته يوما بعد يوم على النفط خصوصا الولايات المتحدة الامريكية التي تعتمد على نفط الاوبك والخليج وبشكل خاص بترول المملكة العربية السعودية الذي تستورد منه امريكا نسبة كبيرة من احتياجاتها النفطية.
ثانيا: اما بالنسبة لبدائل الطاقة فبالبرغم من ان الدول الصناعية ترصد مبالغ طائلة للبحوث والدراسات لبدائل الطاقة ورغم البحوث والدراسات العديدة فان بعض مصادر الطاقة المتجددة لازالت في طور التنظير وبعيدة عن الجدوى الاقتصادية وهي لا زالت بعيدة المنال فنيا واقتصاديا ما عدا طاقة الرياح لانها كانت ولازالت مستهلكة ولكن في نطاق ضيق,, ان النفط سيستمر سلعة استراتيجية وهذا القرن هو قرن النفط فباعتقادنا ان القرن القادم سيحمل نفس الصفة,, رغم الجهود المبذولة للعثور على البدائل منذ الهزة النفطية الاولى عام 1973 وحتى اليوم,, ومن هنا فان التحديات امام النفط قد تكون متواضعة ومحسوبة.
* ما مدى اثر تدني اسعار النفط على الاقتصاد العالمي؟
- ان الانكماش الاقتصادي الذي لحق الدول المصدرة للبترول خصوصا دول المجلس وفي مقدمتها الدولة الكبرى المملكة ادى الى تدني مواز في صادرات الدول الصناعية من السلع والخدمات وغيرها ليس للدول النفطية فقط بل والى الاسواق الاخرى في النامية والتي قد تتلقى معونات لان نسبة كبيرة من المعونات تنفق على استيراد سلع رأسمالية واستهلاكية وخدمات تأتي من الدول الصناعية.
بل ان انخفاض فواتير الطاقة جعل الدول النامية المدينة للدول الصناعية تتوقف عن تسديد ما يستحق عليها من اقساط للدول الصناعية كما ان تدني اسعار النفط بشكل كبير كما شاهدناه في العام الماضي يخلق أزمة للبنوك الوطنية والدولية لانها بحوزتها حوافظ مالية في مجال الطاقة.
ورغم ان البعض كانوا يتوقعون ان يساعد تدني اسعار البترول على خفض اسعار السلع المصنفة في التجارة العالمية نظرا لانخفاض سعر النفط الا ان اسعار السلع لم تتغير الى عدد كبير رغم الانخفاض البسيط الذي سجلته في بعض الدول الصناعية.
ومما هو جدير بالتنويه ان انهيار اسعار النفط حمل معه تراجعا في الطلب على الدولار فتدني سعر صرفه وهو الذي يسعر فيه النفط وهذا خلق اضطرابا كبيرا في التجارة الخارجية لامريكا واثر بشكل كبير على مداخيل الدول المصدرة للنفط وفي مقدمتها المملكة.
المخزون وتأثيره
* هل المخزون الاستراتيجي يؤثر على اسعار النفط؟
- بالطبع حيث يكون في مقدور الدول الصناعية المستوردة للنفط في اي ظرف خصوصا اذا كان طارئا ان تتوقف عن استيراد البترول بل والامتناع عن شراء البترول العربي خصوصا الخليجي اذ لدى الدول الصناعية ما يكفيها من مخزونها الاستراتيجي لمدة تصل الى 130 يوما وتستغل الدول الصناعية ورقة المخزون الاستراتيجي في حالة تدني الاسعار,, الامر اذا تخطيط مدروس للدول الصناعية خططت له منذ اول هزة نفطية في السبعينات وما نتج عنه من تأسيس وكالة الطاقة الدولية.
البترول والاقتصاد,, السعودي
* ماذا يعني البترول للاقتصاد السعودي؟
- يعني الاقتصاد كله فالدولة تعتمد في المقام الاول بعد الله على تصدير النفط فهو العمود الفقري لاقتصادها منذ تفجر النفط في البئر السابعة في الثاني من محرم 1357ه وادار المؤسس والموحد والمصلح الملك عبدالعزيز رحمه الله الصمام ايذانا بتصدير اول شحنة من النفط وقد وظفت الدولة عائدات النفط في مشاريع عملاقة في طول البلاد وعرضها واستطاعت ان تدعم التنمية الاقتصادية وتوسع القاعدة الاقتصادية وتنوعها وانجاز معظم التجهيزات الاساسية ومن هنا فللبترول دور مؤثر ومهم في التطور الاقتصادي والاجتماعي والانجازات العملاقة في ميادين شتى صحية وعلمية وزراعية وصناعية وتجارية,, الخ كلها تم تمويلها من عائدات النفط وسيبقى للنفط هذا الدور الهام في عروق الاقتصاد لعقود قادمة.
منظمة التجارة الدولية,, والتميز
* ونحن نقف على مشارف الدخول الى منظمة التجارة العالمية ما مدى استفادة اقتصاد المملكة من ذلك الانضمام؟
- من قراءة نظام منظمة التجارة الدولية نجد ان اكبر مستفيد الدول الصناعية المستوردة للبترول ومشتقاته والمصدرة للسلع المصنعة.
وليس من شك ان الدول الصناعية هي الحصان الرابح من جراء تحرير التجارة الدولية اذ ان نظام المنظمة يفوح برائحة التحيز بشكل لا يقبل الجدل لصالح الدول الصناعية وهي الاقوى اقتصاديا والمتميزة في جميع المجالات بما فيها الخدمات والتقنية رغم وجود عدد محدود من الدول حديثة التصنيع التي ستستفيد بشكل محدود,, والدول الصناعية المتقدمة هي التي ستفوز بنصيب الاسد من حصيلة الصادرات السلعية والخدمية والتي في تزايد مستمر في الوقت الذي تنخفض فيه مساهمة الدول النامية وبشكل خاص الدول الاقل نموا.
ويلمح هنا: وفي المملكة فان الامر الذي يلفت الانتباه عدم توفر دراسات مؤهلة متخصصة تأخذ على عاتقها التقييم الاقتصادي لفوائد او خسائر اقتصادنا السعودي التي قد تحدث نتيجة انضمام المملكة الى تلك المنظمة التي اقامتها الدول الصناعية بتوقيع اتفاق اورجواي في ابريل 1994م ولا يفوتني القول ان مثل تلك الدراسات المتخصصة والتي يمكن لها ان تحدد جدوى الانضمام من عدمه تحتاج الى وقت ليس بالقصير وكان بودي ان يتزامن بدء تلك الدراسات مع اتفاق مراكش بل ان الامر كان يقتضي ندوات متخصصة في هذا الشأن.
وينوه: ويكفي لاهمية الموضوع ان ننوه ان النفط وهو السلعة الرئيسية التي تصدرها المملكة وتعتبر العمود الفقري للاقتصاد السعودي مستثنى من نظام المنظمة فالنفط والمشتقات البترولية تخضع لرسوم غير محددة بل انني اتوقع انه وفي ظل اهتمامات الدول المستهلكة للنفط - وغير المبررة - بالبيئة فانها ستضع العراقيل امام المنتجات النفطية.
ولاشك ان غياب البترول عن اتفاقية المنظمة يؤكد عدم تمثيل الدول المصدرة للنفط وفي مقدمتها المملكة اكبر منتج ومصدر للنفط في العالم اثناء المفاوضات.
اذاً ,,, نظام منظمة التجارة العالمية جاء ليستثني النفط من نظامها وهذا شرط مجحف جدا تفرضه الدول الصناعية ضد الدول النامية لضرب مبدأ حرية التجارة في الصميم ومن المهم حساب موضوع انضمام المملكة الى تلك المنظمة بدقة متناهية فالامر مسألة حساب فان لم تستفد اكثر فلماذا الانضمام مع عدم عدالة بعض الشروط خصوصا انه يتعلق بأهم سلعة تعتمد عليها المملكة رغم ان انضمام المملكة سيجعلها في موقف تطالب من خلاله ازالة بنود كثيرة تواجه صادراتها من المنتجات البتروكيماوية الى الدول الصناعية.
|
|
|