Monday 19th April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأثنين 3 محرم


الحرب الأكثر قذارة
د, عبدالله فهد اللحيدان

أرجو ان تكون الانتخابات التي جرت في الجزائر يوم الخميس الماضي واسفرت عن فوز المرشح عبدالعزيز بو تفليقة بالرئاسة فاتحة لانهاء مسلسل العنف الذي يشهده هذا البلد العربي الشقيق منذ اكثر من سبع سنوات,, اني اعتبر هذه الحرب او احداث العنف المتواصلة هي الأكثر قذارة في التاريخ العربي والاسلامي الحديث, هي قذرة لانها تدور بين اهل بلد واحد ولغة واحدة ودين واحد وهي الاكثر قذارة لانها اتسمت باسلوب بشع في القتل والذبح والارهاب, وكانت قد جرت في الارجنتين في امريكا اللاتينية حرب اهلية استمرت منذ العام 1976 الى العام 1980 اطلق عليها اسم الحرب القذرة وراح ضحيتها حوالي ثلاثين الف انسان وعند مقارنة هذا مع ضحايا احداث العنف في الجزائر والذين تجاوزوا الخمسين الفا نجد ان حرب الجزائر لا تقل قذارة على الاطلاق,, أما اذا اضفنا الاسلوب الذي نفذت به اعمال القتل في الجزائر فهي بالتأكيد الأكثر قذارة.
فعلى اثر الانقلاب العسكري الذي وقع سنة 1955 ضد حكومة الرئيس بيرون في الارجنتين اضطر بيرون الى الهروب وعاش منفيا في اوروبا اما حزبه الحزب البيروني الذي كان يحظى بتأييد الكثير من الفئات الشعبية فقد حظر وسجن الكثير من قيادات الحزب, وعلى اثر حظر الحزب قام بعض اعضاء الحزب المتطرفين والذين عانوا من تصرفات حكومة الانقلاب بتأسيس حركة عسكرية سرية كان اسمها مونتانا روس وقد قامت هذه الحركة بالعديد من الاعمال العسكرية من اعمال اغتيال وارهاب ضد الحكومة العسكرية التي كانوا يعتقدون انها العوبة بيد بعض الفئات الغنية والدول والمصالح الاجنبية, لكن العسكر اضطروا - تحت الضغوط الشعبية وربما بسبب من اعمال العنف التي ترتكبها مونتانا روس - لإعادة الحكم الى المدنيين وجرت في سنة 1973 الانتخابات التي اكتسحها الرئيس السابق بيرون.
وبعد فوزه بالانتخابات عاد بيرون الى بوينس ايرس واستقبل استقبال الابطال العائدين، وتصور الشعب الارجنتيني ان مشاكله قد انتهت وقامت الجمهورية الفاضلة بعودة بيروت وفي خطاب العودة والتنصيب انتقد بيرون الاعمال الارهابية التي قامت بها جماعة مونتانا روس كما انتقد اعمال الاعتقال والسجن والتعذيب والاغتيال التي كانت تقوم بها الحكومة العسكرية وقد غضب قادة جماعة مونتانا روس من انتقادات بيرون في حين أنهم يعتقدون ان كل ما قاموا به كان من اجل بيرون والبيرونية وقام قادة مونتانا روس بالانسحاب من الاجتماع الشعبي الحافل احتجاجا على انتقادات بيرون الذي اعتقدوا أنه خان المبادىء المثالية المتعاطفة مع آمال الفقراء والعمال والفئات الدنيا المحدودة الدخل بل ان بيرون توعد قادة مونتانا روس بالملاحقة القضائية ان هم اقدموا على اعمال ارهابية,, وظلت العلاقات بين بيرون وهؤلاء الذين اصبحوا بيرونيين اكثر من بيرون متوترة, وفي سنة 1974 توفي بيرون وخلفته زوجته بالتعاون مع مجموعة من اتباع بيرون المتنفذين في الجيش والحكومة, لكن انقلابا عسكريا وقع سنة 1976 انهى فترة الحكم المؤقتة هذه وقام قادة الجيش هذه المرة بالضرب بشدة على معارضيهم مما دفع مونتانا روس لاستئناف نشاطها بقوة ودارت حرب قذرة بين الجيش وحركة مونتانا روس ذهب ضحيتها اكثر من ثلاثين الفا من الابرياء ولم تنته هذه الحرب الا بقيام الحرب الارجنتينية - البريطانية على جزر فولكلاند والتي خسرتها الارجنتين مما اضطر العسكر لتسليم الحكم الى المدنيين.
ونحن نأمل ان تكون الانتخابات التي جرت في الجزائر يوم الخميس الماضي بداية لنهاية الاحزان في هذا البلد العربي الشقيق خصوصا أنها انتخابات مختلفة عن الانتخابات السابقة حيث دخلها عدد اكبر من المرشحين وكان هناك اجراءات متعددة لضمان نزاهتها, وكان الانسحاب الذي حدث قبل اقل من اربعة وعشرين ساعة على الانتخابات من ستة من المرشحين السبعة قد شوه هذه الانتخابات وسحب عنها كثيرا من الشرعية المطلوبة ويبدو ان المرشحين الستة قد انزعجوا من تعبير الجيش اضافة الى الاحزاب الثلاثة الرئيسية في البرلمان - وهي احزاب جبهة التحرير الوطني الحاكمة سابقا والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم الاسلامية - عن تأييدهم لبوتفليقة واعتبروا ان مثل هذا التأييد سيضمن الفوز للمرشح السابع وان الاجهزة الحكومية ستلجأ الى تزوير الانتخابات كما انهم احتجوا بماوقع في الانتخابات المبكرة التي جرت في بعض المناطق النائية على انه نموذج لما سيحدث في كافة ارجاء البلاد رغم ان هناك ممثلين لكافة المرشحين يراقبون التصويت في كافة المراكز, وكان من الافضل ان يستمر هؤلاء المرشحون بالسباق الرئاسي حتى النهاية ثم يقدمون الطعون القانونية في النتائج بعد وقوع اعمال تخل بنزاهة الانتخابات,, انما فضل هؤلاء المرشحون الانسحاب مجردين هذه الانتخابات من كثير من شرعيتها وحارمين بلادهم الفرصة للخروج من النفق المظلم,, وكان كثير من المراقبين يؤملون وجود احمد طالب الابراهيمي وهو الاسلامي المعتدل والسياسي السابق والذي حظي بتأييد قسم مهم من جبهة الانقاذ المحظورة,, يؤملون ان يكون ذلك بداية للانفراج السياسي بين الحكومة وجبهة الانقاذ وكانت جبهة الانقاذ قد فازت في الانتخابات البرلمانية التي جرت سنة 1992 والتي الغاها الجيش واستقال على اثرها رئيس الجزائر في ذلك الوقت الشاذلي بن جديد فكانت بداية اعمال العنف,, لقد جاء الجيش برئيس جديد اثر استقالة الشاذلي ابن جديد كما قام الجيش بتعليق الدستور وطبقت احكام الطوارىء وكان حرمان جبهة الانقاذ وحظرها وتطبيق احكام الطوارىء هو بداية لاعمال العنف التي تشهدها الجزائر منذ اكثر من سبع سنوات,, والآن يبدو ان الجميع الجيش والجامعات المسلحة قد علمت ان طريق العنف لا يقود الى اي نهاية وكنا نأمل ان يستمر الابراهيمي في الانتخابات حتى النهاية ليثبت ان هدفه هو انقاذ الجزائر والتعاون مع الجميع بما فيهم الجيش أو بو تفليقة لتحقيق هذا الهدف النبيل,, ويأمل الجميع ان يتمكن بو تفليقة وهو السياسي المتمرس والمفكر المستنير من فتح باب الحوار مع الجميع واشراك جميع التيارات السياسية وبالذات التيار الاسلامي الذي هو مهيأ اكثر من غيره لمحاربة التيارات المتطرفة في حكومته المقبلة.
يمكن مراسلة الكاتب على البريد الالكتروني
Lheedan @ Ksu. edu. sa

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
الطبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved