Monday 19th April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأثنين 3 محرم


مؤسسات التعليم العالي بيئة البحث العلمي (3-3)
أ,د, عبدالرحمن بن سليمان الطريري*

العلاقة بين البحث العلمي والتعليم العالي علاقة وثيقة اذ يمثل الرحم الذي ينمو فيه البحث ويتطور واذا لم يكن الرحم سليماً ومهيئاً بصورة طبيعية فمن المتوقع ان يكون الجنين غير مكتمل النضج وقد يصاب بالكثير من العاهات, وفي وطننا العربي توجد مراكز ومعاهد بحوث داخل الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، لكن البحث العلمي في الوطن العربي لايمكن مقارنته بواقع البحث العلمي في الغرب لامن حيث الكم ولا الكيف اذ الإبداع والجديد هو الغالب في البحوث المنجزة في العالم الغربي ولا ادل على ذلك من منجزات الحياة الحديثة المتمثلة في المخترعات والتجهيزات المنزلية وفي مجال الاتصالات والطب وغيرها وهذه كلها لم تأت من فراغ بل هي نتيجة جهود بحثية دؤوبة اعطيت من الوقت، والجهد، والمال ماتستحقه.
وبجانب مراكز ومعاهد البحوث الموجودة في الجامعات توجد مراكز وهيئات مستقلة انشئت خصيصاً للبحث العلمي، ولعله من المناسب ان نتوقف قليلاً عند بعض معضلات البحث العلمي سواءً كانت تبعيته للجامعات ومؤسسات التعليم العالي او كان تابعاً لهيئات مستقلة,
لعل من الملاحظ ان من مشكلات البحث العلمي الازلية في العالم العربي هو تحول هذه الاجهزة الى اجهزة ادارية تمارس الادارة البيروقراطية بأسوأ صورها مايجعلها تقتل البحث العلمي, ولعل من الامثلة البارزة في العالم العربي بعض الهيئات التي انشئت خصيصاً لغرض البحث العلمي، لو قارنا نفقاتها الادارية بالنفقات على البحوث لو جدنا انه لامجال للمقارنة الادارية وهذا الامر ربما يعود في الاساس الى خلل في الطريقة التي نفكر فيها، ولقد تحولت بفعل طريقة التفكير هذه بعض الهيئات البحثية الى مجرد وسيط او ساعي بريد بين الجهات، بين الباحثين ودور الخبرة من جهة وبين طالبي البحوث من جهة اخرى ولم يعد لهذه الهيئات من مهمات سوى اجراءات ادارية وتخلت بذلك عن مهمتها الاساسية وهي اجراء البحوث ومباشرتها.
ان الحل الأمثل لوضع مثل هذه الهيئات هو الغاء الهيكل الاداري لها وتحويل مسميات وظائفها، فبدلاً من رئيس او مدير ونواب ومديري وحدات تكون المسميات باحث اول وباحث ثان وثالث او اي صيغة اخرى وذلك من اجل اضفاء صفة العلم البحثي لكل من ينتسب لهذه الهيئة او لذلك المعهد والمركز, ان المتوقع هو ان يزاول كل من يلتحق بمثل هذه الهيئات عمل البحوث وإنجازها وقبل ذلك تكون عملية الاختيار لموظفي هذه الهيئات بناءً على خصائصهم ومهاراتهم واستعداداتهم البحثية, هل هيئات البحث العلمي في العالم العربي تفرض هذا الشرط وتراعيه؟ الجواب كلا والدليل ان عدد الموظفين الاداريين يفوق بكثير عدد الباحثين كما ان الانفاق الاداري يفوق الانفاق على البحوث والدراسات كما ان الانشطةالمزاولة بشكل يومي داخل هذه المؤسسات انشطة إدارية ليس لها الطبيعة البحثية.
وطالما الحديث عن الانفاق على البحوث يحسن الاستشهاد ببعض الارقام، لقد قرأت قبل فترة وجيزة حول البحث العلمي في احدى جامعات استراليا الا وهي جامعة ميلبورن، حيث يؤكد المصدر ان هذه الجامعة تنفق ، ما مقداره 234 مليون دولار استرالي اي مايعادل 560 مليون ريال سعودي، هذه جامعة واحدة من بين 37 جامعة توجد في ذلك البلد فكم تكون ميزانية البلد بكل جامعاته ومؤسساته العليا والتي تخصص لاغراض البحث العلمي؟! ويحسن بنا ومؤتمر وزارء التعليم العالي والبحث العلمي منعقد في الرياض ان نتساءل كم تبلغ ميزانية البحث العلمي في العالم العربي بكامله؟ لقد سمعت ولم اقرأ من أي مصدر كان ان ميزانية البحث العلمي في هيئة بحثية في احدى الدول العربية بلغت في العام الماضي 15 مليون ريال، وفي هذه المعلومة يمكن ان يدرك القارئ الكريم الفرق الشاسع في الميزانية والذي يعكس بطبيعة الحال جوانب الاهتمام في العالم العربي.
ان عالمنا العربي بحاجة ان يعيد النظر في هيكلية مؤسساته البحثية ليلغي منها هذا الترهل الاداري ويوجه كافة عناصرها ومنسوبيها لمزاولة البحث والبحث فقط دون الانشغال بالاجراءات الإدارية المهدرة للمال والوقت والجهد، كما ان الحاجة ماسة لزيادة المخصصات المالية الموجهة للبحث العلمي بدلاً من هذا الفتات خاصة وان المواطن العربي يرى الانفاق الهائل والكبير على امور ليس لها اي مردود على حاضره او مستقبله .
ان تبادل المعلومات بين اقطار العالم العربي لأمر ضروري يفترض ان يكون احدى النتائج التي تتمخض عن هذا المؤتمر لكن تبادل المعلومات لن يكون ممكناً بدون ارادة قوية وشبكة معلومات جيدة وفعالة تكون خارج نطاق الاجهزة الرقابية.
ان العالم العربي وهو يستقبل الالفية الثالثة بحاجة الى قرارات جرئية واجراءات سريعة وانظمة ولوائح مرنة وانفاق جزل اذا اراد ان يسهم في حركة البحث العلمي واذا اراد ان يخرج من دوامة مشاكله الكثيرة والمتكررة، وبدون هذه الاشياء سيبقى ضعيفاً عليلاً منشغلاً في مشكلاته وزراياه متخلفاً في مستوى معيشة ابنائه وصحتهم، تابعاً لغيره في قراراته، واقتصاده وبنيته العسكرية والمدنية، ولذا فالعشم كبير في هذا المؤتمر ان يكون نقطة انطلاق لمستقبل مشرق وواقع يتحول نحو الافضل وفق اسس علمية مدروسة وليست قرارات قائمة على الأهواء والمصالح الشخصية.
* عميد كلية التربية بجامعة الملك سعود

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
الطبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved