Monday 19th April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأثنين 3 محرم


ظاهرة الانتظار في المسرح النثري
تأليف: د, محمد عبدالله حسين
قراءة وعرض: د, مصطفى رجب

من احدث اصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب هذا العام 1998م هذه الدراسة القيمة والتي بعنوان ظاهرة الانتظار في المسرح الشعري والتي قام بها د, محمد عبدالله حسين وتقع الدراسة في نحو خمسمائة وستين صفحة من القطع الكبير.
وتحاول هذه الدراسة ان تقف امام ظاهرة الانتظار في المسرح المصري النثري حتى عام 1973م ملقية الضوء عليها مبينة اوجه خصوصيتها في فكر كتاب الدراما المصريين وتنوع اشكالها، ومدى تأثيرها على المضمون والشكل بصورة لافتة للنظر جعلتها تختلف عن ظاهرة الانتظار في المسرح الغربي بدقة اختلاف الفكر بين حضارة الشرق بتراثها الروحي العريق وحضارة الغرب بماديتها وفراغها الروحي.
وقد قسم الباحث الدراسة الى جزءين: الجزء الاول وضعه تحت عنوان النظرية والجزء الثاني تحت عنوان التطبيق , حيث يحاول الباحث في الجزء الاول ان يوضح العوامل التي اسهمت في ايمان العقل المصري بالانتظار ثم محاولة رصد الظاهرة ومراحل تطورها في رحم الفكر المصري في مراحل تطوره المختلفة منذ فجر التاريخ وحتى العصر الحالي، وينقسم هذا الجزء الى فصلين الفصل الاول تحت عنوان الطبيعة والحضارة ، والفصل الثاني تحت عنوان التطور والنضج والاكتمال , وسوف نتناول الآن هذا الجزء بالتفصيل.
ففي الفصل الاول المعنون الطبيعة والحضارة يبين الباحث مدى تأثير البيئة جغرافيا من حيث المكان والمناخ في طريقة وسلوك وتفكير الانسان المصري مع عقد مقارنة بين الانتظار في الفكر المصري والانتظار في الفكر الاوروبي, وفي البداية سنتناول عنصر الطبيعة حيث ان من الواضح ان سلوك الانسان وطريقة تفكيره ونظرته للحياة في اي مجتمع من المجتمعات يتكون نتيجة لمقومات البيئة وظروفها وتركيب جماعاتها، فالبيئة الجغرافية اول مايلفت النظر في المؤثرات التي اسهمت في التكوين الاجتماعي للشخصية المصرية، فالانسان المصري بحكم الطبيعة دائم التوقع والترقب والانتظار وهو يعيش دوره من ذلك الترقب لاتكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد وهذا ماتجسده بوضوح عملية الزراعة ومايتبعها من بذر وسقي ورعاية وحصاد، فقد علمت الزراعة النفس البشرية انتظار الراحة بعد التعب، كما علمتها المراقبة بدءا من الحبة ونهاية بالثمرة، كل ذلك كان نتاجا لعملية الزراعة التي تتم في صمت مستقر واحساس بالرضا وذلك في اطار من التعاون وتكاتف الايدي, واللافت للنظر ان النظام الاقطاعي المصري يختلف عن مثيله الاوروبي، ففي مصر لم يكن من حق صاحب الاقطاع ان يورث اقطاعه في حين ان السكان في الغرب كانوا يقطعون مع الارض وذلك نتاج طبيعي للروح الفردية والمزاج الفردي في الشخصية الاوروبية والروح الجمالية وهدوء الطبع في الشخصية المصرية.
اما الجزء الثاني فيتناول الحضارة، ذلك البعد الذي صنعه المصري القديم منذ فجر التاريخ، وما آمن به هذا الانسان من معتقدات اثرت على اسلوب حياته وانعكست في رسمه وتلوينه كان لها اكبر الاثر في ترسيخ فكرة الانتظار، ويناقش هذا الجزء مفهوم الحضارة من خلال عدة جوانب منها على سبيل المثال ايمان المصري القديم بالبعث والخلود حيث سيطرت فكرة الحياة بعد الموت على فكر الانسان المصري القديم والعدد الهائل من المقابر والمعابد والاهرامات التي تركها لنا المصري القديم خير شاهد على ذلك، كل ذلك جعل المصري القديم في حالة خوف وقلق من تلك الحياة الآخرة التي لم يعرفها ولم يسبق له ان جربها، كما يناقش المؤلف مسألة تصور المصري للحساب في الآخرة وعلاقته بالانتظار فكيف ان فكرته عن الحساب في الآخرة قد عمقت فكرة الانتظار حتى صارت ظاهرة واضحة في التفكير المصري سواء على المستوى المادي والمعنوي.
ثم يقارن المؤلف في نهاية الفصل ظاهرة الانتظار في كل من الفكر الاوروبي والمصري ومابينهما من اختلافات حيث يرى المؤلف ان الانتظار الاوروبي انتظار عقيم لانه في انتظار الله الذي لايأتي -في نظرهم- وهذا مرتبط بظاهرة الفراغ الروحي في الحضارة الغربية، ثم بعد ذلك يقوم المؤلف بتناول قضية الفكر والفن في مصر في ضوء ظاهرة الانتظار وهذه الفكرة ينهي بها هذا الفصل من الكتاب الذي بين ايدينا.
واما الفصل الثاني فهو تحت عنوان التطور والنضج والاكتمال ، وفيه يتناول الباحث تطور ظاهرة الانتظار في الفكر المصري من خلال ايمان الانسان المصري بالعقيدة المسيحية التي كانت تتمتع في مصر بخصوصية جعلتها قبطية ثم نضج الظاهرة واكتمالها بعد الفتح الاسلامي لمصر، ثم تأثير الحضارات الوافدة وتوالي المستعمرين -مع اختلاف اجناسهم- ومدى تأثيرهم على فكر الانسان المصري واسلوبه في التعبير عن مكنون نفسه مما اثر بشكل او بآخر في خصوصية الظاهرة.
والجزء الثاني يقع تحت عنوان التطبيق ويتناول فيه الباحث ظاهرة الانتظار في المسرح المصري النثري حتى عام 1973م ويشير البحث الى ان الانتظار ملمح بارز في الدراما المصرية منذ ايام يعقوب صنوع وحتى الوقت الحاضر باعتبار ان صنوع أول كاتب مصري بدت في كتاباته الروح المصرية واول كاتب وصلتنا اعماله التي تتسم بكونها مصرية البيئة، ومصرية الشخوص، ومصرية الموضوع، ومصرية الحوار، ولم تكن الظاهرة واضحة المعالم في مسرح صنوع بل كانت مجرد ارهاصات لم تتضح بعد، ثم استبعد البحث كل المحاولات التي تلت صنوع لانها كانت اعمالا مترجمة او ممصرة او معربة لكتاب غير مصريين، ثم حاول البحث رصد ظاهرة الانتظار في اعمال كتاب الدراما منذ ابراهيم رمزي باعتباره اول كاتب مصري يكتب مسرحية متكاملة البناء تتناول قضية اجتماعية من صميم البيئة المصرية، وتبدو فيها ظاهرة الانتظار واضحة تماما وحتى عام 1973م, وكما استبعد البحث الاعمال المترجمة والمعربة والممصرة استبعد ايضا المسرحيات ذات الفصل الواحد لان الظاهرة لاتتضح فيها بصورة متكاملة ولايمكن تتبع الظاهرة ومدى تأثيرها في البناء الفني للنص الا في حالات نادرة ولذا فقد انتصر التطبيق علىالمسرحيات النثرية الطويلة فقط.
وقد قسم الباحث هذا الجزء الى ثلاثة فصول، اما الفصل الاول فهو تحت عنوان الانتظار ظاهرة اجتماعية ويحاول الباحث في هذا الفصل ان يراقب هذه الظاهرة من عدة جوانب مثل التطور الحادث فيها وتأثيرها في مجموعة الاعمال التي تتناول قضايا اجتماعية وذلك من حيث الشكل والمضمون، وقد اقتصر البحث على بعض المسرحيات وهي دخول الحمام مش زي خروجه لابراهيم رمزي الهاوية لمحمود تيمور السلسة والغفران لعلي احمد باكثير، الصفقة لتوفيق الحكيم المخبأ رقم 13 لمحمود تيمور, ثم بعد ذلك يتناول المؤلف التطور الحادث من الظاهرة عند كتاب الواقعية وذلك من خلال الشكل والمضمون وذلك من خلال تحليله لعدة مسرحيات الناس اللي تحت ، الناس اللي فوق ، عائلة الدوغري لنعمان عاشور، المحروسة ، السبنسة ، كوبرى الناموس ، سكة السلامة لسعد الدين وهبة، رحلة خارج السور لرشاد رشدي، المهزلة الارضية ليوسف ادريس، الزوبعة لمحمود دياب.
في الفصل الثاني الذي بعنوان الانتظار ظاهرة سياسية يحاول الباحث ان يتعرض للاعمال ذات الصبغة السياسية محاولا ان يتفحص ابعاد ظاهرة الانتظار في تلك الاعمال والتي تحمل بين طياتها نوعية اجتماعية، كما يقوم المؤلف بتتبع تأثير الظاهرة في البناء الفني لهذه الاعمال، وقد وقف البحث في هذا الفصل امام مسرحيات: امبراطورية في المزاد لباكثير، اللحظة الحرجة ليوسف ادريس، ثم يتعرض البحث لتطور ظاهرة الانتظار كظاهرة سياسية باختلاف اشكالها بعد نكسة 1967م ذلك من خلال مسرحيات 7 سواقي لسعد الدين وهبة، رجل طيب في ثلاث حكايات لمحمود دياب، المخططين ليوسف ادريس، عفاريت مصر الجديدة لعلي سالم، إيزيس حبيبتي لميخائيل رومان.
وفي الفصل الثالث وعنوانه الانتظار ظاهرة ثلاثية يعتمد الباحث في هذا الفصل على بعض الاعمال المستمدة من التراث سواء من خلال التراث الشعبي او التاريخ او الاسطورة، وقد لمح الكاتب الى كثرة الآمال وتنوعها وتنوع الظاهرة بحكم اصولها التراثية، وقداستخدم الكاتب التراث كرمز وذلك من اجل الهروب من بطش الرقابة، وبالتالي جعل منه ستارا يحتمي وراءه ليعبر عن الواقع المعاش في تلك الفترة.
وقد تناول الباحث خمسة اعمال في هذا الصدد: مسمار جحا لباكثير، السلطان الحائر لتوفيق الحكيم، الفرافير ليوسف ادريس، اتفرج ياسلام لرشاد رشدي، سليمان الحلبي لألفريد فرج, وقد حاول البحث ان يستقصي هذه الظاهرة في تلك الاعمال مع اظهار مدى تأثير هذه الظاهرة بالسلب والايجاب على البناء الفني.
وهكذا ينتهي الكتاب بعد ان جذبنا المؤلف بأسلوبه الشيق خلال رحلة بحثه الطويلة، والتي عشنا فيها عبق الاعمال التي عرضها لنا.

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
الطبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved