يواجه التعليم الكثير من التحديات، وجمعكم - بعون الله - قادر على طرح رؤية علمية لمواجهتها.
اليوم الاثنين - بمشيئة الله - يفتتح مؤتمر وزراء التعليم العالي العرب في الرياض، باستضافة كريمة من المملكة العربية السعودية ممثلة بوزارة التعليم العالي التي عرفت بمبادرتها الريادية، واهتماماتها المتميزة بقضايا التعليم العالي والبحث العلمي.
من بين الموضوعات التي احتلت مساحات كبيرة على الساحة العربية والعالمية نجد اهمها سياسات البحث العلمي، والانتاج العلمي لاعضاء هيئة التدريس، والتشجيع على البحث العلمي، ورفع كفاءات الباحثين، وربط الجامعة بمؤسسات الانتاج، وتفعيل مشاركة الجامعة في مشروعات التنمية واستراتيجية استشراف مستقبل العمل التربوي.
وإذ نقترب بخطواتنا من الولوج في الالفية الثالثة، ينتظر التعليم العالي الكثير من التحديات التي يجب ان نعمل فيها الفكر ونحتاط لها بكل الوسائل حتى نضمن لهذا التعليم الكفاءة والكفاية والمقدرة على مواجهة تلك التحديات.
ومن بين التحديات التي تفرض نفسها على التعليم العالي ما يمر به عالمنا اليوم من تحولات متسارعة في مجالات الحياة المختلفة، الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتقنية بل والاخلاقية أحيانا، والتي قد تصل في درجة سرعتها الى حالة من التهور، مما قد يتسبب في حدوث الصدمات الثقافية في بعض المجتمعات, وفي المقابل نجد البطء المعهود في نظم التعليم عامة من جهة استجابتها للتغيرات المجتمعية, وهذا البطء يجعل مؤسسات التعليم العالي متهمة بالتقصير في خدمة المجتمع.
وإذا كان من بين الاهداف التقليدية المنوطة بالتعليم العالي هو نشر الثقافة، والمشاركة في صنعها، فكيف يمكن لهذا التعليم الموازنة بين تحقيق هذا الهدف بفاعلية في مواجهة هذا الزخم الهائل من التراكم المعرفي والمتزايد في سرعة تراكمه, وفي الجانب الآخر كيف يمكن الموازنة بين تكريس خدمة التعليم العالي للثقافة الام التي يعمل في ظلها، وفي نفس الوقت ربطه بالثقافة العالمية وبالذات اننا نتجه نحو العولمة والكونية, وهناك تحد يفرضه التطور السريع والمتنوع في المعرفة وفي العلوم مما يتطلب تغييرا وتطويرا في مناهجنا التعليمية وطرق تدريسها وأسلوب الجمع بين اطراف المعرفة في مناهج بيئية ومناهج مترابطة, وتحد يفرض نفسه على التعليم العالي ونحن على ابواب القرن الحادي والعشرين يتمثل في كيفية موازنة هذا التعليم بين الوفاء بمتطلبات سوق العمل التي تتزايد تعقيداً يوما بعد يوم، وبالذات فيما يرتبط بالجوانب التقنية، مما يتطلب التدقيق في اعداد الداخلين فيه وتوفير الاجواء الاكاديمية والعلمية الملائمة والكفيلة بتحقيق تلك المتطلبات، وبين المطالبة الملحة والدائمة بفتح ابواب هذا التعليم امام الجميع، بالطبع مع وجود معيار الكفاءة والمقدرة, فكيف يمكن تحقيق التوازن بين طرفي هذه المعادلة الصعبة وفي ظل تزايد تعقيد مضامين وأساليب التعليم العالي، وكذلك مع تزايد تكاليف الفرد الداخل فيه، مما يفسر عجز الكثير من البلدان عن تلبية الطلب الاجتماعي الضاغط على هذه المرحلة.
وكيف يمكن كذلك لمؤسسات التعليم العالي ان توفق بين مساحة الحرية الاكاديمية التي تبحث عن توسيعها دائما واكتساب ارضية اكثر في هذا المجال، لتأكيد استقلالها، وبين كون هذه المؤسسات مسؤولة امام المجتمع وعرضة للمساءلة، بحكم انها تخدم في هذا المجتمع ومن بين المؤسسات التي تسعى لتحقيق اهدافه.
كل هذه التحديات وغيرها يتطلب منا التفكير في الآليات التي من خلالها او عند تبنيها يمكن تحقيق نوع من التوازن بين اطراف هذه المعادلات الصعبة التي تمثل تحديات حقيقية للتعليم العالي في الحاضر والمستقبل.
وبتوفيق من الله تعالى ان هذا المؤتمر بما يضم من مفكرين وقادة تربويين قادراً على طرح الرؤى العملية التي من شأنها العون في مواجهة هذه التحديات,, والله الموفق.
د, علي بن محمد التويخري