حين كان فضيلة الشيخ ناصر بن حمد الراشد رئيساً لتعليم البنات كان يستخدم اسلوباً مركزياً بالغ الصرامة وصل لحد انه كان يقابل بنفسه كل راغب في العمل في الرئاسة قبل تعيينه ليتأكد من انطباق الشروط عليه، ومن أهم تلك الشروط عدم التدخين، وكان لا يكتفي بتأكيد راغب العمل أنه لا يدخن، بل يحاول التأكد بنفسه بالنظرات الفاحصة، وبالتحري، وكان اكثر تشدداً وصرامة بالنسبة للعاملات في المدارس لحد أنه حين يعلم ان محرم إحدى المدرسات المتعاقدات يدخن فإنه يوجه بالاستغناء عن المعلمة، وقد كان غرض الشيخ - على ما أعتقد - بالاضافة للوازع الديني الصرف، ان يعطي انطباعاً حسناً لأولياء أمور الطالبات كي يطمئنوا الى أن بناتهم في أيدٍ أمينة فيزيل شعور التردد والخوف والشك الذي كان موجوداً في نفوس الناس آنذاك تجاه تعليم البنات في المدارس، وقد سار على هذا النهج اصحاب الفضيلة رؤساء الرئاسة الذين أتوا بعد الشيخ ناصر، وإن كان على نحو أخف,.
إنني أعرف هذا جيداً، ولذلك فقد صدمني ذلك البحث العلمي الذي كتبت عنه الصحف أخيراً والذي أكد انتشار التدخين بين المدرسات والطالبات في مدارس مدينة جدة بنسبة مرتفعة جداً وصلت بالنسبة للمدرسات الى 50% وبالنسبة للطالبات 35% وكدت والله اقول لا,, لا,, لا أصدق، ولا يعني هذا أني أرى ان ذلك الأسلوب الصارم للشيخ ناصر والمشايخ الآخرين الذين أتوا بعده كان ينبغي ان يمنع ظاهرة اجتماعية يفترض أنها نشأت بسبب عوامل اجتماعية لا دخل للرئاسة بها, كما انه لا يعني انني ارى انه يمكن ان تظل المدرسة بمنأى عن سلوك ضاغط على الغرائز والأعصاب كالتدخين بوسيلة المنع والقمع خاصة بالنسبة للمرأة التي لا يمكن خروجها من المدرسة اثناء الدوام، ولكني لم أستطع قبول انتشار الظاهرة بذلك الحجم الكبير مع ما اعرفه عن ذلك التشدد الصارم لأن قبولي ذلك يعني تسليمي بأن ذلك التشدد لم يكن له اي أثر على الاطلاق، إذ ليس هناك وضع أسوأ مما اكده البحث يمكن تصور وجوده في ظل حالة تساهل مفترضة.
لقد تزاحمت في ذهني عشرات الاسئلة التي لا بد ان البحث قد اجاب عليها وتمنيت لو ان النشر شملها، ومن اهمها الاسباب التي جعلت التدخين ينتشر لا اقول في المدارس وانما لدى النساء بشكل عام الى ذلك الحد المدهش,,؟!! ولا اريد ان اخمن فأقول مثلاً انه ربما يكون نوعاً من التمرد او من اساليب الفضفضة والتبرم من الوضع، أو انه نتيجة لعدم وجود البدائل الصحية، أو بحثاً عن التميز، او طلباً للنشوة، أو بغرض التسلية، أو غير ذلك من الاحتمالات الكثيرة الأخرى,, فالتخمين يفترض ألا يكون له محل مع الأبحاث العلمية، ولذلك أتمنى ان تتكرم الجهة التي نشرت نتيجة البحث بنشر اسباب الظاهرة التي اوردها البحث، ورأي الباحث في كيفية مواجهتها، لأن هذا بالنسبة للناس والمجتمع في غاية الأهمية وله فائدة كبرى,,,, والذي اعرفه ومتأكد منه، ان الطب النفسي ينصح المدخنين بممارسة الرياضة البدنية، فهي تشغل المدخن، عن التدخين وتخفف من الآثار الضارة المحتملة للتدخين على الجهاز التنفسي، ولذلك فإني أرجو من الاطراف التي كانت ولاتزال تعارض ادخال التربية البدنية في مدارس البنات ان تعيد النظر في آرائها ومواقفها.
لقد كانت نتيجة البحث صادمة مدهشة بالنسبة لي ولكني مع هذا أخذت تلك النتيجة بمأخذ القبول احتراماً مني للأبحاث العلمية، كما أني - وأنما أتأمل ذلك الأسلوب الصارم الذي لم يؤت الثمار المطلوبة منه - على افتراض صحة نتائج البحث - تذكرت (حزام العفة) الذي تستخدمه بعض العذارى في الشرق الأقصى، أو على الأصح يفرض عليهن لحمايتهن من شذوذ السلوك، فقد كان ذلك الحزام أسلوباً للمنع والحماية شديد الصرامة هو الآخر، ولم يؤت الثمار المطلوبة منه هو أيضاً كما قرأنا عنه، فقد ظل حزاماً صارماً بلا أثر فاعل، أي حزاماً بلا عفة.
د, عبد الله ناصر الفوزان